آخر يوم.. وتوبة

منذ الصباح الباكر، أخذ يُعد تجهيزات الحفلة التنكرية التى سيقيمها بمسكنه الفاخر بإحدى المناطق الراقية. دخل المطبخ، فتح باب المبرد، اطمأن أن زجاجات الجعة قد بردت، وما هى إلا ساعات قلائل وتبدأ الحفلة، التى سيأتى إليها أصدقاؤه وصديقاته.

سارع إلى غرفة النوم بخطوات تشبه خطوات راقص الباليه من شدة سعادته بهذه الحفلة، وما إن دخل غرفة النوم حتى وقعت عيناه على بزته التى سيرتديها فى الحفلة، امتلأ قلبه بالسعادة والفرح حينما رأى بزته التى سيرتديها، إنها ثياب على هيئة ثياب إبليس التى تظهر كثيرًا فى المسلسلات والأفلام.

انشغاله بالإعداد للحفل جعله ينصرف عن قراءة الجريدة اليومية أو إشعال المذياع أو التلفاز.

فتح درج مكتبه، أخرج لفافة مملوءة بالمخدر، أخذ يعد سيجارة ويلفها لفًا بأصابعه، ثم أشعلها، وبدأ ينفث دخان السيجارة، بدأت رأسه تتخدر من أثرها، كاد أن يسقط من على الأرض، فسارع إلى الأريكة فى صالون شقته، دارت به الدنيا، وذهب فى دنيا أخرى غير الدنيا، وبعد دقائق بدأ يفيق من تأثير المخدر، وأخذ يفتح جفنى عينيه، رويدًا رويدًا.

وجد شاشة التلفاز مواجهة لمسقط نظره، تناول جهاز التحكم بالتلفاز، وأشعله هو  وجهاز استقبال الأقمار الصناعية.

ظهر شعار قناة هيئة الإذاعة البريطانية ال بى بى سى عربى على شاشة التلفاز ومذيع القناة مرتبك ويتلعثم فى الكلام ويقول:

أعزاءنا المشاهدين

جاءنا هذ الخبر العاجل

أعلنت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا، أنه قد تأكد لنا أن نيزكًا كبير الحجم سوف يصطدم بكوكب الأرض خلال الأربع والعشرين ساعة القادمة.

هذا وسوف ينجم عن اصطدام هذا النيزك الكبير بكوكب الأرض تدمير شامل لكوكب الكرة الأرضية بما سينتج عنه فناء وتحول كوكب الأرض إلى ذرات صغيرة من التراب.

وتؤكد وكالة الفضاء الأمريكية ناسا أن نتيجة هذا الاصطدام وفاة وتلاشى كل الكائنات الموجودة على كوكب الأرض من بشر ونبات وحيوانات ولن يستطيع أحد النجاة من أثر هذا الحادث.

اعتقد أن ما يسمعه ويشاهده هو من أثر السيجارة، فانتقل إلى قناة فضائية أخرى فوجد نفس الأخبار التى أذاعتها الـ بى بى سى عربى.

انتقل إلى قناة ثالثة ورابعة وخامسة وأخذ ينتقل بين القنوات الفضائية ليتأكد من أن ما يراه ليس من أثر المخدر، ومع مرور الوقت وزوال أثرها على عقله، بدأ يتأكد أن ما يشاهده ويسمعه من أنباء صادرة من التلفاز مؤكده وليست تهيؤات أو خيالات.

قال لنفسه:

يا نهار أسود

خلا ص حنموت كمان يوم

مش ممكن 

مش معقول

أكيد دى كذبة إبريل

بس إحنا فى سبتمبر

وجرى مسرعًا إلى ما وراء باب مسكنه ليلتقط الجريدة اليومية وينحنى ليأخذها من الأسفل ويفتحها بسرعة شديدة، ليقرأ فى صدر الصفحة الأولى بالبنط الأحمر تسريبات من ناسا باصطدام نيزك كبير بكوكب الأرض.

