الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
شروق القمر.. وأسنان البحر

على فكرة

شروق القمر.. وأسنان البحر

ما أجمل أن تقرأ عن أعماق البحر وأسراره بقلم بحَّار فتعرف كيف يعيش البحَّارة لياليهم الطويلة بين جمال بانوراما البحر وعذاباته.. فى كتابه «مداد البحر» الصادر حديثًا عن مؤسسة الأهرام، يأخذنا خالد خليل الصيحى إلى عالم مبدع حافل بالتفاصيل، فيلتقط بين فرار موجة وكَّر أخرى من كنوز البحر فيرينا حكاياته، وشروق قمر ليله، وكريم لآلئه، ويُسمعنا صوت البحَّارة وأشواقهم للبرّ وللوطن، وحنينهم لركوب البحر ثانية فيقول: «بعيدًا عن البَّر يشعر بعض البحّارة ببعض الحزن بسبب البعد عن الوطن فلا تعجب إن سمعت بحَّارًا مخضرمًا يقسم أنه لن يركب البحر أبدًا بعد عودته إلى الوطن ثم يسافر ثانية، ثم يكرر قسمه بهجران البحر!، ولا تعجب إن سمعت بحَّارًا آخر يقول, أنه كسمك البحر لا يستطيع أن يفارقه، وكلاهما صادق.



ويفسر كاتبنا ذلك بتأكيده على مقولة الكاتب الأمريكى ديل كارينيجى «أن موقف الإنسان تجاه ما يمر به من أحداث هو الذى يُشعره بالسعادة أو الشقاء»، وهو ما يراه أيضًا الشاعر الإنجليزى ملتون عندما يقول: «فى وسع العقل وهو فى مكانه أن يخلق جحيمًا من الجنة أو نعيمًا من جحيم»، ولا أدل على ذلك من موقف بطل رواية «العجوز والبحر» لأرنست همنجواى، فبطله صياد عشق مهنته، وظل يصارع سمكة ضخمة واصطادها إلا أن أسماك القرش التهمتها لكنه أصر على ركوب البحر بعد ذلك، وقرر أحد الشباب العمل معه لما رأى إصراره على مواصلة الصيد ليأكل من عمل يده.

ويصوِّر خالد الصيحى فى كتابه كيف استطاع ربان سفينة اصطياد سمكة قرش من البحر الأحمر، واستخلص بعناية فكيها المزينين بأسنان بيضاء منشارية تساوى آلاف الدولارات ويُسميها الناس فى كاليفورنيا واسترالية باسم أسنان البحر.

ويبدو خالد الصيحى مثل بطل همنجواى فى روايته مستبسلاً فى مقاومة سطوة الماء، ودراما البحر القاسية فقد من بحَّارة العبَّارة الغارقة سالم اكسبريس لكنه نجا، بإصراره على الحياة، ومناجاة الله سبحانه وتعالى.

وبمداد البحر سجَّل الكاتب بقلمه رحلته مع الأمواج، وعشقه للبحر فيقول: «إن القيعان هى بمثابة بيئة بحرية حاضنة لمتاحف فنية وثقافية وتاريخية وعلمية، وليس أدل على ذلك من وجود ثلاث مدن غارقة منذ العصر البطلمى بالقرب من منطقة أبو قير بالإسكندرية وهى مدن: «هيراكليوم»، و«كانوبس»، و«مينتوس»، ويضيف أن هناك دراسات من أجل تمكين السياح من رؤية المدن الثلاث تحت سطح ماء البحر بواسطة الغطس أو بغواصات تنقلهم إلى تلك المتاحف.

ويؤكد كاتبنا بعشقه للبحر وآثاره حتى الغارقة منها «أن موقف الإنسان تجاه ما يمر به من أحداث هو الذى يشعره بالسعادة أو الشقاء»، ولا عجب بعد ذلك أن يقول شاعرنا إبراهيم أبو سنة فى قصيدة جميلة: «البحر موعدنا، وشاطئنا العواصف».