السبت 4 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

كتاب يتحدث عنه العالم

تغييرات بسيطة.. ونتائج مذهلة

كتاب «العادات الذرية» لچيمس كلير ليس فقط من ضمن أكثر الكتب مبيعًا بحسب وول ستريت جورنال، وأكثر كتب المساعدة الذاتية بحسب بيزنس إنسايدر المختصة بالمال والأعمال؛ إنما هو من أكثر كتب التنمية البشرية واقعية.  تنفيذ خطوات الكتاب أو نصائحه على بساطتها بديل أمثل لتسخير بيئتنا المحيطة، والاستفادة من عاداتنا اليومية لبناء عادات أفضل وأكثر إنجازًا.



الكاتب فى المقدمة بدأ بـ«قصتى» ليعرض ما حدث على المستوى الشخصى فيأخذنا الكاتب فى جولته الحياتية التى أثمرت الكتاب، وأوصلته للجزم بإمكانية إحداث تغيير هائل فى المستقبل بممارسة مقدار بسيط من المجهود بشرط الانتظام.

بدأ الكاتب من حادثة ضربه خطأ بمضرب البيسبول وهو فى مدرسته الثانوية، أدى لكسر فى جمجمته، وغيبوبة أعقبتها توابع مرضية ومشاكل فى الرؤية، مرورًا برحلة من العلاج الطبيعى أخّرته عامًا عن «البيسبول» عشقه.

استبعد چيمس كلير من الفريق بعد أن أمضى طفولته فى التدريب للاحتراف، ليعود بعد الحادثة بمجهود متواضع فدخل الجامعة.. وهنا كانت نقطة التحول. عندما التحق چيمس بفريق البيسبول ورغم أنه كان فى ذيل قائمة اللاعبين وليس ضمن الأعضاء الرئيسين؛ فإنه قام بتنظيم يومه. نوم مبكر وسط فوضى الطلاب فى سنّه، ترتيب غرفته.

ومع بساطة هذه التحسينات إلا أنها تراكمت وانعكست على إحساسه بالسيطرة على حياته، مما أعطاه الثقة مؤثرًا بالإيجاب فى عاداته الدراسية، فحصل على امتياز، وحرص على رفع الأثقال مرات قليلة فى الأسبوع وبعد عام أصبح أحد الرماة الأساسيين فى الفريق.

وبعد عام آخر اختاره زملاؤه قائدًا للفريق، وفى العام الأخير من انتظام عاداته الغذائية والصحية أصبح الرياضى الأول فى جامعته واختير ليكون فى فريق اللاعبين الجامعيين على مستوى أمريكا، وهو لا يمنح إلا لثلاثة وثلاثين لاعبًا على مستوى البلاد.

وعند التخرُّج وضع اسم چيمس كلير فى كتاب الأرقام القياسية ضمن ثمانى فئات مختلفة، وبتكريم أكاديمى من الجامعة بعد ست سنوات من إصابته التى بدأ بها قصته. ويخلص چيمس كلير فى مقدمته للعادات الذرية بأن الإنجاز هو «تحقيق أقصى ما تتيحه قدراتك رغم التحديات».

فى الفصل الأول شرح المؤلف كيفية الوصول بالتغييرات البسيطة لإحداث اختلافات كبيرة، وهذا هو مفهوم «العادة الذرية».

لكن لماذا «ذرية»؟ يقول: إن الذرة هى المكون الصغير الذى يكون جزءًا من نظام أكبر وهو الوحدات البنائية للنتائج المذهلة. فإذا أردت نتائج أفضل، انسَ أمر تحديد الأهداف وركز على نظامك، فأنت لا يجب أن ترتقى لمستوى أهدافك وإنما اهبط إلى مستوى أنظمتك.

والتغييرات البسيطة وإن بدت لا تحدث فارقًًا كبيرًا فهذا لأن النتائج تراكمية، وعليك أن تكون صبورًا.

ووضح چيمس الفكرة كالتالى: التحسن البسيط ولو 1 % فى اليوم قد لا يكون جديرًا بالثناء ولا الملاحظة.. ولكنه على المدى البعيد سيصبح 37,78 ضعف.

وبالعكس إذا سرت للأسوأ 1 % يوميًا لمدة عام سيتدهور بك الحال إلى الصفر، لذلك فإن ما تبدأ به من مكسب أو خسارة بسيطة سيتراكم لما هو أكبر بكثير!