وإذا به وهو يقف خلف باب، فإذا بجرس الباب يقرع، ويأتيه صوت أصدقاؤه من الخارج، فيفتح الباب وهو متجهم وصامت لا يتكلم وكأن على رأسه الطير.

فيتفاجأ الأصدقاء بهذا المنظر الذى هو عليه، ولكنهم لا يبالون بصمته، ويدخلون المسكن وهم يضحكون بملابسهم التنكرية.

وبعد أن دخلوا المسكن، ظل واقفًا صامتًا متجهمًا ممسكًا مقبض الباب بيديه، فنادى عليه أصدقاؤه:

مالك يا مدحت

ياللا تعالى

باين عليك عامل حفلة تجنن

فظل واقفًا صامتًا متجهمًا، حتى أتت إليه نانسى، صديقته المقربة إلى قلبه، فجذبته من يديه، وأغلقت الباب بقدمها، وظلت تجذبه إلى أن وصلت به إلى غرفة المعيشه، وظل كما هو صامتًا متجهمًا، إلى أن دفعته على المقعد المقابل للتلفاز ولكن لم يتغير أى شىء فى رد فعل مدحت.

فقال أحد الأصدقاء ويدعى شريف:-

ده باين عليه سكران وشرب سيجارة بنى

دى باين عليها دماغ جامدة أوى

إحنا لازم نفوقه

فذهب شريف إلى إناء الثلج المعد لاحتساء خمر وقام بإغراق مدحت بما فيه من الثلج، ففاق مدحت من سباته وأخذ يصفع نفسه بيديه الإثنتين على وجهه قائلًا:-

يا نهار منيل بنيله

حنموت.. حنموت

فتعجب الأصدقاء مما يقول فصاحت إحدى الصديقات وإسمها إسراء:-

ده باين عليه لسه مافقش

فرد مدحت وهو يهم واقفًا ويمسك بجهاز التحكم بالتلفاز ويشعله:-

أنا فايق

إنتوا اللى مش عارفين حاجة

بصوا شوفوا التلفزيون بيقول إيه

فنظر الجميع ووجهوا نظراتهم إلى التلفاز وفوجئوا بالأخبار التى تشير إلى اصطدام النيزك الكبير بكوكب الأرض وفناء كوكب الأرض نتيجة هذا الاصطدام.

فضحك الجميع فى ظل ذهول مدحت وقالت نانسى:

ياعم صبح.. صبح

إنت بتصدق

كل شوية زى السنة اللى فاتت بيقولوا كده

و مافيش حاجه بتحصل

ده شو عشان يزودوا المشاهدات

فانحنى مدحت وأمسك بالجريدة الصباحية وأعطاها لنانسى وهو يشير للأصدقاء لينظروا إلى ما هو مكتوب فى صدر صفحتها الأولى.

فنظر الأصدقاء إلى الصفحة الأولى للجريدة الصباحية وقرأوا الخبر المكتوب بالبنط العريض باللون الأحمر عن اصطدام نيزك كبير بكوكب الأرض مما سيتسبب فى فناء كوكب الأرض.

فقام شريف بلف الجريدة على شكل طرطور وقام بوضعه على رأسه وهموا بالضحك جميعًا وأخذوا يلتفون حول مدحت فى شكل دائرى وهم يغنون ويدورون حوله فى شكل دائرة:

ده كلام جرايد

محدش يسمع كلامهم

ده كلام جرايد 

محدش يسمع كلامهم

فثار مدحت عليهم قائلًا لهم وهو غضبان ومغتاظًا:-

اطلعوا بره

اطلعوا بره

إنتوا مجانين

حنموت يا مجانين

حنموت يا مجانين

وذهب مدحت مسرعًا إلى باب مسكنه وقام بفتح الباب مشيرًا بيده إلى جهة الخارج مشيرًا إليهم بالخروج خارج المسكن.

فهم الأصدقاء بالخروج بعد ما لم يجدوا بدًا من ذلك وهم يهمسون بأن مدحت اتجنن من كثرة تدخين المخدر والخمر.

