الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

49 سنة على نصر أكتوبر

حكايات تنشر لأول مرة من الدفرسوار

من غرفة عمليات القوات المسلحة
من غرفة عمليات القوات المسلحة

حينما أراد الرئيس الراحل أنور السادات تخفيف العبء شرقا على أشقائنا فى الجبهة السورية، ودفع بالفرقتين الرابعة والواحدة والعشرين من غرب القناة إلى الشرق يوم 14أكتوبر 73، اقترحت أمريكا على إسرائيل محاولة الحصول على أى مكاسب فى الضفة الغربية للقناة، فقام القائد الإسرائيلى إرئيل شارون بالعبور فى الاتجاه المعاكس، وحاول فتح ثغرة فى الدفرسوار بين الجيشين الثانى والثالث 15أكتوبر، معتمدا على جسر الإمدادات الجوى الأمريكى « نيكل جراس»، لكنه لم يستطع التقدم بفضل أسود مصرية، أقسمت ألا يتقدم للإسماعيلية إلا على أجسادها، وظلت مرابطة ومتمسكة بنقاطها الحصينة حتى جاء قرار وقف إطلاق النار 22 أكتوبر، بعدما هدد الرئيس السادات وزير الخارجية الأمريكى بتصفية وتدمير هذه الثغرة، والقضاء على ما يقرب من ثلث الجيش الإسرائيلى.



السيد العباسى
السيد العباسى

 

التقينا أبطال ثغرة الدفرسوار الذين استماتوا ودافعوا عن الوطن حتى انسحبت القوات الإسرائيلية بعد حصارها.. حكايات تروى لأول مرة من قلب الدفرسوار.

آخر كتيبة

الحكاية الأولى للبطل محمد ربيع- سرية الشهيد حلمى عبد الرءوف، والذى شارك فى ثغرة الدفرسوار، وجبل مريم، كتيبته.. آخر كتيبة عادت من الجبهة، وقال لـ«صباح الخير»: لقد التحقت بالقوات المسلحة عام 1970، سلاح المظلات، وكنت وقتها فى إحدى كتائب اقتحام جوى. يوم 7 أكتوبر جاءت لنا التعليمات بالتوجه إلى خلف مطار بلبيس الجوى، والتعامل مع مجموعات إسرائيلية جاءت خلف خطوط القوات المصرية، فكنا نتعامل معها، وظلت كتيبتى مع عدة كتائب أخرى هناك، حتى عرفنا بموضوع الثغرة فرجعنا مرة أخرى لإعادة تسليحنا ثم توجهنا إلى منطقة الدفرسوار يوم 17 أكتوبر.

ويضيف: كانت المعلومات التى وصلت لنا هى عبور 7 دبابات إسرائيلية من الكبارى التى عبرنا عليها فى الاتجاه المعاكس، فذهبنا على الفور، واتخذت كل سرية التشكيل المخطط لها، وكانت سريتى تحت قيادة الشهيد النقيب حلمى عبد الرؤوف، وكنت أحمل «أر بى جيه» ومعى عسكرى مساعد.

 

القائد على الجبهة
القائد على الجبهة

 

وأكمل: تحركنا الساعة الرابعة من أبو صوير إلى مطار الدفرسوار، وظللنا نضرب ونتعامل حتى وصلنا لمرمى العدو المؤثر فى الثغرة، فوجدناهم يتعاملون معنا بكل عنف، فتسللنا فى الظلام عبر نقطة إلى المطار نفسه، فوجدنا لواءً مدرعًا يتعامل مع القوات المصرية من فوق مصاطب ترابية أقامها لكشفنا، فأيقنا أنها المحطة الأخيرة فى حياة العدو وأنها السبيل الوحيد أمامه لقلب نتائج الحرب، كنا فى هذه الأثناء قد تعاملنا مع دبابتين إسرائيليتين، ورجعنا مرة أخرى للتشكيل، وتزودنا بالأسلحة والذخيرة وكل المعدات اللازمة، وقتها جاءت لنا التعليمات بالتحرك إلى الإسماعيلية عند نقطة جبل مريم، وكلنا إصرار على القتال ولو لآخر نفس فينا، كان كل واحد شايل كفنه على دراعه، مؤمنين بعقيدة النصر أو الشهادة، ولا خيار ثالث.

