الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

التردد مقبرة الأحلام

التردد شعور يعانى الكثير منه خاصة المراهقين والشباب، ويرتبط بشكل رئيسى بالخوف والقلق وعدم الثقة فى النفس، وهذه الانفعالات النفسية تؤثر فى قراراته وتحديد مصيره، وربما تسبب ضياع العديد من الفرص فى الحياة التى قد لا تتكرر.



فى نفس الوقت، فإن التردد ليس كله شرًا، فدرجة منه قد تكون مفيدة؛ لأخذ فرصة للتفكير فى الاحتمالات والعواقب، ودراسة البدائل المتاحة، وربما استشارة ذوى الرأى فى أى جوانب خافية وتسبب القلق؛ وخاصة فى الأمور المهمة مثل: الالتحاق بكلية معينة، اختيار العمل، الخطبة والزواج؛ لأن التسرع فى هذه القرارات المصيرية خطر كبير.

والتردد ينتج من ضعف الثقة بالنفس، وقد يمتزج برغبة كبيرة فى الكمال المستحيل، فيسعى إلى الأفضل، ولكنه يؤخر حسم الاختيار، وفى اللحظة التى يجب أن يتّخذ فيها قرارًا حاسمًا يلجأ للتراجع والتسويف والمماطلة على أمل أن يُتاح له خيار آخر، وقد يلوم نفسه بعد اختياره دونما سبب واضح أو معقول.

وأحد أكثر الأسباب شيوعًا هو الخوف من اتخاذ القرارات الخاطئة، ومن الفشل، وكذلك ضعف القدرة على إيجاد بدائل مناسبة، والنمطية والرغبة فى المثالية وعدم القدرة على مسايرة التغيرات، والابتكار والتجديد, وعلى الإفراط فى التفكير فى الأمر مرارًا وتكرارًا، وعدم الرغبة فى تحمل المسئولية، والرغبة فى الحصول على آراء أكبر عدد ممكن من الناس؛ حتى وإن لم يمتلكوا الخبرة أو المعرفة الكاملة حول الموضوع، ومحاولة إرضاء مجموعة أشخاص فى وقت واحد، ومع تكرار ذلك الأمر يصبح الفرد شخصية مترددة عاجزة عن اتخاذ أبسط القرارات. علامة اهتزاز

 الدكتورة هالة فهيم، خبيرة الإرشاد النفسى والأسرى قالت، إن هناك أشياءً تحتاج للحسم فى توقيتات مناسبة، والتردد المتزايد يُضيع فرصًا كثيرة، ويُكبل الفرد بحبال الخوف والقلق؛ ويكون علامة اهتزاز ثقتنا بأنفسنا وبالآخرين.

وأضافت: إن الشخص الذى يغلب عليه جانب الرجاء والتفاؤل وحسن العاقبة، ستكون قراراته حاسمة وقوية ويتعزز لديه الجانب الإيجابى من حياته، وإذا نجح فى تحقيق أهدافه سيكون ذلك دافعًا لنجاحات أخرى فى المستقبل، ولو فشل فى تحقيق أهدافه قد يحبط بعض الوقت، ولكنه يخرج من الأزمة سريعًا.

وأوضحت: الشخصية المترددة تخاف من الفشل ولا تحب المغامرة وتفتقد الثقة بالنفس، أما الشخصية المرنة فلا تتردد، وتحب المغامرة، مع وضع خطط مستقبلية وبدائل لأى نتيجة محتملة، والبعض يكون التردد عندهم أمرًا عارضًا وطبيعيًّا.

