رون بيــكنـجهــام..!

مستر بيكنجهام أو “رون”  كما كنا نطلق عليه، تعرفت على رونالد بيكنجهام عن طريق وكالة للتوظيف Michael Page وهى وكالة توظيف كانت متخصصة فى وظائف المحاسبة والمراجعة والاستشارات المصرفية والمالية، وكنت أبحث عن محاسب ومراجع للعمل بشركتى بلندن، سيرته الذاتية كانت متشابهة مع الكثير من طلبات التوظيف لمحاسبين آخرين، من ضمن ثلاثة أشخاص وقع اختيارى عليهم، أبهرتنى طلة بيكنجهام، فهو نموذج للرجل الإنجليزى بأناقته الكلاسيكية بقامته المستقيمة، شامخ، واثق من نفسه، عيونه تتسم بالصدق والعمق، لبق منضبط الذات، يذكرك بالبريطانيين وعصرهم الذهبى.

كان يصحبنى فى مقابلاتى مع مديرى البنوك بحكم عمله كمحاسب، ويصر على أن أتقدمه دائمًا، ويتبعنى بحكم تربيته العسكرية، كان رون وجهًا مشرفًا للشركة يتحلى بأعلى معايير السلوك والكفاءة والأداء، بما يعكس مبادئ الشركة ولاسيما أنه محارب سابق شارك مع القوات المسلحة البريطانية، وكان عضوًا نشطًا، ومشاركًا مع الملكة الأم زوجة الملك جورج السادس وجدة الملك تشارلز الثالث، وبعد وفاة زوجها أصبحت أرملة فى سن 51، وأصبحت ابنتها إليزابيث الملكة الجديدة، سخرت الملكة الأم طاقتها وجهودها بمجموعة متنوعة من الارتباطات والخدمات العامة ورعايتها لأكثر من ثلاثمائة منظمة وجمعية خيرية، وأصبحت معروفة للعالم بوجهها المبهج باستمرار. كان رون باكينجهام من حواريها، ومن الأشخاص المعاونين لها، عانى الحواريون من الصفوة والخلّص والنخبة من الأصدقاء المقربين للملكة الأم، ونشاطها المتزايد، والساعات المتأخرة من الليل فى اجتماعات متواصلة، والدعوات المستمرة للغداء، رغم أنه مع تقدم السن، تقلصت ارتباطاتها الرسمية بشكل كبير.تابعت الملكة الأم الحياة فى كلارنس هاوس ومسكنها الصيفى فى اسكوتلندا روتينًا هادئًا، كانت بعيدة كل البعد عن أن تكون مدمنة على الكحول، لكنها كانت تحب المشاركة بالشرب اجتماعياً. وعلى الأقل ثلاث مرات فى الأسبوع، ينضم مدعوون لتناول طعام الغداء. كان بعض الضيوف يصاب بذعر من مراعاة الآداب الصحيحة، لكن الملكة الأم كانت بارعة اجتماعيًا لدرجة أنها تمكنت من جعل أى شخص يشعر بالراحة فى غضون ثوان. فى إحدى دعوات الغداء، أخذ شخص ما وعاء الحساء الخاص به وشرب منه مباشرة. وبسرعة، قالت له: «أعتقد أن مذاق الحساء أفضل بكثير بهذه الطريقة». وقبل وصول الضيوف، كانت تظهر عادة مرتدية قبعتها المفضلة، وهى قبعة زرقاء بها ريشة صغيرة.

كانت تستمتع بالهروب من حياتها وقيودها الرسمية، وكانت إحدى خدعها المفضلة هى التسلل من كلارنس هاوس Clarence House - سكنها الملكى ما يقرب من 50 عاماً - الملاصق لقصر سانت جيمس، مع نجل الأميرة مارجريت التى كانت تشاركها المسكن والذهاب فى جولة فى سيارته الرياضية. لم يتعرف عليها أحد أبدًا، جزئيًا لأنها كانت ترتدى دائمًا غطاء للرأس، ولكن أيضًا لأنك لن تتوقع أبدًا أن ترى امرأة فى التسعينيات من عمرها تتجول فى شوارع لندن فى سيارة شبابية.

عندما لم تكن تتواصل مع الآخرين، كانت الملكة الأم تحب الاستماع إلى الموسيقى العسكرية - خاصةً إذا كانت تتضمن مزمار “ القربة “، كما أنها كانت تحب أغانى اليودل السويسرية، نوع من الموسيقى التى تؤديها أصوات بشرية، ويمارسها القرويون فى الريف السويسرى، وتقضى وقتاً أطول فى مشاهدة التليفزيون. تمامًا مثل ابنتها الملكة إليزابيث الثانية، كانت تحب تناول العشاء على صينية أمام التليفزيون وكان كلاهما من عشاق EastEnders. كما أحببت الملكة الأم شخصية Hyacinth Bucket الفائقة التى تبحث دائمًا عن فرصة لتسلق السلم الاجتماعى فى المسلسل الكوميدى Keeping Up Appearances. 

الملكة الأم كانت محبوبة على نطاق واسع بسبب حسها الفكاهى الخفيف وسلوكها الخالى من الهراء - الصفات التى أطلق عليها فى وقت وفاتها فى عام 2002 لقب “أفضل الملوك المحبوبين”.

لُقبت الملكة إليزابيث الملكة الأم بأنها أنجح ملكة منذ كليوباترا. عرفت بسحرها الأسطورى، وتركتها الأجيال حتى سنواتها الأخيرة على أنها الجدة المبتسمة ذات القبعات الباستيل. عندما توفيت فى عام 2002، قبل عيد ميلادها الـ 102 بقليل، تمت الإشادة بها لحياة طويلة تعيش بشكل جيد.