الأربعاء 22 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

ماذا وراء فشل «السيرة الذاتية»؟!

عادة ما تقترن أعمال السير الذاتية بالعديد من الأزمات التى تتسبب فى عدم إتمامها، فما إن يُعلن أحد المُنتجين عن نيته التحضير لسيرة ذاتية لأحد المشاهير، إلا ويعقُب هذا الإعلان ضجة إعلامية كبيرة، ثم نُفاجأ باختفاء أى مستجدات حول هذا العمل تمامًا، الأمر الذى يُثير العديد من التساؤلات حول أسباب فشل العديد من المشاريع الفنية عن السير الذاتية، والأسباب المتكررة حول ذلك.



 

توقف مُسلسل «الإمبراطور» الذى سيُقدم سيرة الفنان أحمد زكى لأجل غير مسمى، رغم تعاقد الشركة المُنتجة مع الفنان محمد رمضان لأداء دور البطولة، وتولى المؤلف بشير الديك كتابة العمل، فإن موقف الأسرة كان سببًا فى توقف العمل. أيضًا تعثر المُسلسل الذى سيتناول قصة حياة الفنان محمد فوزى، بسبب تعرض الفنان الراحل سمير صبرى لوعكة صحية حتى رحل عن عالمنا فى مايو الماضى، والعمل من تأليف السيناريست مصطفى مُحرم.

كما واجه مُسلسل «العلم والإيمان» مصيرًا مجهولًا أيضًا، الذى يُقدم السيرة الذاتية للدكتور مصطفى محمود ويُشارك فى بطولته الفنان خالد النبوى، فرغم الإعلان عنه منذ أكثر من 4 سنوات فإنه لم يُعلن عن موعد بدء تصويره.

وواجه مُسلسل «فريد الأطرش» تأجيلات عديدة بسبب ميزانيته، وبعد إعلان بطل العمل الفنان مجد القاسم عن توليه المُهمة الإنتاجية للعمل لعشقه الشديد لشخصية «فريد الأطرش»، عاد وتراجع لعدم وجود جهة أخرى تُشاركه إنتاج العمل، فأصبح مصير العمل مجهولًا حتى هذه اللحظة.

فى نفس السياق، توقف منذ فترة طويلة مُسلسل «مداح القمر» الذى يروى السيرة الذاتية للموسيقار بليغ حمدى، وكان التوقف بسبب أزمات التمويل والإنتاج، فبعد أن تم التعاقد مع عدد من الممثلين إلا أنهم عادوا وأعلنوا انسحابهم منه بسبب ضعف التمويل والتوقف المُستمر له.

غياب المصداقية

التعثر الدائم لأعمال السير الذاتية يقودنا للعديد من التساؤلات حول أسباب توقف هذه النوعية من الأعمال لسنوات عديدة، وأسباب عودتها مرة أخرى، وما أبرز أزمات أعمال السير الذاتية التى تتسبب فى تعثرها، وما أسباب الإصرار على تقديمها رغم عدم تحقيقها النجاح المأمول.

من جهتها، تشير المُخرجة إنعام محمد على إلى أن أسباب فشل عدد من أعمال السير يرجع إلى عدم توافر عناصر النجاح، ومن أهمها اختيار فريق ممثلين غير مُناسبين، والمناسب هنا أو الملائم لا يقتصر على الشبه أو الأداء فقط، ولكن الروح أيضًا، فمن أهم وظائف فنان السير الذاتية أن يجعل المشاهدين عند رؤيتهم يشعرون وكأنه الشخص ذاته، وهذه الجزئية مهمة للغاية خاصة مع الشخصيات التى لا تزال تعيش فى أذهان الجماهير ولها منزلة كبيرة.