 

الرائد ربيع خلال حرب أكتوبر
الرائد ربيع خلال حرب أكتوبر

 

وتابع: وصلنا جبل مريم فوجدنا ترابه أسود من شدة ضرب المدفعية والهاودر المصرى على رؤوس قوات العدو، اجتمع بنا المقدم عاطف منصف، وقال: احنا متمسكين بجبل مريم على أجسادنا، وشارون حاول يدخل إسماعيلية عدة مرات لكن الشوكة التى كانت فى حلقه هى الكتيبة 85، منعناه بكل قوتنا، دمرنا له كل الدبابات التى حاول التقدم بها إلى الإسماعيلية، واشتركت معنا فى التصدى له إحدى مجموعات الصاعقة، واتمسكنا بموقعنا، لدرجة أن الرئيس السادات اتصل بقائدنا عاطف منصف، وأخبره ألا يترك أبدا تلك النقطة، فرد عليه: يافندم لو الجبل اتحرك، احنا ثابتين مش هنتحرك أبدا لآخر نفس فينا، وبالفعل ظللنا هناك حتى قرار وقف إطلاق النار، وكنا آخر كتيبة تعود من الجبهة.

 

نقيب فتحى نجم على الجبهة
نقيب فتحى نجم على الجبهة

 

مصيدة لإسرائيل

نقيب فتحى على نجم- أحد رسامى خرائط عمليات أكتوبر 73، وأحد أبطال سلاح المدفعية الذى كان مكلفا بضرب الثغرة مع كتيبته، فحكى لـ «صباح الخير» مهمته، قائلا: كنا نتدرب قبل الحرب ليلاً ونهارًا على تغطية القوات المصرية فى حال عبورها وضرب أى أهداف معادية، وبالفعل لحظة العبور يوم 6 أكتوبر 73، وبفضل الله لم يتعرض أى فرد مقاتل يوم العبور لأى مشكلة، فقد أمنا جميع الوحدات على مسافة 15 كم، وقت الحرب كنت قائدًا لفصيلة تتكون من أربعة مدافع تحت قيادة اللواء أبوغزالة، وبمجرد أن وصلت إلينا التعليمات بضرب المواقع المحددة لنا، عمرنا ثم ضربنا على الفور مع عبور أول قارب مصرى من الغرب إلى شرق القناة.

وأضاف: فى يوم 16 أكتوبر، جاءت لنا أنباء عن محاولة مرور مدرعات من منطقة الدفرسوار عن طريق سرابيوم، ومعها تعليمات بتحويل نيران المدفعية وقصف أى أهداف تحاول عبور هذه المنطقة، بالإضافة إلى بدء الطيران الإسرائيلى بالضرب بقنابل بحجم البرتقالة تزودت بها من أمريكا.

وتابع: شهادة حق، لم تستطع أى قوات معادية المرور بسبب استبسال قوات وجنود الصاعقة والمدفعية والمظلات، وجميع أسلحة الجيش المصرى الذى وقف لهم بالمرصاد.

واستمرت وحدتى فى موقعها حتى جاءت لنا التعليمات يوم 14يناير 1974 بالانتقال من سيناء إلى أبوسلطان وقت انسحاب العدو فى وجود قوات الأمم المتحدة، وكنا نسمع هتافاتهم وفرحتهم بأنهم سيخرجون من الثغرة أحياء، فالثغرة كانت بالنسبة لهم مصيدة، فلم يصدق أحد منهم أنهم سيخرجون أحياء من الدفرسوار.

