الثلاثاء 21 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

دول جنوب آسيا تترقب «كوب 27»

تداعيات التغيرات المناخية تشرد الملايين حول العالم
تداعيات التغيرات المناخية تشرد الملايين حول العالم

تتطلع دول جنوب آسيا، التى باتت تواجه بشكل مستمر ظروفًا مناخية قاسية وخارجة عن المألوف، إلى انعقاد الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف فى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (كوب 27) فى شرم الشيخ نوفمبر المقبل، وتسعى إلى الحصول على مزيد من التمويل من الدول الغنية فى محاولة لتذكيرها بأنها ليست هى التى تسببت بالأزمة المناخية فى المقام الأول.



 

فمن موجات حَرّ وجفاف حطمت جميع الأرقام القياسية إلى فيضانات مدمرة، عانى ملايين الأشخاص فى دول جنوب آسيا فى الأشهُر الأخيرة من تتالى الظروف المناخية الشديدة القسوة، وقد امتدت رقعتها على نطاق لم يسبق له مثيل.

بالتالى، رفعت هذه الدول وتيرة مطالبة البلدان الأكثر ثراءً بتعويضات، سيما بعد أن طالت تداعيات الكوارث البيئية الناجمة عن أزمة المناخ، على غرار موجات الحَرّ الشديدة، ونضوب مياه الأنهار، واندلاع حرائق الغابات المستعرة، وتعاقب العواصف الرعدية العاتية، مناطق كانت حتى ماضٍ قريب بمنأى عن هذه العوامل الطبيعية.

ومع قرب انعقاد مؤتمر «كوب 27»، سيلتقى قادة العالم مَرّةً أخرى للتفاوض على سُبُل مواجهة أزمة المناخ المتفاقمة، فى وقت من المتوقع أن ترتفع خلاله أصوات مطالبة بتعزيز الدعم من دول العالم لمساعدة ضحايا الكوارث.

يشار إلى أن منطقة جنوب آسيا الأكثر عرضة بشكل خاص لأضرار أكبر نتيجة هذه العوامل، مقارنةً مع غيرها من المناطق؛ بسبب موقعها الجغرافى وسكانها وغياب البنية التحتية المناسبة لمقاومة التغيرات المناخية والتكيف معها.

وقد تشرَّد ملايين الأشخاص فى هذه المنطقة بسبب كوارث كالفيضانات التى دمرت بنى تحتية رئيسة مثل الطرقات والمدارس والمستشفيات، فيما شكل ارتفاع درجات الحرارة تحديات خطيرة بالنسبة إلى قطاعى الزراعة والطاقة فى المنطقة.

وتجد الدول الأكثر فقرًا، التى تتمتع بقدرة محدودة على إعادة هيكلة بنيتها التحتية، مضطرةً للقيام بخيارات أحلاها مُرّ، فإمّا أن تنفق مواردها المحدودة أصلًا على مشاريع التنمية، أو تعمل على تعزيز قدرتها على التكيف مع تغير المناخ.

وفيما يعد الأشخاص الذين يتحملون الجزء الأكبر من العبء الذى تشكله أزمة المناخ هم المعنيين الأقل بأسبابه؛ فإن قضية التعويضات المناخية تصبح أكثر إلحاحًا ومرتبطة بالعدالة.

وفى هذا الإطار، أصبحت الرهانات المعقودة على «الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف فى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ فى شرم الشيخ» أكبر، سيما أن المفاوضات الدولية المتعلقة بالمناخ فشلت حتى الآن فشلًا ذريعًا فيما يتعلق بتقديم مساعدات مالية للكرة الجنوبية.

تمويل المناخ

وينتظر أن تتمحور المفاوضات المتعلقة بتمويل المناخ حول موضوعين رئيسين؛ الأول دفع 100 مليار دولار سنويًا من التمويل المناخى للدول الفقيرة، كانت قد تعهدت بها الدول الأكثر ثراءً فى قمة الـ 15 للمناخ فى كوبنهاجن؛ حيث إنه بعد 13 عامًا من تلك القمة ما زالت الدول المعنية تفشل فى الوفاء بوعدها.