الهوية الشخصية

فى الفصل الثانى من الكتاب يظهر معنى قد يبدو فلسفيًا عندما يتحدث عن مستويات التغيير الثلاثة: تغيير النتائج وهو المعنى كفقدان الوزن مثلًا، وتغيير عملياتك كتغيير أنظمتك كالأكل الصحى مثلًا، أما المستوى الثالث فهو مرتبط «بتغيير الهوية» وهى تغيير المعتقدات وصورتك الذاتية عن نفسك.

والمستوى الأخير وهو الأعمق وما يميزه أنك لا بُد أن تركز على ما تريد أن تكون عليه.

ففى المثال السابق ليس الهدف أن تنقص وزنًا؛ بل أن تكون إنسانًا يعيش حياة صحية.

لذلك عليك أن تحدد لنفسك الشخص الذى تريد أن تكونه.. واثبت بنفسك أنك هذا الشخص بمكاسب بسيطة وكلام أبسط، مثلًا: «أنا من نوعية الناس التى تتجنب السكر فيما تتناوله» وليس«أريد أن أمنع السكر لإنزال وزنى». والفصل الثالث بدأ الكاتب فى «الجد» لأنه بدأ فى التنفيذ الفعلى لتبنى العادات الجديدة بتقسيماته الأربعة لبناء العادة الذرية البسيطة لتحقيق إنجازات ضخمة.

وفيه يشرح أولًا العادة هى سلوك يتكرر إلى أن يصبح أتوماتيكيًا، وهدفها حل مشكلات الحياة بأقل قدر من الجهد. ولتفسير تعوّدنا على فعل، يمكن اختزاله إلى حلقة من أربع مراحل الإشارة والرغبة والاستجابة والمكافأة. ولتبسيط حلقة العادات أعطى هذا المثال: «عادة النظر فى الموبايل مثلًا إشارة أزيز هاتف لوصول رسالة نصية, الوله أو الرغبة لأنك تريد معرفة محتوى الرسالة.

أما الاستجابة فهى الإمساك بالهاتف، المكافأة هى إرضاء رغبتك بقراءة الرسالة. لذلك أصبح الإمساك بالهاتف مرتبطا بصوت أزيز الرسالة.

ومن تلك الحلقة استنتج أربعة قوانين لتغيير السلوك، وقال إنه ما دامت الإشارة أولى حلقات تكوين العادة، فللتخلص من عادة سيئة اجعلها مخفية وغير جذابة وصعبة وغير مشبعة.

من أهم ما لفت چيمس النظر إليه، أننا قبل أن نبدأ فى تغيير عاداتنا يجب أولًا أن نكون من الأساس واعين بها!

ومن أساليب زيادة الوعى التكلم بصوت عالٍ.. مثلًا رفع صوتنا بما علينا تذكره قبل النزول «معى المفاتيح والمحفظة والنظارة.. وهكذا». وهى منظومة إعلان للعادة والنداء بوضوح لزيادة وعينا بها.

والمعنى هو ضرورة تسجيل كل أفعالنا وعاداتنا اليومية ووضع علامات تنبهنا هل هى إيجابية «مثل خسارة الوزن مثلًا»؟! أو سلبية أو محايدة؟!

وهكذا يظهر موقفك من سلوك معين.

أمّا بالنسبة للخطوة الثانية؛ فهى تحديد الزمان والمكان ونيّات التنفيذ، بمعنى أن تقرر أنك ستذاكر مثلًا لمدة ساعة فى غرفة النوم.

أمّا تبديل العادات فهى فى رأيى من أهم وأسهل ما فى الكتاب تنفيذًا، وهى أن تقوم بالعادة الجديدة بعد عادة موجودة بالفعل.

مثلًا: بعد شرب قهوة الصباح التى هى العادة الحالية، سأمارس التأمل لعَشر دقائق، أو بعد تناول العشاء سأضع الأطباق فى الغسالة، وبعد وضع الأطباق، سأمسح الطاولة.

ربط العادات معًا تساهم فى بناء سلسلة من العادات البسيطة التى تمكنك من إدخال العادات الجديدة وسط روتينك الحالى.

وستجد نفسك وقتها بعد فترة أنشأت سلسلة من العادات نحو هدفك.

مهندس لا مستهلك

يرشدنا چيمس كلير فى الكتاب إلى سلوك بسيط لتصبح عاداتك مرتبطة بالسياق الكامل لحياتك عن طريق تجهيز بيئتك. مثلًا إذا أردت التدرب على الجيتار ضعه فى منتصف غرفة المعيشة، أو إذا أردت تذكر شرب الماء ضع زجاجات متفرقة فى أماكن تتواجد فيها بالمنزل طوال اليوم.