تضيف: «فشل عدد من أعمال السير الذاتية ليس له علاقة بالشخصيات المُختارة، ولكن له علاقة بالسيناريو المكتوب والمُمثلين المُشاركين، فإذا أُحسن اختيار هذه العناصر ستحقق أعمال السير الذاتية نجاحًا كبيرًا، إضافة لوجود مصداقية بالعمل فأهم شىء بالسير الذاتية هو المصداقية، وأن يُصدق الجمهور أن الفنان الذى يُقدم شخصية العمل هو ذات الشخص. وتحقيق المصداقية ليس أمرًا سهلاً، ويجب أن يسعى لتحقيقه جميع القائمين على هذه النوعية من الأعمال، لأنها إذا لم تتوافر سيسقط العمل سقوطًا ذريعًا».

 

 

وفى مطلع حديثها لمجلة «صباح الخير»، تشير إنعام محمد على إلى أنه لا يوجد فنان يُمثل من تلقاء نفسه، خاصة فى السير الذاتية، فالمُخرج لهذه النوعية من الأعمال يلعب دورًا مهمًا ومحوريًا، ولا يمكن الاستهانة بدوره الذى لا يقتصر على تنفيذ السيناريو المكتوب فقط، بل الإعداد والدراسة والاهتمام بجميع التفاصيل قبل الدخول للاستوديو، لذلك أعمال السير الذاتية لا يستطيع تقديمها أى مُخرج، بل تحتاج لمُخرج له صفات ومهارات مميزة.

وحول توقف أعمال السير الذاتية لسنوات عديدة، أكدت المخرجة القديرة على أن هذه النوعية من الأعمال مكلفة للغاية وبها مُغامرة، لذلك تعتقد أن المُنتجين الحاليين لا يريدون المُغامرة، خاصة مع عدم وجود قطاع حكومى يتصدى لتكلفة هذه الأعمال، مثل قطاع الإنتاج ومدينة الإنتاج.

أزمات الورثة

من جانبه، يرى السيناريست مدحت العدل أن أبرز أزمات ومُشكلات أعمال السير الذاتية التى تجعلها تتعثر دائما هى «الورثة»، حيث يصطدم دائمًا القائمون على أعمال السير الذاتية مع الورثة وموافقتهم على تقديم العمل الفنى، فنجد بعضهم مُتحمسًا للأمر، والبعض الآخر رافضًا، والثالث متخوفًا.

يواصل: «هُناك شركات إنتاج ترفض إعطاء الورثة حقوقهم المادية، وهو ما يعد سببًا فى تعثر عدد من أعمال السير الذاتية وتوقفها أكثر من مرة، وخروجها فى شكل ضعيف عكس المتوقع لها، فهذه النوعية من الأعمال بحاجة للقدرة على مواجهة المُشكلات والأزمات والمُفاوضات والعمل على إيجاد الحلول المُناسبة لها، لذلك عدد من القائمين عليها (بيقصروا الشر) ويتجهون للقيام بأعمال غيرها».

يضيف العدل خلال حديثه لمجلة «صباح الخير»: إن هناك إشكالية كبيرة فى السير تتسبب فى عدم مصداقيتها، وهى أن الجميع يُريد تقديم قصة حياته فى صورة ملائكية لا تتغير، كما أنهم لا يمتلكون حق كتابة السير الذاتية مثل الدول الأخرى، فلا يريد أحد أن يُظهر ضعفه أو أن لديه نزوات مثلاً، لأننا ليس لدينا الشجاعة فى مواجهة مشكلاتنا.

يختتم حديثه بأنه كشخص - أى كمدحت العدل– يخشى مواجهة المجتمع إذا كتب سيرته الذاتية، لأن المجتمع الذى تربى فيه لا يمتلك الشجاعة ولا القُدرة على المنافسة والمواجهة، ولا يتقبّل أن جمال الإنسان به عيوب، فالمجتمع لا يُريد عيوبًا، بل يحكم على قيمة الأشخاص من مظاهرهم، وهو ما يؤثر على أعمال السير الذاتية ويجعلها تُقدَّم بشكل غير صادق.