بينما قال الدكتور محمد رضا الفقى، أستاذ الطب النفسى بالأكاديمية الطبية العسكرية: إن التردد فى حد ذاته أمر طبيعى عندما تكون هناك نتائج غير واضحة المعالم، أو هناك مغامرة غير واضحة النتائج، لكن المشكلة تكمن فى التردد فى الأمر الواضح، أو الحل الصحيح الظاهر؛ حيث يظهر الشخص المتردد بأعراض وتصرفات سلبية تؤذيه وقد تؤذى غيره؛ ويهرب من اتخاذ القرار؛ وأكثرها وضوحًا الهروب إلى النوم، وكذلك لا يستطيع تحديد أهدافه، فالشخصية المترددة تفضِّل الإبقاء على وتيرة واحدة خوفًا من دخول أى تجربة جديدة فى حياتها، ولا يستطيع اتخاذ قرار تجاه المواقف الجادة، كما يتصف بالتزامه بالقوانين، وكراهية التفكير والإبداع والتجديد، وكثرة الشك والتشكى، والخوف من توجيه النقد له، وعدم قدرته على مسايرة التغيرات التى يتعرض لها.

 

 

 

ولفت الفقى إلى أن الشخص المتردد يكون ضعيف الثقة بنفسه، خجولًا ومتوترًا وحساسًا بشكل دائم، يقنع بالأعمال البسيطة والمشاريع قليلة الأهمية.

وقد يعيش فى عالم مرعب من المثاليات والقواعد التى تدفعه غالبًا إلى الإحجام عن التجربة أو عن تعلم الجديد، فهو لا يستطيع تحمّل الخطأ كما أن أيضًا الشخص المتردد يميل إلى الاعتماد على اللوائح والأنظمة، كثير الوعود ولا يهتم بالوقت، يطلب المزيد من المعلومات والتأكيدات، يرى نفسه أنه ليس بخير.

وأضاف «الفقى»: إن التردد قد يكون حالة مرضية، ويطلق عليه أحيانا شلل الإرادة، وربما يؤثر على عمل الإنسان وعلاقاته الاجتماعية، وذلك نتيجة التدخل المفرط من الأبوين والضغط الشديد عليه فى الطفولة؛ فالتربية الخاطئة؛ بسبب الدلال الزائد أو الحماية المفرطة، وكذلك التربية المتسلطة بالفعل أو القول؛ فيفقد الثقة بنفسه ويصبح طفلا مترددًا، وأحيانًا يكون التردد لأسباب مرضية مثل «الوسواس القهرى» أو «اضطراب الشخصية الوسواسية القهرية» أو بعض أمراض الجهاز العصبى العضوية.

وأوضح أستاذ الطب النفسى، أن هذا النمط من الشخصية يحتاج إلى الثناء على آرائه لدعم ثقته بنفسه، والتخفيف من درجة القلق والخجل، وعلى المتعامل معه أن يحاول دائمًا تقديم مجموعة من الاقتراحات والخيارات حتى يسهل عليه اتخاذ القرار، والتدريب على مهارات اتخاذ القرار وأساليب حل المشكلات الصغيرة والبسيطة وصولًا للكبيرة منها، ويمكن طلب مساعدة الآخرين من ذوى الخبرة، حتى يحقق النجاح.

وينصح الشخص المتردد بالسعى لتعلم الأشياء الجديدة وتقوية القدرات الشخصية دائمًا، وتحديد أهدافه والسعى فى تحقيقها وزرع الثقة الكاملة فى تحقيق النجاح، وتجريب طرق الآخرين فى اتخاذ قراراتهم وكيف يواجهون التردد واتخاذ المناسب منها، وضرورة التفاعل مع الغير للاستفادة بتجاربهم الحياتية المفيدة.

والاطلاع على ثقافات متعددة، والقراءة واكتساب المعرفة والمعلومات، والتقليل من الاهتمام برأى الناس.. ووضع كل آراء الآخرين فى الاعتبار، ولكن اتخاذ القرار النهائى يكون باقتناع تام دون ضغط من أحد. وعلى المتردد أيضًا -يكمل الفقى- محاولة تذكر أى تجارب لقرارات ناجحة، والتعلم من التجارب السابقة فى الاختيار، والاستماع للنقد البناء وتفهم مبرراته؛ لتحسين الأداء فى المستقبل، وليس من أجل تدعيم لوم الذات، عدم لوم أو تبكِّيت النفس بقسوة إذا ضاعت فرصة؛ فكل إنسان يحتاج إلى التدريب على اكتساب المزيد من المعرفة والثقة بالنفس، ويتعلم دائمًا من أخطائه، وأخطاء الآخرين أيضًا.