أمّا كيف نجعل العادة جاذبة وجذابة، فيقول چيمس إن هرمون الدوبامين الذى يفرز بالمخ ويعطى الشعور بالسعادة، ترتفع مستوياته مع توقع المكافأة وليس الحصول عليها. فاستخدام استراتيچية التجميع بضم فعل تريده لفعل أنت بحاجة للقيام به، هو الحل.

ولجعل العادات جذابة لا بُد أن نربطها بمشاعر إيجابية، كذلك إيجاد طقس تحفيزى قبل أى عادة صعبة كشرب القهوة مثلًا إذا كنت تحبها.

ويقول چيمس كلير إنه كثيرًا ما تنهار إرادتنا ونفقد حماسنا مع بدايات المجهود لبناء عادة صحية.

لذلك استخدم الكاتب آليات تجعلها سهلة، مشيرًا إلى أن مقدار الوقت فى ممارسة العادة ليس مُهمًا إنما التكرار للوصول للتعود هو الأهم.

وهذا يستلزم قدرًا أقل من المجهود للمداومة، فنحن ننجذب طبيعيًا للخيار الذى يتطلب قدرًا أقل من العمل، عن طريق خَلق بيئة تسهل الأفعال. فإذا أردت تحسين نظامك الغذائى فيمكن تقطيع كميات من الفاكهة والخضروات فى أوعية ليكون لديك خيارات صحية بأقل جهد خلال الأسبوع، والعكس صحيح.. فعند الرغبة فى تغيير عادة سيئة كتضييع الوقت فى تصفح الموبايل يمكن تبديلها بأن تتحايل عليها بوضع الموبايل فى غرفة أخرى عدة ساعات. قاعدة الدقيقتين 

فى المرحلة الحاسمة التى تحدد الاستمرار فى العادة المطلوبة يتبنى كلير قاعدة الدقيقتين.. وهى: «عند البدء فى بناء عادة جديدة ينبغى أن يستغرق القيام بها أقل من دقيقتين»، فإذا أتقنت فن البدء تصير الدقيقتان طقسًا لبداية روتين أكبر.. وهى أشبه بخدعة كقراءة صفحة واحدة يوميًا أو تمرينة ضغط واحدة فى اليوم.. المهم ترسيخ الهوية الجديدة التى تريد بناءها. وإذا كانت القوانين السابقة مهمة لتغيير السلوك؛ فإن جعل العادة مشبعة على حد قول كلير ما يزيد من احتمالات تكرار السلوك المرغوب، وهنا الأهمية؛ حيث استغلال الدماغ البشرى يولى أهمية للمكافآت الفورية.

فلماذا تدخن وأنت تعلم أنه سيؤدى بك إلى سرطان الرئة؟! أو تأكل الطعام الدسم مع أنه سيؤدى للسمنة؟!

ذلك لأننا نميل لتلقى المكافأة فورًا وليس مستقبلًا، وهو ما يحدث من لذة للأسف فى العادات السيئة فقط! فلو استطعنا ولو بصور تعزيز بسيطة، ومكافأة أنفسنا فورًا على عادة حسنة، سننجح.

وأعطى كلير مثلًا، قال: رغبة أحد قرائه فى تغيير نمط حياته هو وزوجته والتوقف عن تناول الطعام فى الخارج، فأنشأ فى البنك حساب توفير وأسماه «رحلة أوروبا». وكلما امتنع عن الطعام خارجًا كان يضع فى الحساب خمسين دولارًا، وفى نهاية العام استخدم الحساب لقضاء الإجازة فى أوروبا بالفعل.

تحقيق التقدم

من أكثر المشاعر إشباعًا شعور التقدم.. وأكثر الوسائل فعالية فى الشعور بتقدمك هو تعقب عاداتك، وهى وسيلة بسيطة لقياس ما قمت به ووضع علامة على كل يوم التزمت فيه بروتينك، ليكون سجلًا لعاداتك، فيكون هذا التعقب واضحًا وتكون واعيًا له، فيحفزك فى أيام فتور الهمة.

وهو شعور مشبع لأنه يحفزك على التقدم بعد رؤية ما أنجزته، فتخاف من فقده والعودة للوراء، وتحافظ على تقدمك.

وأهم نصيحة يقدمها الكاتب هنا هى: «إياك والانقطاع مرتين» فالخطأ الأول ليس ما يدمرك؛ بل سلسلة الأخطاء المتكررة التى تتبعه.

