الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
صناع بهجة الفنون الشعبية

صناع بهجة الفنون الشعبية

تشكل المَهرجاناتُ ضرورةً لكونها تظاهرة فنية تدعم نوع الفن المُقَدَّم خلال أيام كل مهرجان، كما تعمل على تشجيع المنافسة الشريفة لتقديم منتج فنى رصين، فينجذب المتلقون نحو الأفضل، ويظل الحافز بالفوز وانتظار لحظة إعلان ما أفرزته لجان التحكيم محفزًا للإبداع؛ باعتبار مَن ينتمون لنفس المجال يتلهفون لصَك شهادة ميلاد عمل إبداعى يتم الاحتفاء به.



وخلال الأيام الماضية عشتُ تجربة أدهشتنى، بالطبع لم تكن الأولى؛ بل عشرات لجان التحكيم التى شرفت بها على مدار سنوات، إلا أن مهرجان فنون الأداء الذى يقيمه المعهد العالى للفنون الشعبية بأكاديمية الفنون، كان مختلفًا عن غيره من المهرجانات، لعدة أسباب؛ أهمها الروح التى سادت تلك الأيام البديعة ممن يرعونه دكتور مصطفى جاد عميد المعهد ووكيلته الدكتورة سمر سعيد، حُسن استقبال وكرم ضيافة وروح إيجابية مبهجة جعلتنا نحيا أجواءً تسودها الفرحة والغبطة من الصغير والكبير، أيضًا العروض التى قدمت بها طاقات إبداعية شبابية تستحق الرعاية والاهتمام وإتاحة الفرص، كذلك جاء تشجيع الطلاب بهدوء وصبر من دينامو النشاط الطلابى الدكتورة ولاء محمد، فظهر طلاب المعهد بصورة مشرّفة من حيث الشكل فى المَظهر الحَسن اللائق بهم وبمعهدهم، وكذا المضمون الذى تضمّن أخلاقًا حميدة وبشاشة ارتسمت وجوههم، ورقى تعامُلهم، الممزوجة بسعادة وانتشاء لتحقيق حلم يصنعه أبطاله. كما سعدتُ بشكل شخصى لسببين؛ أولهما فخرى بطلابى الذين درسوا معى وفوجئت بفنهم وتميزهم ورغبتهم الجامحة فى كسر كل الحواجز الخانقة لحرية إبداعهم، وثانيهما أن يدار المهرجان من شباب المعهد من خلال اتحاد الطلاب ويكون مدير المهرجان شهاب خالد أحد طلاب المعهد، وهو ما يعطى فرصًا حقيقية للممارسة الجادة على مرأى ومسمع الجميع.

معهد فنون شعبية قد لا يكون الأكثر رواجًا بين معاهد الأكاديمية، ورُغْمَ بقائه خمسين عامًا؛ فإنه عادة يفرز باحثين مهتمين بشئون التراث والفولكلور أكثر من تفريخ مبدعين بالمعنى الشائع للكلمة، لكن المهرجان أفسح المجال للطلاب لاكتشاف مواهبهم، وقدّمت الأكاديمية دعمها المادى والمعنوى لإنتاج هذه العروض المتميزة، التى تحتوى على موروثات شعبية تُعَبّر عن هويتنا وثقافتنا التى تميز بعض المناطق الجغرافية، فتشمل عادات وتقاليد طيبة وبعضها أمست مستهجنة، لكنها تظل مسيطرة على بعض العقول لذا يستوجب دحضها، فيعمل الإبداع على وضوح الرؤية وطرح تلك الأفكار من خلال الأراجوز والحَكى، والسِّيَر والأمثال، والخرافات وكذا الغناء والطقوس التى تضمنتها ليالى المهرجان. عروض تستحق المشاهَدة «الجبانة، استغماية، من لحم وخشب، سمعون»، أمّا «بدارة» ففاز بجائزة أفضل عرض. 

استمتعتُ بلجنة التحكيم المتميزة بأعضائها وقاماتها الفنية التى تشاركت فى صُنع حالة متوهجة من المتعة باكتمال الرؤية النقدية للأعمال الفنية، فصارت كل ليلة تمثل لوحة شعبية تشكيلية بديعة تثرى هذا المجال المتخصص، وأتمنى أن يستمر هذا المهرجان بخصوصيته وانفراديته وسط جميع المهرجانات وأن يَلقى اهتمامًا أكبر من الوسط الثقافى، وأن يطرح موروثاتنا ذات الهوية الإيجابية من ناحية، والموروثات البالية التى نتمنى اقتلاعها من منظومة حياتنا الاجتماعية. وختامًا هنيئًا لكل صُناع البهجة.