ويرى خبراء أن هذا المَبلغ أصبح الآن أقل مما هو مطلوب لمساعدة دول نصف الكرة الجنوبى على مواجهة الظروف المناخية المتدهورة، علمًا أن هناك أمَلًا ضئيلًا فى أن تفى الدول الغنية بوعودها قبل مؤتمر «كوب 27».

فى الوقت نفسه، بات واضحًا على نحو متزايد، أن آثار أزمة المناخ تتجاوز قدرات الناس وإمكاناتهم على التخفيف من وطأتها أو التكيف معها، وهذا ما يثير مسألة رئيسة أخرى، وهى ضرورة تحديد مخصصات مالية جديدة للتعويض على ضحايا الكوارث الناجمة عن أزمة المناخ، التى ترد فى المفاوضات ضمن خانة «الخسائر والأضرار».

لكن الدول الغربية الأكثر ثراءً (بما فيها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا ومعظم بلدان الاتحاد الأوروبى) أخلت مرارًا عدة بالأهداف الطموحة للتمويل المناخى والتعويض عن «الخسائر والأضرار» الناجمة عنه. فقد أخفقت قمة الـ26 للمناخ العام الماضى (فى اسكتلندا)، وكذلك قمة الأمم المتحدة فى بون هذه السنة، فى تحقيق أى تقدم حقيقى وملموس فى شأن هذه القضايا.

لكن الزخم المتزايد من جانب الدول التى تعانى من خطر الكوارث الطبيعية المكثفة والمتكررة، قبيل انعقاد قمة شرم الشيخ، قد يجبر الدول الأكثر ثراءً على التعامل هذه السنة مع هذه المعضلة الكبرى التى لطالما تجاهلتها، وتحقيق توافق فى الآراء فيما يتعلق بقضية التمويل المناخى.

الدكتور أنجال براكاش مدير أبحاث وأستاذ فى «معهد بهارتى للسياسات العامة»، كان قد عمل على موضوع التكيف مع تغير المناخ فى الهند وبنجلاديش، رأى أنه «سيتعين على دول جنوب العالم تذكير الدول الغنية، بأن تغير المناخ ليس من صنعنا».

ويلفت إلى أن «الدول التى ساهمت فى تلويث البيئة، وقدمت التزامًا بدفع 100 مليار دولار سنويًا، لم تفِ بوعودها؛ بل بعثت بأموالٍ فى معظم الأحيان على شكل قروضٍ لن يكون فى مستطاع الدول الفقيرة تسديدها».

فى غضون ذلك، أكدت دول مثل باكستان، التى تواجه فيضانات لم يسبق لها مثيل، أن الأمر يفوق قدرتها على «التعامل مع هذا الحجم الهائل من الكوارث الطبيعية بمفردها». ولفتت وزيرة المناخ شيرى رحمن إلى أن ثلث مناطق باكستان هى الآن عرضة لخطر الغرق تحت المياه.

دورات الرياح

يشار إلى أن الفيضانات الناجمة عن دورات الرياح الموسمية المتعددة هذه السنة، انعكست سلبًا على حياة أكثر من 33 مليون شخص، وأزهقت أرواح أكثر من ألف فرد فى بعض المناطق الأشد فقرًا فى باكستان.

وبما أن هذه الدولة الآسيوية ليست مسئولة إلا عن نسبة 0.08 ٪ من الانبعاثات الحرارية العالمية؛ فإنها أصبحت إحدى أكثر المناطق عرضةً للوفيات الناجمة عن الفيضانات على سطح الكوكب.

قال وزير الخارجية الباكستانى بيلاوال بوتو زردارى ليلة الأحد الماضى فى وصف المَشاهد التى أعقبت الطوفان، إنه لم يشهد قَط دمارًا بهذا الحجم، وأن المأساة يعجز عنها الوصف.

وأكد أن الوضع سيئ للغاية، ويشكل «كارثة إنسانية مروعة غير مسبوقة». وأضاف «من الواضح أنه سيكون لما حصل تأثير فى الوضع الاقتصادى برمته».

