الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
ما ذنب النيل؟

ما ذنب النيل؟

هل يعقل أن تذهب لقضاء ساعتين على ضفاف نهر النيل العظيم لتملى عينيك وتنقى رئتيك وربما تطهر أذنيك بسماع موسيقى خفيفة أو أغنية هادئة أو للاستمتاع بالسكون، فتعود إلى بيتك مصاباً بصداع قاتل جراء الضوضاء المريعة وإعياء يستلزم ملازمة الفراش بسبب تشبع رئتيك بعوادم الوقود الناجم عن محركات المراكب الصغيرة والكبيرة التى تجوب النيل جيئة وذهاباً؟! 



هل هذا هو النيل الذى نشتاق إليه ونخاف عليه من الهواء الطاير ومن محاولات البعض سلبنا حقنا الطبيعى والتاريخى فيه؟ وهل ما يجرى فى بعض المناطق فى القاهرة من أنشطة ترفيهية وسياحية (مجازاً) يرضى ربنا؟! 

من حق الجميع أن يخرج ويستمتع بالنهر العظيم. ومن حق الجميع من أصحاب الأعمال والمهن المرتبطة بنهر النيل أن يعملوا ويبيعوا ويحققوا أرباحاً. لكن أليست هناك حقوق للبيئة والطبيعة والصحة؟! 

هذه الأغنيات الصاخبة الصادرة عن أجهزة الصوت العملاقة الملحقة بالمراكب والمنشآت المقامة على ضفتى النهر العظيم والتى تتداخل مع بعضها البعض لتخرج عبارة عن خبط ورزع وليست مجرد أغنيات لا تروق ذوق الجميع. بالطبع لا مجال لطرح فكرة حرية حضرتك الشخصية فى الاستماع لأغنيات بعلو الصوت، وحرية حضرتى الشخصية فى عدم الاستماع لها. لكن هل يمكن طرح سؤال لمن «يستمتعون» بحفل أو قعدة على ضفة النيل وكل ما يسمعونه هو أصوات صاخبة متداخلة: هل أنتم سعداء؟ وهل تقضون وقتاً جميلاً حقاً؟!

ثم نأتى إلى الكارثة الكبرى ألا وهى تلك العوادم القاتلة الصادرة عن محركات المراكب، هل هناك حقاً جهة ما تراقب أو تعاقب أو حتى تتابع ما يجرى من تخريب لنوعية الهواء وتدمير لا ريب فيه لصحة الجميع والتى تكلف الدولة مليارات للعلاج؟ ثم هل معنى أن مؤتمر المناخ الأممى «كوب 27» سينعقد فى شرم الشيخ أن تقع بقية مدن مصر بما فيها العاصمة فى قبضة مخربين للصحة العامة والبيئة والمناخ دون مراقبة؟! 

أعلم تماماً أن التوعية بالقضايا البيئية أمر صعب، لكنه ليس مستحيلاً. كما أعلم تماماً أن تطبيق القانون كثيراً ما يوقظ الوعى رغماً عنه. بمعنى آخر، يمكنك أن تمضى ساعتين تتحدث عن عواقب القيادة السريعة وعدم اتباع قواعد السير. المستمعون ممن لا يعنيهم الحديث عن العواقب ومن تسيطر على أدمغتهم أفكار أخرى تتعلق باستعراض العضلات على الطريق أو ممن هم محرومون من نعمة الوعى والمنطق والقدرة على حساب المخاطر سيهنئونك على روعة ما قلت ثم ينطلقون بسياراتهم يطيرون بها على الطريق. لكن حين تطبق حزمة واحدة من قوانين المرور حيث المخالفات والغرامات، ويتم توقيع عقوبة دفع ألف أو ألفى جنيه بحسب القانون للقيادة الجنونية أو عكس السير مثلاً، فإن هذا الهراء سيتوقف فوراً. 

هراء ضرب قواعد الحفاظ على البيئة والصحة العامة لا يقل خطورة عن أى هراء آخر يعمل جاهداً للحيلولة دون نهضتنا أو تقدمنا لنلحق بما فاتنا، ناهيك عن الصدمة الناجمة عن العودة إلى البيت بعد ساعتين على النيل برئتين مشبعتين بالعوادم ورأس مثقلة بقبح الصوت وقلة الذوق.

لقد ظلمنا النيل معنا، فما ذنب النيل؟!