الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

مطرب الشتاء والصيف

محمد فوزى
محمد فوزى

بعد أن حقق نجاحًا ساحقًا فى السينما وأسس شركة تحمل اسمه فى الإنتاج السينمائى، كانت ثانى محطات رحلته الفنية تأسيس شركة «مصر فون» لإنتاج الإسطوانات الغنائية، وتفرغ لإدارة الشركة التى مثلت حصيلة أحلامه الطويلة وكانت ضربة قاصمة لشركات الإسطوانات الأجنبية التى كانت تبيع الإسطوانة بتسعين قرشًا، بينما كانت شركة فوزى تبيعها بخمسة وثلاثين قرشًا فقط.



أنتجت شركة «مصر فون» حوالى 400 أغنية من أشهرها: يا سلام، ودارى العيون داريها، وفين قلبى، واستعراض الزهور، وشحات الغرام، وتمللى فى قلبى، واللى يهواك اهواه، وليا عشم وياك ياجميل، وياجارحة القلب بعيونك، وع الباب أنا ع الباب، وبلدى أحببتك يابلدى، وعيد الميلاد، وياجميل ياللى هنا، وأغنيته لنازك كل دقة فى قلبى.. حتى الأطفال غنى لهم فوزى: «ماما زمانها جاية وذهب الليل.. وأغنيته الشهيرة فى رمضان «هاتوا الفوانيس ياولاد».  

 

ساهم بجمع تبرعات «المؤلفين والملحنين» لإعادة إعمار بورسعيد
ساهم بجمع تبرعات «المؤلفين والملحنين» لإعادة إعمار بورسعيد

 

نجاحات «محمد فوزى» كانت بمثابة خطوة فى طريق المنافسة القوية بينه وبين زملائه، فقد حدث خلاف كبير بينه وبين الموسيقار محمد عبدالوهاب،  وبدأ الخلاف عندما أراد «محمد فوزى» تسجيل أغنيتين من ألحان عبدالوهاب فى شركته، وكانت الأغنيتان هما «ناصر وأيظن»، مستندًا إلى أن العمل الفنى ملك الشعب والتاريخ، وليس صاحب الأغنية، ودخلت جمعية المؤلفين  والملحنين طرفًا فى الخلاف، حيث كان قانون الجمعية  ينص على أن أى شخص مقيد فى الجمعية كعضو، فإن الجميعة لها حق التصرف فى قرار التسجيل والتوزيع نيابة عنه،  فلجأ فوزى إلى الجمعية يطلب منها تسجيل الأغنيتين لديه فى الشركة، ووافقت الجمعية على طلبه،  الأمر الذى دفع بالفنان محمد عبدالوهاب للجوء للقضاء رافعًا 3 دعاوى قضائية مطالبًا بتعويض قدره 10 آلاف جنيه.

واتسعت دائرة الخلاف وتدخل الفنان فريد الأطرش مساندًا الفنان «محمد فوزى» فى مواجهة «عبدالوهاب»، مطالبًا إياه بسحب توكيله من الجمعية إذا كان يريد أن يستغل حقوقه ومصنفاته الفنية، كما تدخل أيضًا الملحن رياض السنباطى ووصف عبدالوهاب بأنه تاجر مهمته جمع المال!

خلاف مع عبدالوهاب 

وقتها  وصف «مأمون الشناوى» عبدالوهاب بأنه فنان وتاجر، وقال إنه أحيانًا يتحدث كفنان فى شئون التجارة كتاجر فى شؤون الفن، لكن الوحيد الذى ساند عبدالوهاب كان الفنان منير مراد، الذى قال بأن من حق عبدالوهاب أن يشرف على حقوقه الفنيه والمالية.

عقب هذه الأزمة خسر موسيقار الأجيال عضوية مجلس إدارة جمعية المؤلفين والملحنين، وفاز محمد فوزى بالعضوية، بعد تأييده تطبيق القانون وحق الجمعية فى تحصيل 8 % من إيرادات كل إسطوانة غنائية يتم تسجيلها، فيما كان «محمد عبدالوهاب» يرفض ذلك.