ما حدث فى باكستان، طاول أيضًا جارتها أفغانستان؛ حيث دمرت الفيضانات البنية التحتية فيها كالمدارس والمستشفيات.

وجرفت مياه الفيضانات مئات المنازل التى يعانى جزء كبير من سكانها من فقر مدقع، سببته أعوام من الصراع، ويعيش كثيرون فى منازل طينية هشة.

وتقول شازيا أرشاد رئيسة الاتصالات فى «منظمة الإغاثة الإسلامية فى المملكة المتحدة» لصحيفة «إندبندنت»: «نشهد الآن طقسًا سيئًا يضرب مناطق فى أفغانستان وجنوب آسيا، بما فى ذلك بنجلاديش وباكستان والهند. إن تأثيراته مدمرة، ومن الضرورى الإقرار بأن أزمة المناخ تهدد حياة الناس الذين تعد مسئوليتهم عنها هى الأدنى». 

واعتبرت أن «من واجب المجتمع الدولى ألا يدير ظهره لشعب أفغانستان، فمع تفاقم أزمة اقتصادية وفى ظل عقوبات مفروضة على إمكان حصول البلاد على أموال، ستفرض حال الطوارئ المناخية تحديًا مستمرًا يتخطى قدرة هذا البلد على مواجهته».

أمّا بنجلاديش، وهى دولة ذات كثافة سكانية عالية، تقع فى دلتا ثلاثة أنهار (الجانج وبراهمابوترا وميجنا)؛ فتعد إحدى أكثر المناطق المعرضة للفيضانات فى العالم، فى حين أنها مسئولة فقط عن 0.48 ٪ من مجمل الانبعاثات الحرارية العالمية.

وقد بدأ هطول الأمطار فيها فى وقت مبكر جدًا هذه السنة، ما تسبب بوقوع فيضانات أكثر تواترًا فى مناطقها الشمالية والوسطى، بحيث انعكست الأضرار على أكثر من سبعة ملايين شخص هناك.

 

الفيضانات تجتاح أسيا
الفيضانات تجتاح أسيا

 

أموال خاصة

أولكا كيلكار مديرة برنامج المناخ فى «معهد الموارد العالمية» (منظمة بحثية عالمية غير ربحية تركز أنشطتها على الغذاء والغابات والمياه والطاقة والمدن والمناخ والمحيطات) قالت لصحيفة «اندبندنت»: «إن الوضع مؤسف للغاية، لأن دولًا مثل بنجلاديش ونيبال وبوتان قد بذلت جهودًا كبيرة فى إطار الاستعداد للتكيف مع المناخ».

لا بُد من الإشارة هنا إلى أن عددًا من هذه الدول تنفق كثيرًا من أموالها الخاصة على إدارة مثل هذه الأزمات، لكن فى مرحلة معينة، إذا أخذت الأحداث المناخية منحى أكثر تطرفًا أو أصبحت ظواهرها أكثر شدةً وتواترًا فقد تكون لدى الناس فيها قدرات محدودة على التعامل والتأقلم معها، حتى لو كانت لديهم الآليات والاستعدادات المجتمعية اللازمة فى مجال التأهب للطوارئ».

وأغرقت المياه أجزاءً من مناطق فى شمال شرقى للهند على نحو متكرر خلال الشهرين الماضيين، ما ألحق أضرارًا بأكثر من مليون شخص، وتعانى أيضًا قطاعات كبيرة فى الولايات الزراعية من الجفاف بعد تعرضها لموجات متكررة من الحرارة القاتلة التى زاد احتمال حدوثها 30 مرة أكثر فى الهند وباكستان، وذلك وفق بيانات صادرة عن مجموعة «وورلد ويذر أتريبيوشن». 

وتظهر البيانات الحكومية أن نحو ثلثى سكان البلاد عانوا من الجفاف على مدى العامين الماضيين، وزادت المناطق المعرضة للجفاف فى الهند بنسبة 57 فى المئة منذ عام 1997. وعلى مدى العقد الماضى شهد ثلث مقاطعات البلاد التى تعتمد على الزراعة أكثر من أربع حالات جفاف.