ضربناه بذخيرته

أما جندى مقاتل السيد سعد العباسى -أحد أبطال كتيبة المدفعية بالفرقة 16، التى ارتكزت فى الجيش الثانى منطقة الدفرسوار، فبدأ حكاية بطولته فى الدفرسوار قائلاً: منذ بداية الحرب كنت فى نقطة الدفرسوار، حيث كان موقعى بالجيش الثانى، على مدفع هاوزر أمريكى؛ محمل على شاسيه دبابة واستطعت مع زملائى إسقاط هذه النقطة القوية، وإلحاق الهزيمة بالعدو الذى حاول التسلل إليها، ولم نكتف بذلك بل استطاعت قوات الصاعقة الحصول على ذخيرتهم، وزودتنا بها، فضربناهم بذخيرتهم التى اكتشفنا أنها أمريكية الصنع.

وأضاف: من يوم 14 حتى ليلة 16 أكتوبر، كان هناك هدوء يسبق العاصفة، حيث فوجئنا برئيس العمليات يأتى إلينا ويخبرنا بتسلل بعض دبابات العدو من ناحية اليمين، وأننا سوف نتعامل معهم ونضربهم مباشرة، وبالفعل شاهدنا الدبابات من مناطقنا المنخفضة عنها، واستغللنا الفرصة وضربناها ضربًا مباشرًا من الأسفل بطلقات 155 ملى على بعد 50 مترًا، فكانت الدبابات تنقلب أمامنا، حتى استطعنا فى هذه الليلة 15 أكتوبر تدمير عدد كبير جدا من دبابات العدو بمدفعيتنا الثقيلة، فاضطرت قوات شارون إلى التقهقر والبحث عن طريق آخر من شرق البحيرات، واستمررنا فى موقعنا مرابطين حتى أصبت.

 

 

 

وعن إصابته قال لصباح الخير: إن العدو بعدما فشل فى عبور نقطتنا، ضرب علينا كل أنواع الأسلحة والصواريخ بطائراتهم الأمريكية ليتمكن منا، لدرجة إلقائه قنابل عنقودية وموقوتة التى كانت تنتشر مثل البلى بمجرد أن تلامس الأرض، وقد أصابتنى واحدة منها أنا وزميلى الذى استشهد بجانبى بعدما شهدنا أشد المعارك التى تمت على مستوى حرب أكتوبر كلها. بعد ذلك تم نقلى لمستشفى فى قناة السويس للعلاج.

اعترافات إسرائيلية

كانت هناك اعترافات من القادة الإسرائيليين أنفسهم بفشلهم فى الثغرة، فقد اعترف موشى ديان وزير الدفاع الإسرائيلى فى مذكراته: لقد حاولنا فى الدفرسوار، لكن كل محاولاتنا ذهبت أدراج الرياح، ولذا اقترحت إلغاء فكرة العبور لأن المصريين سيذبحون أولادنا على الشاطئ الغربى.

وقال شموئيل غونين- قائد القوات الإسرائيلية الذى تم التحقيق معه لفشله فى حرب 73: كنا نعلم مسبقاً أن ذلك سيحدث ما أن بدأنا عملية العبور إلى الغرب، أما الآن فقد عبرنا فلنستمر حتى النهاية المريرة.

وذكر حاييم بارليف - القائد الإسرائيلى الذى نسب له خط بارليف- عن الثغرة: «عملية الدفرسوار كانت مغامرة انتحارية لقد كان بإمكان المصريين القضاء على قواتنا فى ساعات وتكبيدنا آلاف القتلى وكان احترام القادة المصريين لقرار وقف إطلاق النار بمثابة رصاصة الرحمة لجنودنا وضباطنا».

واعترف أرئيل شارون قائد معركة الثغرة نفسها فى مذكراته: «إننى أدرك أن كل القوات الإسرائيلية الموجودة فى غرب القناة ستكون رهينة فى أيدى الجيش المصرى لو أن القتال تجدد مرة أخرى».