تسبب الخلاف بين «فوزى وعبدالوهاب» فى طفرة فى مجال الموسيقى  فقد أبدع فوزى لونًا غنائيًا جديدًا اسمه «أكابيلا» ظهر فى أغانى مثل: «كلمنى. طمنى. وارحمنى يوم يا حبيبى» وهى عبارة عن موسيقى لا تصحبها فرق موسيقية، ويستعين بدلًا منها بالصوت البشرى من كل الطبقات من السوبرانو إلى الباص، وهو لون يشكل تحديًا لألوان الغناء المألوف، ويحتاج إلى دراسة متعمقة لعلم الأصوات البشرية وعلم التأليف الموسيقى «هارمونى» و«كونتر بوينت»، وذلك لفهم طبيعة ومساحة صوت المؤدى.

 

قدم فوزى الرومانسية فى عدد من أفلامه
قدم فوزى الرومانسية فى عدد من أفلامه

 

ظهرت أغانى «أكابيلا» فى القرن السادس عشر فى إيطاليا كشكل من أشكال الموسيقى الدينية تُكتب للأصوات البشرية وحدها دون استخدام آلات وتغنيها المجموعة، أما أول من لحنها فكان الإيطالى بيير لويجى بالسترينا، ثم ظهرت المدرسة الفلمنكية التى وضعت نصب أعينها تهذيب هذا اللون وتنقيته من الإغراق فى استعمال الخطوط الموسيقية الإضافية (الهارمونى)، واهتمت بالصوت البشرى فقط، فجعلت منه أداة للتعبير الكامل، وأصبحت أكابيلا تعتمد على الهارمونى المدروس لا مجرد وجود أصوات متوافقة بالصدفة.

قدم محمد فوزى الرومانسية الخالصة بشكل مميز فى أفلام: «دايما معاك وليلى بنت الشاطئ وورد الغرام»، وقدم ما يمكن تسميته أفلامًا نفسية فى إطار خفيف مثل: «المجنونة وثورة المدينة»، كما قدم خيالًا علميًا كوميديًا مثل «من أين لك هذا»، وقدم أحد أفضل الأفلام الدرامية الفانتازية المصرية وهو فيلم «معجزة السماء».  

كان فوزى يلتمس الموهبة ويقدمها على نفسه فقدم العديد من المواهب ودفعهم إلى الجمهور مثل بليغ حمدى، فقد كان سببًا فى تعاون كوكب الشرق (أم كلثوم) مع (بليغ) عندما قدمه إليها قائلًا: «مصر ستغنى ألحانه 60 سنه قدام» مؤمنًا بموهبته فاتحًا له أبواب النجاح وكان عمر (بليغ حمدى) حينها 24 سنة فقط وكانت باكورة أعمالهما (حب إيه وأنساك) ، وبدأت الحكاية بجملة من الراقصة والفنانة سامية جمال، عندما أفصح بليغ حمدى عن حبه لها، ردت عليه قائلة: «حب ايه اللى انت جاى تقول عليه يا بليغ». 

 

مع مديحة يسرى حبه الأكبر
مع مديحة يسرى حبه الأكبر

 

وقتها شعر بليغ بالانزعاج والضيق، وذهب إلى صديقه الشاعر عبدالوهاب محمد ليفضفض معه، وحكى له ما حدث ورد فعل سامية جمال، وقاله: «دى بتقولى حب إيه اللى انت جاى تقول عليه، فأعجب الشاعر عبدالوهاب محمد بالجملة ورأى أنها تصح كمطلع أغنية وبعد رحيل بليغ من عنده، بدأ يكتب أغنية «حب إيه».

وعندما انتهى الشاعر من كتابة الأغنية، وعرضها على أم كلثوم أعجبت بها كثيرًا، فعرضتها على محمد فوزى ليلحنها، وبالفعل بدأ محمد فوزى فى تلحينها، وفى أحد الأيام كان بليغ حمدى فى زيارة لمحمد فوزى  فى بيته، ولكن فوزى تركه ليجرى اتصالًا ضروريًا فترك بليغ جالسًا فى الصالون، وهنا شاهد بليغ كلمات الأغنية مكتوبة فى ورقة وموضوعة على الترابيزة، ليأخذها ويبدأ فى تلحينها. فيدخل عليه فوزى بعد سماعه اللحن ويخبره بأنه قام بتلحين الأغنية، فاصطحب فوزى، بليغ حمدى لمنزل «سوما» وقال لها: «ده ملحن جديد بس عبقرى و لحن الأغنية أحسن منى».