ومن المتوقع أن ينخفض إنتاج البلاد من القمح بنسبة ثلاثة فى المئة هذه السنة، ما اضطر البلاد إلى وقف صادرات محصولها الرئيس فى وقت سابق، وقد أثار ذلك موجةً من الانتقادات الدولية ضدها وسط أزمة نقص فى الغذاء العالمى ناجمة عن الحرب «الروسية- الأوكرانية».

وفيما تعد الهند ثالث أكبر مصدر للتلوث الآن؛ فإنها أيضًا دولة ذات موارد محدودة وتحتاج لدعم مالى لإخراج سكانها من براثن الفقر.

ويقول خبراء إن الكوارث المتكررة التى تهدد قطاعاتها الرئيسة تشكل خطرًا على الأمن الاقتصادى للبلاد وتجبرها على تفعيل الخطط الآيلة إلى تحقيق تكيُّف مع تغيُّر المناخ على حساب الأهداف الإنمائية.

وتوضح السيدة «كيلكار»، أحد تلك التحديات قائلةً: إن المرحلة الانتقالية فى مجال الطاقة التى كان من المفترض للبلدان النامية إنهاؤها على مدى عقد من الزمن، أصبحت تشكل الآن هدفًا فوريًا فى ظل تدهور وضع المناخ، الأمْر الذى يجعل التحرك لمواجهة التغير المناخى وبالتالى مسألة التمويل المناخى؛ أمرًا أكثر إلحاحًا من أى وقت مضى (يقصد بالتمويل المناخى دعم الدول الصناعية جهود الدول الفقيرة لتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى، أو مساعدة مجتمعاتها على التكيف مع آثار تغير المناخ).

الإستثمار الأخضر

وتضيف: «لقد أصبح التحرك المناخى، سواء لناحية التخفيف من آثار تغير المناخ أو لناحية التكيف معها، يشكل أولوية فورية للغاية، وكلاهما يتطلب تمويلًا, إن لجهة التحول عن استخدام طاقة الوقود الأحفورى أو لناحية التعافى من الكوارث». ولا ترجح «كيلكار» على الإطلاق إمكان التوصل إلى تحقيق هذا الهدف قبل السنة 2023.

ويطالب خبراء البلاد الآن بإثارة قضية الخطر على أمنها الغذائى فى مؤتمر «كوب 27». وكان رئيس الوزراء الهندى ناريندرا مودى قد قال خلال القمة الـ 26 للمناخ، العام الماضى: إن الدول الأكثر ثراءً يجب أن تدفع نحو تريليون دولار لتمويل المناخ.

وفشل الاستثمار الأخضر فى الهند حتى الآن إلى حد كبير فى تحقيق الأهداف المناخية، وهو ما كشفت عنه دراسة حديثة أجرتها «مبادرة السياسات المناخية». ووفقًا لتقديراتها؛ فإن الهند تحتاج إلى ما يقرب من تريليون جنيه استرلينى (نحو 1.17 تريليون دولار) سنويًا لتحقيق أهدافها.

وفى هذا الإطار، حذر علماء مرارًا عدة من أن التأثيرات المشتركة الناجمة عن تدهور المواسم التى تواجهها المنطقة، فى ظل أزمة الاحترار الراهن البالغ 1.1 درجة مئوية، من المتوقع أن تزداد سوءًا فى السنوات المقبلة، ومن المحتمل أن يكون هذا الأمر صحيحًا حتى لو تمكنت جميع البلدان من تحقيق أهداف التنمية المستدامة المتمثلة فى الحد من ظاهرة الاحتباس الحرارى إلى درجتين مئويتين، التى كان قد جرى التوافق عليها فى «اتفاقية باريس» التاريخية بشأن المناخ التى عقدت فى عام 2015.

لكن إذا تمكنت الدول من تكثيف الجهود وحشد جبهة موحدة لمواجهة هذه الأزمة؛ فقد يتمكن صوت الدول الضعيفة من إحداث تغييرٍ فعال فى المسار هذه المرة.

«نقلًا عن إندبندنت البريطانية»