«الضاحك الباكى»

أما السيناريست محمد الغيطي فيؤكد على أن مصر رائدة فى أعمال السير الذاتية، وأنها اخترعت هذا النوع من الفن، لكن توقفها لفترة ليس له علاقة بفشل البعض منها، ولكن بانسحاب جهات الإنتاج الرسمية، وإلغاء وزارة الإعلام من الإنتاج وانسحابنا من منطقة الريادة، بينما كل الدول تُقدم الكثير من أعمال السير سواء الدينية أو التاريخية.

وعن رؤيته لارتباط أعمال السير الذاتية الدائم بالمُشكلات والتوقف، قال الغيطى خلال حديثه لمجلة «صباح الخير»: إن نظام الإنتاج أصبح فوضويًا وعبثيًا، ولا أحد يفهم ماذا يعمل ولماذا، مشيرًا إلى أنه تقدَّم بسيناريو مسلسل «الضاحك الباكى» لأكثر من شركة إنتاج، إلى أن تحمست الشركة المُتحدة، وبالتالى أخذ المشروع إجراءاته، وعندما وافقت اللجان عليه بدأ تصويره.

على صعيد آخر، شدّد مؤلف «الضاحك الباكى» على أن العمل لم يتعثر كما يعتقد الكثيرون، فهناك أخبار عن أن العمل تم تصويره منذ أكثر من عام وتوقف، وهذا لا أساس له، وليس صحيحا، فالعمل بدأ تصويره منذ فترة قريبة، وسيتم عرضه خلال الشهر المقبل.

 

 

 

علاقة الجمهور بالعودة

فى سياق متصل، يشير الناقد الفنى أحمد سعد الدين إلى أن سبب عودة أعمال السير الذاتية مرة أخرى من خلال «الضاحك الباكى» بعد توقفها لسنوات عديدة، هو أن الجمهور تغير وأصبح بحاجة لهذه النوعية من الأعمال حتى يعرف جيدًا من هم رموز مجتمعه مُنذ خمسين عامًا.

وبسؤاله حول أسباب توقف أعمال السير الذاتية فى السنوات الأخيرة، أكد «سعد الدين» فى تصريحاته لمجلة «صباح الخير» على أن هذا التوقف ليست له علاقة بفشل السير الذاتية، ولكنه مرتبط بأن الاهتمام فى هذه الفترة كان بمسلسلات الأكشن والكوميديا، لأنهم يحققون مبيعات كثيرة، لذلك لم يهتموا بعمل سير ذاتية.

وعن ندرة نجاح هذه النوعية من الأعمال، قال الناقد الفنى: إن ذلك يعود لاختيار الشخصية، فشخصية العمل هى من تفرض النجاح على العمل، بالإضافة لعنصر الكتابة، فالجمهور يُريد أن يرى ما الذى نجح فيه هذا الشخص، وما الذى تعثر به، فإظهار أصحاب السير الذاتية كملائكة لا يُصدقه الجمهور، خاصة عندما يكون حاضرًا لبعض الأحداث، مضيفًا: «تقديم سيرة ذاتية للشخصية ليس هو الأساس بأعمال السير الذاتية، فسبب فشلها أو نجاحها يتوقف على من سيقدمه، ولماذا، فمن الضرورى أن يكون صاحب السيرة الذاتية له عنوان فى المجتمع وألا يكون العمل تمجيدًا له فقط».

وحول تكرار توقف أعمال السير الذاتية، قال «سعد الدين»: إن هذا الأمر مُرتبط بكون شركات الإنتاج لا تضع هذه النوعية من الأعمال فى أولوياتها، ولن يحدث ذلك إلا إذا حققت مبيعات كبيرة، مثلما حدث فى مسلسل «أم كلثوم» الذى ساهم فى تحريك شرائط كوكب الشرق مرة أخرى بعد شراء قنوات فضائية كثيرة لحقوقها، فهكذا تتعامل شركات الإنتاج مع أعمال السير الذاتية؛ «إذا حققت مبيعات تضعها فى أولوياتها، وإذا لم تحقق تقوم بإنتاج عمل غيرها.. ببساطة».