حلم أم كلثوم

وتنازل فوزى عن حلمه فى  التلحين لأم كلثوم  بكل بساطة لتكون بداية معرفة كوكب الشرق ببليغ حمدى، ونجحت الأغنية حينها لتبدأ رحلة طويلة من النجاحات بين بليغ حمدى وأم كلثوم، ولم ينس بليغ هذا الموقف النبيل لفوزى طوال حياته.

كما يعد المخرج حلمى رفلة أحد اكتشافات فوزى فى مجال الإخراج، فبعد أن كان يعمل فى الماكيير، أقنعه «فوزى» بالعمل فى الإخراج، حيث أخرج لـ«فوزى»15 فيلما من بين 36 فيلمًا مثلها للسينما، كما أسند إليه إخراج أول فيلم من إنتاجه وهو (العقل فى إجازة)، الذى اكتشف فيه أيضًا فاطمة شاكر ابنة الـ18 سنة والتى أصبحت فيما بعد «شادية»، وشارك فى بطولة الفيلم بشارة واكيم وليلى فوزى وعلوية جميل وعرض لأول مرة فى يناير عام 1947.

ويعتبر محمد فوزى هو ثانى من غنى للأطفال بعد أم كلثوم عندما قدمت سنة 1936 أغنية «نانى»، ولم  يهتم أحد بأغانى الأطفال كما فعل فوزى وأصبحت أغانيه للأطفال تراثا مثل (ذهب الليل... طلع الفجر) التى لحنها عام 54 و(ماما زمانها جاية) التى أحدثت ضجة فى أوائل الستينيات، لاستخدامه البارع لصوت طفل فى عامه الأول يضحك ويبكى بشكل رائع بين المقاطع التى يغنيها فى هيئة حوار يعبر عن حدوتة ظريفة، وولدت فكرة هذه الأغنية بعد رحلة له إلى ألمانيا استمع فيها لأسطوانة بها ضحك وبكاء طفل، ففكر فى تقديم الأغنية وأحضر 100 طفل لتسجيل أصواتهم، إلا أنه لم يعثر على الصوت المناسب، فاضطر أن يستعين بالأسطوانة التى استمع إليها، كما خاض تجربة تقديم الأغنية السياسية للأطفال من خلال أغنية بعنوان (كان وإن).

 

لم يتسول فوزى العواطف أو المال
لم يتسول فوزى العواطف أو المال

 

وعندما سئل عبدالوهاب عن «محمد فوزى» قال: ظل طوال عمره يتسول ولكن لم يتسول المال أو العواطف، وإنما كان يتسول النغمات التى كان يطاردها فى كل عمل فنى، فعندما كان ينظر إلى القمر فهذا معناه أنه سوف يخرج إلى الوجود لحنا فريدًا بإمضاء محمد فوزى. 

رغم الخلاف بينهما فإن «محمد عبدالوهاب» وصف أغانى «محمد فوزى» بأن «كلماتها بسيطة لدرجة التعقيد، خفيفة تمس المشاعر بلا انتظار لترجمة معانيها كالرصاصة تبهر الموسيقيين الجدد ليعيدوا توزيعها».

وكان فريد الأطرش يمازحه دائمًا بقوله: «يا ابنى أنت اسمك محمد الحو ولاَّ محمد الحلو ولاَّ محمد الحاوى؟» وكان يرد عليه محمد الحو، وهو اسمه الفنى آنذاك، ساخرًا: «وأنت يعنى اسم الله عليك اللى اسمك حلو. ما أنت اسمك الأطرش!» وتوطَّدت العلاقة بينهما حتى اقترح فريد عليه والفنانة تحية كاريوكا أن يحذف الحو ويكتفى باسم محمد فوزى.