الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

كرستين !

ريشة: عمرو الصاوى
ريشة: عمرو الصاوى

مرت على صداقتى بـ «كرستين نصيف راغب» 27 عامًا بالتمام والكمال، كنا فى ريعان شبابنا عندما تقابلنا فى كلية الآداب جامعة عين شمس، قسم اللغة العبرية ، تعرفنا وتوطدت علاقتنا عندما أخذنا سويًا درسًا فى مادة اللغة العبرية الحديثة، بعدما سمعتنى أقول لزميلة لى أنى أبحث عن شخصى لآخذ درس فى المادة وبطبيعتها المعهودة قالت لى «هاخد الدرس معاكى» ووافقت بشرط أن يكون بمنزلى وقد كان..



ومن هذا الوقت كنا فى السابعة عشرة من عمرنا.. أكملنا طريق الحياة سويًا.

توفت والدتى وكنت فى حالة غضب شديد، فقد دعوت الله بكل ما بوسعى ولكنه لم يستجب!

وقتها فقدت إيمانى تمامًا بكل شىء.. وعادت من جديد تساؤلاتى عن الله.

لكن صديقتى، المسيحية لم تتركنى.. ظلت تذكرنى بالكثير والكثير  من المواقف التى كان يقف الله معنا فيها.. وذكرتنى تحديدًا بأنى شخص مستهتر يذاكر بالعافية ومع ذلك أحصل دائمًا على تقدير جيد فى نهاية العام دائمًا!

وفى يوم.. قررت تأخذنى لأشاهد فيلم «العلامة» The sign لميل جيبسون وكان الفيلم يتحدث عن أب كاهن يكفر بوجود الله بسبب مقتل زوجته بطريقة قاسية، رغم أنه طوال حياته لم يغضب الله! ولم يعص له أمراً! تمر الأحداث عند دخول مخلوقات فضائية تترك علامة على الأرض قبل هبوطهم واحتلالهم للأرض وقتل كل من عليها.. وفى يوم يستيقظ ليرى العلامة على أرضه.. يحاول بكل الطرق حماية أهله وبيته.. حتى إنه عرف كيف يقضى على تلك المخلوقات.. لكن رغم ذلك.. تدخل المخلوقات لبيته وتأخذ ابنه المريض بالربو وترش الغاز السام فى أنفه.

ويصادف أن يأتى للولد حالة انغلاق صدره فى لحظة شم السم فلا يستنشقه ويحتضن ميل جيبسون ابنه باكيا صارخًا ناظرًا للسماء «أعرف أنك موجود، أعرف أنك موجود».

وكأن الفيلم علامة لى من الله.. يقول لى.. ماتزعليش يا أمانى منى أنا موجود.. بس ده أفضل لأمك».

لم تقف حالة غضبى وقتها، ولكن هدأت.. وظللت فى رحلة بحثى عن الله.

كانت كرستين دائما تقول لى: اتكلمى مع ربنا يا أمانى.. قوليله كل حاجة.

وكان هذا ما أفعله دائمًا، والحقيقة أنه دائما كان يرد عليا.. بصورة أو بأخرى.

بعد 27 عاما، مررنا فيها بالكثير والكثير، كنا دائما سويًا حتى رغم البعد والغربة، لم نشترك فى دين أو معتقد، ولكن اشتركنا فى «حب الله» كرستين صديقتى.. تحب «ربنا» حبها لربنا يجعلنى أحيانًا أخجل من نفسى.

من 9 شهور تقريبا.. أصيبت صديقتى بالسرطان! أسوأ أنواعه وأشرسهم وأسرعهم انتشارًا.

عندما عرفت.. كلمتنى فى التليفون.. وقالت لى: «أنت كويسة» ففى نفس الوقت كنت قد فقدت أعز إنسانة لقلبى صديقتى وأمى «حنان فرج» ولمعرفتى بكرستين.. عرفت أنها تريد أن تخبرنى بشيء لن أحبه.. فأكدت لها أننى فى أحسن حال.. فقالت: «أمانى.. أنا عندى كانسر» توقفت الحياة للحظات.. عجزت عن الكلام وكأننى ولدت خرساء.. فقدت قدرتى على التحدث وتاهت من عقلى ولسانى الكلمات.. نظرت للسماء وأنا أتحدث معها.. وكأننى أبحث عن الله.. أحسست أننى أقول «معقول! ينفع كده؟!».

لكنى وجدتها تستطرد.. أنا كويسة يا أمانى ومش زعلانة.. أنا بس خايفة شوية.. لا خايفة أوى.. وخايفة على الولاد.. مش عارفة لو مت.. هيعملوا إيه.. أنا مش خايفة من الموت.. أنا بس خايفة من المشوار.

أبهرتنى كعادتها بإيمانها وقوتها التى تكسو ضعفها الرقيق.

وقتها لم يكن فى يدى إلا أن أقول لها.. ماتخافيش.. أنت مع ربنا.

أغلقت الهاتف معى، وكانت وقتها.. وحدها، لا أحد يعلم غيرى، زوجها وإخوتها فى مصر.. نامت على السرير ورفعت رأسها للسماء.. وقالت له: يا رب أنا خايفة.. خايفة أوى.. شيل الخوف ده من قلبى يارب، وخلينى أقدر على المشوار من غير خوف».. وقد كان..

استيقظت وكأن الله ألقى بالطمأنينة فى قلبها.. ما استغربته وسألتها فيه: لماذا لم تدع الله أن يزيل المرض وليس الخوف؟!

فقالت معرفش.. بس إحساس الخوف بس اللى كان مضايقنى مش المرض!

عندما كانت تخبرنى تفاصيل مرضها فى المكالمة التالية، وكيف أن الحالة صعبة وخطيرة.. لم تسعفنى قوتى وبكيت بحرقة..

فهذه صديقة عمرى كله.. أخذت تهدئ من روعى.. وتطمئننى وتقول لى.. «أنا هبقى كويسة».

هذه هى صديقتى المسيحية.. التى علمتنى أن أحب الله.. حباً غير مشروط.. حباً تملؤه الثقة والتسليم.. نعم.. هى كانت دائمًا سببا لشخص مثلى.. يبحث دائما عن الله.. ألاَّ يضل طريقه إلى الله.. والإيمان به حتى لو شك فى كل ديانات العالم ولكن أعرف وأثق دائمًا أن الله معى ويحبنى وأنا أحبه وأتحدث معه وأعاتبه وأعتذر له وأطلب منه وأبكى معه. وهو دائما يرد عليا، ويبعث لى العلامة.

نجحت صديقتى المسيحية فيما لم ينجح فيه غيرها، صديقتى المسيحية.. دائمًا كنت لى.. علامتى من الله.