وينتهى كتاب «العادات الذرية» بفصل دسم معلوماته عن كيفية الانتقال من أن تكون جيدًا وحسب؛ إلى كونك عظيمًا.

فيه يتطرق الكاتب فى الكتاب لحقائق جديرة بالعرض.. منها كيف تؤثر شخصيتك على عاداتك؟!

يقول كلير إن چيناتنا وراء سلوكياتنا، وهو ما أكده عالم الوراثة السلوكى «روبرت بلومين»، حينما قال: «لم نستطع العثور على سمة واحدة لا تتأثر بچيناتنا»، وعرض چيمس كلير خمسة أنواع من الشخصيات سماتها كالتالى: الانفتاح للتجارب، والاجتهاد، والبعد عن الانطوائية، واللطف، والاضطراب.

وهذه السمات الخمس لها أسُس بيولوچية، لكن ما يهم فى هذه التقسيمة هو كيف تستغل چيناتك لتحقيق أفضل ما يمكنك.

 

 

فليس بوسع الچينات أن تجعلك ناجحًا إذا لم تبذل الجهد المطلوب.

وأفضل الطرُق لضمان أن تظل عاداتك مشبعة على المدى الطويل أن تختار السلوكيات التى تتوافق مع شخصيتك، وتعمل بجد على الأشياء التى يسهل عليك القيام بها لأن العادات الجيدة، تصبح أيسر حين تتوافق مع قدراتك التى تحددها چيناتك.

وهنا ذكر قاعدة جولديلوكس التى تنص على أن البشر يشعرون بذروة التحفيز حين يعملون على مهام تقع على حدود قدراتهم الحالية، فلا تكون شديدة الصعوبة، ولا شديدة السهولة.

فمن المهم أن تبدأ عادة جديدة بسلوك سهل لتتمسك به، وعند ترسخ العادة تتقدم بطرُق بسيطة وتحديات جديدة وعند إصابة منطقة جولديلوكس ستتحقق حالة التدفق.. وهى التى تشعر فيها أنك فى المنطقة الصحيحة.

التهديد الأول للنجاح هو المَلل وليس الفشل.. فيجب الأخذ فى الاعتبار أن العادات عندما تتحول لروتين تصير أقل إمتاعًا وفى نقطة ما يواجه الجميع هذا التحدى، فعليك أن تحب المَلل.

وهنا يظهر المحترفون الذين يتمسكون بروتينهم، لكن الهواة يسمحون لتقلبات الحياة أن تمنعهم من الاستمرار، والسبيل الوحيد لتحقيق التفوق هو أن تفتتن على الدوام بممارسة نفس العمل مرارًا.

متناقضة سوريتيس

أنهى چيمس كلير كتابه بمَثل يونانى قديم يعرف بـ«متناقضة سوريتيس»، وهو التأثير الذى يمكن أن يحدثه فعل واحد بسيط حين يتكرر لعدد معين من المرات، وهو ما ينطبق على العادات الذرية.

ويتساءل كلير: هل يمكن لتغيير واحد بسيط أن يغير حياتك؟

قد تقول لا، ولكن ماذا لوأحدثت تغييرًا ثم تغييرًا آخر ثم آخر وهكذا؟!

فى نقطة معينة سيتعين عليك الإقرار بأن حياتك تغيرت بفعل تغيير واحد بسيط، فالمقصد النهائى لتغيير العادات ليس القيام بتحسين واحد مقداره واحد بالمائة؛ وإنما الآلاف من هذه التحسينات.

هى مجموعة من العادات التى تتراكم وكل منها وحدة أساسية للنظام الإجمالى.

وليس النجاح هدفًا تصل إليه؛ بل منظومة من التحسن وعملية لا نهائية من التنقيح.. وإذا واجهت صعوبة فالمشكلة ليست بك وإنما فى النظام الذى تتبعه. وكلما أردت التحسن فارجع للقوانين الأربعة لسلوكيات غير مجهدة (واضحة وجذابة وسهلة ومشبعة)، فستندهش من الجسد الذى تستطيع بناءه إذا لم تتوقف عن التدريب، وستندهش من الثروة التى يمكنك بناءها إذا لم تتوقف عن الادخار.. ومن الصداقات التى تستطيع إنشاءها إذا لم تتوقف عن الاهتمام.

هى قوة العادات الذرية.. تغييرات بسيطة ونتائج مدهشة.