الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
كنت مريضا!

كنت مريضا!

للكلام مواسم، يزيد الكلام ويقل فى موضوع ما حسب ما حدث وسيحدث، والمناسبة نتفاعل معها، ثم يسكت البوح والكلام وننسى. 



وفى الأعوام الأخيرة عاد الكلام عن الطب والتطبيب مع الجائحة، تفاعل الناس مع رسالة الطبيب وملائكة الرحمة، وعندما هدأ الوضع نسينا، وتناسينا.

اضطررتُ فى لندن لدخول المستشفى لإجراء جراحة، وتذكرت حكاوى صديقى رحمة الله عليه، جراح العظام الشهير د. أحمد زعفان الذى ربطتنى به صداقة عُمْر، يومًا عند عودته من لندن بعد رحلة دراسية وعمل فى مستشفيات إنجلترا، عن دور الممرضات أصحاب الأخلاق النبيلة والقلوب الرحيمة فى تخفيف آلام المرضى عن الموجوعين ومسح دموعهم، وقصص وحكايات عايشها كطبيب تدل على تضحيات وعطاء هذه الكيانات الملائكية، وعايشت هذا عندما استقبلتنى ممرضات جامعة كرويدون Croydon بجنوب إنجلترا بلطف وحنو، ونبل ونعومة وعطاء، معظمهن سمراوات من إفريقيا، تتسامى النفس عن ذكر هويتهن وأسمائهن. كن قريبات من القلب ويؤنسن الروح، يطيبن الوجع ويخففن الألم. وتذكرت قصيدة الشاعر الفلسطينى إبراهيم طوقان المُذَيّلة بمديح الممرضات ملائكة الرحمة «يشفى العليل عناؤهنّ.. وعطفهنّ ولطفهنّه / مُرّ الدواء بفيك حلو.. من عذوبة نطقهنه / مهلا فعندى فارق.. بين الحمام وبينهنه/ فلربما انقطع الحمائم فى الدجى عن شدوهنه / أما جميل المحسنات ففى النهار وفى الدجنّه.

ابتهاج رائع من الشاعر بالممرضات، فى تناغم، جمع بينهن اللون الأبيض شارة السلامة ونقاء السريرة وعذوبة الصوت. والممرضات فى لندن تلميذات فلورنس نايتينجيل التى نذرت حياتها لرسالة إنسانية سامية ملؤها العطاء والتضحية. لقد بدأت رائدة التمريض الحديث مدارس التمريض الرسمية فى المملكة المتحدة فى أواخر القرن التاسع عشر واوائل القرن العشرين، عندما أسّست أول مدرسة للتمريض عام 1860، وهى تعد الآن جزءًا من King’s College London ونجحت فى تغيير دور ومفهوم التمريض بشكل كبير من دور الخادمة إلى متخصصة فى مجالات واسعة من الطب والجراحة  ومسارح العمليات والعلوم الاستقصائية فى الأعصاب والأمراض المعدية والكبد والقلب.

والآن هناك ما لا يقل عن عشر كليات شهيرة فى أقدم دولة لتعليم التمريض وتمنح هذه الكليات شهادات البكالوريوس والماچستير فى دراسات التمريض الدولية. وتقبل إنجلترا هجرة الممرضين والممرضات إلى إنجلترا مع ضمان الأمان المالى, وفى مصر تعانى مهنة التمريض من قلة عدد العاملين، وعزوف الطلاب عن الالتحاق بمدارس وكليات التمريض لأسباب أهمها المفهوم الخاطئ عند الكثيرين عن المهنة، وما رسخ فى بعض الأذهان عن ملائكة الرحمة، من صور مشوهة ومريضة، تسىء للممرضة وتضعف الثقة بتلك المهنة، فى بعض الأفلام والمسلسلات، كالممرضة «غادة عبدالرازق» سارقة الأدوية فى مسلسل (زهرة)، والممرضة فى فيلم (ليلى والحرامى) ومسلسلات (هى ودافنشى) و(زهايمر).

حقًا ساعدنى التمريض المميز ورعاية الممرضات فى تخطى محنتى، وتأكد لى أننا فى مصر فى أشد الحاجة لإعادة بناء الإنسان «الممرض» بالتعليم والتدريب واكتساب الخبرة بالعمل مع فرق متعددة من التخصصات، وتوفير وتسهيل كل الظروف الجيدة والمميزة للعيش ونجاح مهمتهم فى الحياة، ورسالتهم الإنسانية التى تخفف الآلام وتمسح الدموع، وستتيح لهم يومًا أن يصبغهم الله بهالة من القداسة تماهيًا مع معجزات وعجائب الشفاء الإلهية.