السبت 18 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

قراءة فى كتاب عاطف بشاى

محمود حميدة.. النجومية فى زمن الكبار

محمود حميدة
محمود حميدة

 «هو الدرة الغالية فى أحداق السينما المصرية. يشع وهجًا برَّاقا ونبلًا فى الأداء والتعبير والتقمص، يتمتع بقامة سامقة ممشوقة، وعينين ثاقبتين مضيئتين بألق الإبداع، وسيم المحيا والملامح الجذابة الآسرة، كأنه فرس نافر فى الغمام، مترفع بوهج الكبرياء يحتضن ديوانًا من الشعر لفؤاد حداد. تخشى الاقتراب من حضرته رهبة ووجلًا، لكن انطباعك المتعجل يكشف خطأ تصورك عنه، فما إن يأنس إليك حتى يتبدى لك وجهه الحقيقى،  وروحه حلوة الشمائل التى تحمل فيضًا من الألفة والود والبساطة. ثمة عزة نفس تزينها واعتداد بالموهبة الطاغية تشملها».



 

بهذا الوصف كانت مقدمة السيناريست عاطف بشاى فى كتابه «محمود حميدة.. نجم الفن السابع»، الصادر ضمن مطبوعات مهرجان الإسكندرية السينمائى لدول البحر المتوسط فى دورته الـ 38، التى تحمل اسم محمود حميدة.

البداية الصعبة

استهل بشاى الكتاب بالفترة الصعبة التى ظهر فيها محمود حميدة وكان من الصعب فيها اختراق دائرة النجومية، حيث كانت الساحة محتشدة بنجوم ساطعة مثل محمود ياسين وحسين فهمى ونور الشريف ومحمود عبدالعزيز وأحمد زكى وعادل إمام. وكانت بدايته تليفزيونية فى عام 1986، حينما أسند إليه المخرج أحمد خضر دور البطولة فى مسلسل «حارة الشرفا» من تأليف محمد جلال عبدالقوى. وكان قد اعتذر عن الدور أحمد زكى،  فاختار المخرج الوجه الجديد محمود حميدة ليمثل لأول مرة فى التليفزيون. ثم تلاه بمسلسل «الوسية»، الذى كان بداية شهرته كممثل يلفت الأنظار. وبدأت رحلة انطلاقه، وكانت أول محطة له فى السينما قيامه بالبطولة الثانية أمام أحمد زكى فى فيلم «الإمبراطور» فى عام 1990. وبدت السينما كأنها كانت تنتظره فيصعد فيها كالصاروخ ويصبح القاسم المشترك الأعظم فى أفلام بداية التسعينيات.

 

محمود حميدة والأمير أباظة
محمود حميدة والأمير أباظة

 

وقد استطاع محمود حميدة بإصرار ودأب ورغبة عارمة أن ينهل من اتجاهات متباينة من خلال التواصل مع تجارب ورؤى مختلفة لمخرجين من أجيال مختلفة، بل لعله يمثل قلة من النجوم الذين عملوا مع كافة الأجيال السينمائية فى تنوع هائل يعكس توجهات فنية متفاوتة فى الشكل والمضمون والذائقة الجمالية ووسائل التعبير عن مدارس متعددة وعن مراحل زمنية مختلفة فى أبعادها الفكرية والسياسية، ابتداءً من جيل يوسف شاهين حيث تعاون معه فى أربعة أفلام هى «المهاجر، المصير، الآخر، إسكندرية نيويورك». وكذلك حسين كمال ونادر جلال وأحمد يحيى وسمير سيف وعلى بدرخان ورأفت الميهى. ثم مع جيل لاحق يحمل شعار «السينما الجديدة» ممثلًا فى محمد خان وخيرى بشارة وعاطف الطيب.

البطولة الأولى

نقطة الانطلاق أو الاستهلال الجيد أو «المقدمة المنطقية» بلغة الدراما أو البداية الحقيقية لمحمود حميدة فى مشوار نجوميته، التى تبرز من خلالها إمكانياته التعبيرية الحافلة التى تشى بجواهر ثمينة لموهبة كبيرة فى فن الأداء التمثيلى،  جاءت بعد ظهوره فى عدة أفلام فى أدوار متنوعة كممثل مساعد منها فيلم «الإمبراطور» الذى لعب بطولته أحمد زكى.

جاءت فرصة محمود حميدة لاعتلاء عرش البطولة فى توقيت حرج للسينما المصرية التى تحفل بنجوم كبار يسيطرون على الشاشة الكبيرة، فأحمد زكى كان مرشحًا لبطولة فيلم «فارس المدينة» لكنه اعتذر للمخرج محمد خان، فرشح له كاتب السيناريو والحوار للفيلم فايز غالى،  محمود حميدة، الذى لم يكن محمد خان يعرفه أو شاهده على الشاشة، وطلب أن يلتقى به، ووافق على الفور بمجرد رؤيته، ليصبح حميدة بطلًا لأول مرة فى فيلم «فارس المدينة». ورغم أن السينما كانت تبحث عن نجم جديد ينضم إلى نجومها الراسخين، فإن محمد خان خاض تجربة إنتاجية قاسية حين فرض أباطرة صناعة السينما من المنتجين والموزعين قيودًا صعبة فى التمويل وميزانية الفيلم وأجور الممثلين وشروطًا مجحفة فى التوزيع، مما دفعه إلى المغامرة والقيام بإنتاج الفيلم، واستطاع من خلال الاستدانة من بنك التنمية تمويل الفيلم، ليقدم محمود حميدة كبطل للعمل على مسئوليته الشخصية، وبالفعل ينجح حميدة فى القيام بالدور البطولى الأول الذى يبرهن فيه المخرج على جدارته وتفوقه فى تجسيد شخصية فارس، ويقبض بامتياز على اهتمام المشاهد وإعجابه.

