الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الغرفة المغلقة

بيتنا صغير.. ثلاث غرف وصالة..



أبى وأمى يسكنان الغرفة الكبرى التى تطل على الشارع.. وأنا وأخى نسكن الأخرى الأصغر الملاصقة للمطبخ..

أما الغرفة الثالثة فمغلقة دائمًا..

تقول أمى إذا سألناها:

ـ مالكم بها؟! دعوها كما هى..

ـ يا أمى إنها دائمة مغلقة..

ـ لا يضير..

ـ ولا شىء بها البتة؟!

تزفر فى ضيق..

ـ لو كان يزورنا أحد لقلنا إنها للضيوف..

تقوم فى غضب..

ويسألنى أخى الأكبر دائمًا بحكم معزتى المميزة عند أمى أن أعرف سر هذه الغرفة.. فلا تروى ظمئى برد..

ولما ألح عليها تهتف بى: 

ـ أقسم بأنك لو كررت هذه الأسئلة مرة أخرى لعاملتك كما أعامله..

ويتجه إلىُّ أبى الذى يأتى رده غالبًا أعنف..

ثم تأتى الدراسة فتلهينا مذاكرة القانون والمحاسبة عن أى شىء.. ينام أخى على الأرض، له فرشة يحب أن ينام عليها..

يهتف بى من وسط نومه حانقًا:

ـ يا أخى اطفئ النور دعنى أنام..

فأخرج برواياتى إلى الصالة أعاود قراءتها..

تمر بى أمى وهى ذاهبة للحمام.. تسخر من قعدتى على الكنبة..

ـ وبماذا نفعت الروايات أصحابها حتى تنفع قراءها؟!

ثم تجلس إلى جوارى، وتحكى لى عن ذكرياتها..

تقول إن خالى أيضًا كان يحب القراءة، وكان فى غرفته ألف كتاب.. وأنها كانت تقرضه ثمن الكتب..

ثم تهمس فى لوم:  ـ ويا ليته حفظ الجميل!

ثم يتغير وجهها كالعادة، لما أطرح فكرة أن آخذ هذه الغرفة المجاورة..

ـ ولو لأقرأ فيها ساعتين فقط؟

تقوم كأنها ندمت على مجالستى..

وذات يوم كنت أطالع فى ألبوم صور العائلة..

وأدهشنى مجددًا كم كان أبى وسيمًا فى شبابه.. وأمى أيضًا كانت جميلة..

صورة أخرى لى وأخى طفلين متعانقين..

وصورة لى عاريًا تمامًا على الشاطئ.. تصويرها سيئ، وأذكر أن أبى يقول أنه من صورها..

وصورة أخرى لأمى وجدتى – أمها – أمى واقفة تستند على كتف جدتى القاعدة على مقعدها، ترفع وجهها فى طيبة..

واذا بى أجد خلف هذه الصورة صورة أخرى!

مددت أصابعى بحرص وأخرجتها..

إنها صورة لأمى مع طفلة..

رضيعة..

ورغم دقة ملامحها وصغرها إلا أن بها كثيرًا من أمى.. عيناها.. جبهتها العريضة.. دقة الحسن فى الذقن..

أمى تحتضنها فرحة..

وهنا تذكرت أن أبى قد قال يومًا إنه كان لنا أخت صغيرة..

وحين عدت إلى الغرفة، وجدت أخى بجوار النافذة المغلقة يدخن سيجارة.. وضعها جانبًا فى عنف، وهو يقول: ـ حسبتك بابا..

ثم رآنى أجلس صامتًا، فشاكسنى كالعادة..

ـ أتعلم أنى أخبئ علبة السجائر فى ملابسك؟! حتى إذا اكتشفها بابا أو ماما ظنوا أنها لك أنت..

فلم أضحك هذه المرة..

مد يده إلى ذقنى يجذبها..

ـ يبدو عليك الغم هذه الليلة!

ـ لا.. أبدًا..

وكنت من داخلى أفكر..

هبط إلى فرشته، وسرعان ما ذهب فى النوم..

وقرب الفجر.. انتابنى عطش، أيقظنى من نومى.. الصالة مظلمة.. غرفة الأبوين مغلقة..

وكان هناك ضوء أراه للمرة الأولى صادر من الغرفة التى حسبنا أنها لا تفتح..

نظرت.. وجدت أمى تقف فى وسطها.. تحمل وسادة صغيرة على ساعديها، تتمتم بكلمات لم أتبينها..

اقتربت بحرص، لا أريد لها أن ترانى..

أرهفت السمع أكثر فسمعت بضع الكلمات..

ـ هوووووه.. أتوقفين بكاءك أم أنادى بابا؟!..هوووووه..

وأخذت تدور بالوسادة داخل الغرفة، ولا تشعر بأحد.. حتى بى أنا الواقف قريبًا منها!