وتبقى من الأصدقاء نانسى الصديقة المقربة من قلبه حيث حاولت تهدئته مما هو فيه وتقلل من هول صدمة الأخبار التى شاهدها على التلفاز.

ولكن مدحت حينما رآها لا تصدق هى الأخرى، قام بطردها كما فعل مع باقى الأصدقاء.

وأصبح مدحت وحيدًا فى مسكنه، يعيد مشاهدة الأخبار مرة أخرى على التلفاز والأقمار الصناعية المختلفة، كما كان يعيد بين الحين والآخر قراءة الجريدة اليومية، حتى انقطع البث من الأقمار الصناعية، حيث أذاعت القنوات الفضائية إعلانا عن انقطاع البث لحين إشعار آخر.

جُن جنون مدحت من انقطاع البث، فقام بالانتقال إلى البث الأرضى، فوجد القناة الأولى تذيع برنامجًا لأحد المشايخ عن هذا الموضوع، وضرورة أن يهم الناس بالاستغفار وسرعة التوبة قبل أن يحين الأجل.

دمعت عيون مدحت مما يسمعه من الشيخ وسأل نفسه وهل بعد أن نعرف بميعاد الأجل والموت هل تجوز التوبة؟

فسارع بالإمساك بجهاز التليفون التجوال، وحاول الاتصال بالبرنامج ليسأل الشيخ الأزهرى عن مدى جواز التوبة بعد معرفة ميعاد الوفاة.

ولكنه فوجئ بانقطاع الشبكة الخاصة بالاتصال، فأخذ يبحث عن الهاتف الأرضى ليتصل بالبرنامج، ولكنه تذكر أنه لم يدفع فاتورة الهاتف الأرضى منذ فترة لذلك فالهاتف لا يعمل.

فجلس على الأريكة المقابلة للتلفاز، وهى مكتوب عليها «نأسف لانقطاع البث لحين إشعار آخر».

الانتظار يكاد يقتله قبل أن يموت من اصطدام النيزك بالأرض، فكر فى الانتحار، ولكن ماذا لو انتحر، ألن يموت كافرًا بهذه الموته الشنعاء.

أخذ يبكى من هول الصدمة عليه، وأخذ يقول:

يا رب

أنا نسيتك

بس طمعان فى عفوك ومغفرتك

يا رب سامحنى

وقام إلى حيث زجاجات الخمر، فحملها كلها وذهب إلى دورة المياه، وقام بإفراغها فى حوض الإستحمام، وألقى العبوات الفارغة فى القمامة، ثم توجه إلى غرفة النوم حيث ملابس الشيطان التى كان من المفترض أن يرتديها فى الحفلة التنكرية، وقام بتمزيقها أربًا إلى قطع صغيرة وهو يبكى ويقول :-

سامحنى يارب

عصيتك كتير

يارب إقبل توبتى

وبعد أن مزقها قام بإشعال النار فيها فى حوض الاستحمام وهو يبكى.

وتوجه مسرعًا إلى غرفة المعيشة حيث قطعة المخدرات، فقام بإلتقاطها من على المنضطدة وألقاها فى القمامة.

وبعد ذلك أخذ يستحم وتوضأ، وتوجه خارجًا من مسكنه متوجهًا إلى المسجد القريب من مسكنه والذى لم يصلى فيه أبدًا.

فوجده مفتوحًا ومكتظًا بالمصلين الذين يستغفرون ويصلون ويقرأون القرآن الكريم، فشق الصفوف وتوجه إلى شيخ الجامع وهم بسؤاله عن مدى جواز التوبة فى مثل هذا الحال فأجابه إمام المسجد قائلًا:-

توب يا ابنى

وأعمل اللى عليك

ربنا رحمته واسعة

إن الله غفور رحيم

فنظر إمام المسجد إلى وجه مدحت فوجد دموعه قد انهمرت على وجنتيه وهو يقول:

يارب