ومن هنا يبدأ الكاتب عاطف بشاى فى التحليل النقدى للشخصيات التى قدمها محمود حميدة خلال مشواره منذ قدم «فارس المدينة» عام 1993 وهو بمثابة نقطة الانطلاق، مرورا بـ«الغرقانة»، و«حرب الفراولة». وكذلك تعاونه الأهم مع رأفت الميهى فى عدد كبير من الأعمال المهمة مثل «قليل من الحب.. كثير من العنف»، خاصة أن الميهى لم يكن مجرد مجرد كاتب سيناريو وحوار لا يتكرر، ولا مخرج كبير يقدم أفلامًا مميزة، ولا منتج جيد يحقق رؤية راقية لتلك الأفلام، ولكنه كان مفكرًا سينمائيًا يصوغ رؤية فلسفية تمتد من واقع اجتماعى وسياسى متغير إلى أطروحات بالغة الغور والعمق والتعقيد، تشمل الإنسان والكون والوجود فى إطار من السخرية المريرة من ذلك الواقع.

 

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

 

معادلة حميدة

تحدث الكاتب عاطف بشاى عن إحدى العلامات المضيئة فى حياة هذا الفنان الاستثنائى المخلص لثقافته وفنه والمؤمن بكل ما هو صادق وبكل ما يشبهه، موضحًا أنه من أنصع صفحات تجربة محمود حميدة السينمائية وأخصبها وأكثرها عطاءً وقيمةً فى مشواره الفنى المضيء، والذى يمثل حصادًا فريدًا هو حماسه واندفاعه الخلاق لمساندة هذا الجيل من المخرجين السينمائيين الرائعين الذين شكلوا ملامح سينما مصرية جديدة، بحيث نشعر أنه ينتمى إليهم، يشاركهم فى رؤيتهم الفنية ويتسق معهم فى جموح أحلامهم، وعذابات معاناتهم، وطموحات خيالهم، وشطحات تمردهم الفنى،  وجسارتهم فى طرح أفكارهم.

تجاوز «حميدة» كل ما هو تقليدى ومألوف وسائد إلى أشكال فنية مختلفة ومغايرة أكثر تطورًا وشمولًا. وهو أيضًا يشارك مشاركة رائعة مع الجيل اللاحق المعاصر المتمرد، الذى يقود حركة جودة فى تدشين اتجاهات السينما البديلة والتغريب والفانتازيا والتجريد والرمزية والعدمية والكوميديا السوداء، وتجلت هذه السينما فى أميز صورها بالتعاون مع أسامة فوزى فى ثلاثة أفلام من أهم أفلام تلك المرحلة، وتعتبر أيضًا من أهم الأفلام التى قام محمود حميدة ببطولتها، وهى «جنة الشياطين» و«عفاريت الأسفلت» و«بحب السيما»، وكذلك مع كاملة أبو ذكرى فى «ملك وكتابة» و«يوم للستات»، وهالة خليل فى «نوارة» وخالد مرعى فى «آسف على الإزعاج»... وغيرهم الكثير.

الفنان المستقل

والحقيقة التى تفرض نفسها فى مسيرة محمود حميدة وتجعل منه استثناءً فريدًا ووجهًا مضيئاً ومشرقًا فى تاريخ الفن السينمائى المصرى،  أنه ليس مجرد ممثل قدم للسينما العديد من الأدوار المميزة، بل إنه يمثل بمفرده مؤسسة سينمائية رائعة تسير على قدمين، فقد استطاع فى مشواره المرهق المثير والوثاب والطموح أن يؤسس لكيان شمولى يجمع بين التمثيل والإنتاج والتوزيع فى بوتقة بدأت بالدراسة الأكاديمية والعملية، حيث سافر الى الولايات المتحدة الأمريكية فى سنوات متتالية لتعلُّم فن أداء الممثل،  وعاد لتطبيقه عمليًا فقام بإنشاء «ستوديو الممثل» مستعينًا بأهم المتخصصين من الأساتذة والمحاضرين، بهدف أن يكون مركزًا لتدريب وصقل المواهب الشابة، إيمانًا منه بضرورة امتزاج الموهبة والمنهج العلمى،  ليكون نتاج ذلك تمويل هذه الصناعة بكوادر فنية لمسايرة التطور السريع والهائل لهذه الصناعة فى أوروبا وأمريكا ودول العالم المختلفة.

كما قام بتأسيس شركة البطريق للإنتاج الفنى والخدمات السينمائية فى عام 1996، والتى قدمت العديد من الأعمال الفنية، سواء من إنتاجها الخاص أو القيام بأعمال المنتج المنفذ لجهات أخرى. ويعتبر فيلم «جنة الشياطين» الذى قامت الشركة بإنتاجه من أهم الأعمال السينمائية التى أنتجت فى مصر، والذى اعتبره النقاد واحدًا من أهم مائة فيلم منذ قيام صناعة السينما فى مصر حتى يومنا هذا. وفى عام 1997 قام بتأسيس وإصدار مجلة «الفن السابع» وهى أول مجلة سينمائية متخصصة بصناعة السينما فى الشرق الأوسط.