البداية من الطفولة

وقالت د.إيمان عبدالله، خبيرة الإرشاد الأسرى والصحة النفسية: إن التردد يبدأ مع الطفل عند دخول المدرسة؛ حيث يواجه فجأة خيارات كثيرة؛ مثل: اللعبة، الصديق، النشاط المدرسى، كيف يمضى وقت فراغه والزى الذى يرتديه، وكذلك المقارنة بين خياره وخيارات أقرانه، والإذلال الاجتماعى عامل مهم فى تطور التردد المرضى خلال سنوات نمو الطفل، لذلك فإن الأفراد الذين يعانون منه يظهرون مشاعر العجز التى تجبر الآخرين على أداء نوع من الرعاية.

وأضافت: التردد المفرط يتطور ليصل لمرحلة الاضطراب العقلى وما يسمى بـ«متلازمة أبولومانيا»؛ نتيجة الأسلوب القمعى الذى يستخدمه الأب أو الأم فى التربية، الأمر الذى يؤثر على سلوك أبنائهم واستقلاليتهم فيما بعد، وعادة ما يكون والد هذا ووالدة هذا الشخص ممن لا يعبرون عن مشاعرهم، ويميلون إلى السيطرة داخل الأسرة، وبالتالى ربما ينشأ الابن شاعرًا بالشك فى قدرته على أداء المهام وتولى مسئوليات جديدة، ويفتقد القدرة على مساعدة الآخرين.

ولفتت «عبدالله»، إلى أن «أبولومانيا» تعبر عن إرادة الشخص الضعيفة والتردد المفرط فى اتخاذ أبسط القرارات اليومية العادية مثل تناول أى نوع من الطعام، وعادة ما ترتبط بالقلق والإجهاد والاكتئاب والألم النفسى، بل ويمكن أن تؤدى إلى الانتحار، ولا يثق المصابون بها بقدرتهم على اتخاذ قرار، ويشعرون بالاستياء من خسارة أى شىء، بل ويقبلون الإهانة أحيانًا فى العلاقة العاطفية، لعدم قدرتهم على اتخاذ قرار الانفصال.

أوضحت أنه من بين أعراض الإصابة بهذه المتلازمة: صعوبة اتخاذ أى قرار دون دعم من الآخرين، الشعور بمشكلة فى التعبير عند الخلاف مع الآخرين، تجنب البقاء وحيدًا، تجنب تحمل المسئوليات الشخصية، الارتباك من النقد أو الرفض، التركيز على الخوف من التخلى عن الأشياء، السلبية الشديدة فى العلاقات العاطفية، والضيق عند انتهائها.

وأوضحت خبيرة الإرشاد الأسرى والصحة النفسية، أن الأم عليها الإكثار من تحاورها مع ابنها المتردد، وتعطيه خيارات لينتقى منها، وتسمع أسباب رفضه وتردده، وتدربه على اتخاذ قرارات بسيطة؛ مثل اختيار نوع الشوكولاته، والذهاب للنادى أو للجدة، وتخبره بالصائب وتكافئه، وتزوده بالمعلومات؛ لتساعده على تخطى الخوف، وتزرع الثقة والجرأة بداخله ليعبر عن مشاعره.

وكذلك تعوّده على تحمل مسئوليات تناسب عمره، وتمتدحه على أقل نجاح، وتصطحبه أثناء التسوق ليُشارك فى اختيار الأشياء أو إحضار هدية لصديق وتعلمه مساعدة الآخرين؛ فيزداد فخره بنفسه، وعدم الخوف من الناس أو الوقوع فى الخطأ، وتجعله يشاركها البحث عن الإجابة لأسئلته، وتدفعه إلى ممارسة هوايات متعددة؛ ليشعر دائمًا بالإنجاز؛ ويثق بنفسه، وتشجعه على السفر والرحلات.