
محمد عبدالرحمن
استراحة مشاهد
مافيا مقتنيات النجوم
مع تكرار نشر مرتادى سوق «سينما ديانا» المتخصصة فى المقتنيات القديمة صورًا لجنبات هذه السوق؛ لاحظتُ تكرارَ ظهور أفيشات وصور أفلام نور الشريف عند باعة المقتنيات الفنية. قررتُ الذهاب لعلّى أجد أفيش فيلمى المفضل (آخر الرجال المحترمين). لم أسأل من أين وصلت تلك الأشياء «الأصلية» للباعة، نحن نتعامل مع سور الأزبكية منذ عقود ولا نسأل عن مَصادر كتُب موقّعة بأقلام أصحابها، هذه سُنة الحياة؛ السَّلَف يتركون للخَلَف.
لكن الأزمة فى الطريقة، فى المافيا غير الرسمية التى تتحكم فى إرث النجوم، والمُعضلة الأكبر أن مكافحة تلك المافيا حلم بعيد المنال لأن كل الاقتراحات والحلول تذهب هباءً، ليس لأن تلك المافيا أقوى من الجميع؛ لكن لأن هناك من بين الجميع من هو ضلع فى المنظومة المستفيدة من عدم تقنين بيع وشراء المقتنيات الفنية والثقافية.
القضية عادت للواجهة من جديد بعد مقال للناقد الكبير عصام زكريا تكلم فيه عن قيام أسرة نور الشريف بالتفريط فى عدد كبير من ألبومات صوره وأفيشات أفلامه، مُبرئًا الباعة الذين وصلت لهم تلك الكنوز وتصرّفوا فيها من أجل تحقيق هامش ربح، وبالتأكيد مُبرئًا من يشترى أيًا كانت نيته، فالأمر مربوط بالعرض والطلب.
بعدها كتب الناقد المصرى المقيم بالخليج عماد النويرى تجربة مماثلة مع أرشيف الأستاذ سمير فريد، الذى قرر بيعه للإنفاق على علاجه، لكن ذلك لم يحدث فى حياته، ثم فوجئوا بالأرشيف منتشرًا فى أكثر من دولة ولا يعرفون كيف تسرَّب. تمامًا كما فوجئ العبد لله قبل سنوات فى الكويت بغاوى مقتنيات فنية يعرض 4 جوازات سفر باسم الفنان يونس شلبى.
الرجل الذى تشكو أسرته حاليًا من الظروف المادية فى آخر ظهور إعلامى لهم، يبدو أن أحدًا حصل على تلك الجوازات بعد وفاته واشتراها بثمَن بَخْس أو ربما لم يدفع فيها لأسرته مليمًا. كثير من ورثة الفنانين يتعاملون مع مقتنياتهم على أنها «روبابكيا» ولا يمتلكون الخبرة الكافية لاستغلالها، لا أقول لإهدائها للدولة بل حتى لبيعها بما يناسب قيمتها وبما يضمن الحفاظ عليها.
بعد مقال «زكريا» خرجت أصوات تدافع عن بنات نور الشريف، تذكّر بأن أسرته أهدت مكتبة الإسكندرية الكثير من مقتنياته، وأن بعض العمال يفرّغون الشقق القديمة ولا يبلغون أصحابها بطبيعة ما يلقون فى صناديق القمامة. ودعنا نكن صرحاء أكثر، مع فنان صاحب مسيرة طويلة ويحب الاحتفاظ بكل صورة وكل لقطة فى أفلام مَثّلها وأنتجها وشارك فى صناعتها، من لديه القدرة على العد والفرز والإبقاء على المهم واستبعاد الأقل أهمية, وسط هذا كله، تكوَّنت بمرور الزمن مافيا تجمع هواة المقتنيات من جهة، وهؤلاء لا يتحملون أى وزْر قانونى لأن تلك الكنوز ليست مسجلة فى متاحف أو كآثار، وفى الطرف الثانى إمّا ورثة غير قادرين على حماية التركة، أو موظفون فى جهات رسمية يسربون من تحت أيديهم ما خف وزنه وغلا سعره وتعدّد طالبوه.
أحد مقتنى التراث قال لصديق مشترك إنه استقبل لجنة من جهة حكومية لفرز بعض ممتلكاته وشرائها، ففوجئ بأن أحد أعضاء اللجنة الموقرة هو نفسه كان من مصادره التى يشترى منها.
الحابل فى هذه القضية اختلط بالنابل، والدولة ممثلة فى وزارة الثقافة لم تقم بأى «تحرك إبداعى» من أجل جمع التراث والاستفادة منها ثقافيًا وماديًا. وأقول «إبداعى» لأن الإرث أكبر من أن يوضع فى متحف أو مخزن، وحتى لو قامت ربما نحتاج «لجنة فرز وتسعير محترفة من الخارج»، حتى نتجنب ما تَعرَّض له مقتنى التراث فى الفقرة السابقة من صدمة عندما وجد أمامه «حاميها وحراميها».
لو جمعنا كل ما تبقى من تراث الفنانين المتاح، وصدر قانون يلزم الورثة بذلك بمقابل مادى معقول، ووضعنا كل ذلك فى منصة إلكترونية باشتراك وعرضنا نسخًا للبيع ستدخل لخزانة الدولة ملايين الجنيهات سنويًا، وستبقى الأصول مِلْكًا للبلد وداخل حدودها، ولن نستيقظ كل يوم على صدمة جديدة لأن صورًا ونصوصًا وأفيشات أصلية تباع على الأرصفة، فيما لا نملك نحن سوى الصراخ بغضب، كما صاح نور الشريف مُخاطبًا «النشال» فى المَشهد الأخير من (سواق الأتوبيس).