الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

حكايات القاهرة الفاطمية

خان الخليلى.. درة تاج المحروسة

اشتهر خان الخليلى بالحوانيت المتلاصقة والحرف النادرة
اشتهر خان الخليلى بالحوانيت المتلاصقة والحرف النادرة

فى منطقة حى الجمالية وبالموازاة مع شارع المعز وقرب منطقة الحسين يقع خان الخليلى حيث المنطقة التجارية العالمية التى يأتى إليها السياح من أنحاء العالم قاصدين الاستمتاع بحكايات التاريخ المتجسد فى ملامح الخان المعمارية الفاطمية والشراء من تجار الخان مشغولاتهم ومنتجاتهم ذات الطابع التراثى المتنوع.



 

وتعود كلمة خان إلى اللغة الفارسية وتتشابه فى فكرتها مع الأسواق والقيساريات والوكالات من حيث أنها ملتقى واسع ومتنوع للتجار والزبائن، ووصف المؤرخ «المقريزى» شكل الخان قديمًا، فقال إنه مبنى مربع كبير يحيط بفناء ويشبه الوكالة، تشمل الطبقة السفلى منه الحوانيت، وتضم الطبقات العليا المخازن والمساكن.

 

الفيشاوى.. أشهر مقاهى الحى
الفيشاوى.. أشهر مقاهى الحى

 

ويتميز خان الخليلى بكثرة عدد المحلات والحوانيت المتلاصقة الى جوار بعضها البعض فى ألفة شديدة يباع فيها كل ما يرغب السائح فى شرائه؛ بدءًا من القطع الأثرية الفرعونية المقلدة بحرفية ودقة شديدة مرورًا بالمشغولات والحرف التقليدية والتراثية والصناعات اليدوية من السجاد والسبح والكريستال وصناعة البردى والحلى الذهبية والفضية ‏والتمائم‏‏ الفرعونية.

اكتسب خان الخليلى طرازه المعمارى المتميز من وقت الدولة الفاطمية تحديدًا القصر الشرقى الفاطمى الذى ورث عنه سحر مداخله وحواريه وكان القصر بمثابة المكان الاستراتيجى لقلب الفاطميين وتحديدًا الخليفة المعز لدين الله الفاطمى، فقد شغل القصر أحد الأركان فى مكان الخان وكان له تسعة أبواب أعظمها باب الذهب الذى كان مخصصًا لموكب الخليفة.

هدم الظاهر بيبرس أبوابًا من القصر ثم هُدم القصر بأكمله وبقى المكان باسم تربة الزعفرانة تضم رفات الفاطميين وفى عهد السلطان برقوق جاء الأمير جهاريكس الخليلى وفكر فى بناء خان ليوقف أمواله للفقراء بواقع رغيفين لكل فقير يوميًا ووقع اختياره على منطقة تربة الزعفرانة ليصبح الخان بجانب مسجد السلطان الظاهر برقوق وبالقرب من شارع المعز.

بيت السحيمى
بيت السحيمى

 

فتوى شرعية

لم يعق طريق الأمير جهاريكس الخليلى سوى عظام الفاطميين المدفونة هناك، فلجأ الأمير إلى أحد القضاة الموالين له وسأله الرأى الشرعى فى نقل رفات الفاطميين من هذا المكان فأفتى له بجواز إزالتها، وبالفعل تم نقل الجثامين لمقلب قمامة وبنى الخليلى خانه.

والحقيقة أن الناس لم تنس للخليلى نبشه لمقابر الفاطمبين على الرغم من أنه كان مشهورًا بفعل الخير والورع فيذكر المقريزى أن الأمير جهاريكس قُتل فى معركة الناصرى وترك على الأرض عاريًا حتى تمزق جسده وأكلته الطيور والحيوانات عقوبة له من الله على هتكه لرفات الأئمة وأبنائهم من الفاطميين.

ثم جاء السلطان قنصوة الغورى وهدم الخان وأعاد بناءه مرة أخرى بهدف تنشيط التجارة وجعل الخان من كبرى الأسواق التجارية المصرية بعدما تملكه بفتوى شرعية من القاضى «عبدالبر» الذى اتُهم فيما بعد بتزويره فتاوى لتملك الأوقاف.

منذ ذلك الزمن احتل خان الخليلى مكانة متميزة من بين جميع الأحياء التجارية فى القاهرة لما يضم من أعداد هائلة من التجار مختلفى الجنسيات والبضائع التى لا توجد إلا به والتى تأتى خصيصًا من آسيا وأوروبا وإفريقيا والأقاليم المصرية وكان وقوع الخان بين منطقة الأزهر والمراكز التجارية الكبرى مثل الموسكى والغورية والصاغة سببًا كبيرًا فى الحركة الشرائية العالية.

 

مسجد الحسين.. أول مايستقبلك فى الطريق إلى سوق خان الخليلى
مسجد الحسين.. أول مايستقبلك فى الطريق إلى سوق خان الخليلى

 

تعددت السلع ولا تزال حتى الآن فى خان الخليلى وكانت لكل سلعة طائفة معينة من التجار مثل تجار الأقمشة أو سوق القماشة وكان أشهر تجاره التركى خليل الملطيلى وأحمد بن سكندر، وكذلك ازدهرت تجارة البن والنحاس والتحف والأوانى وكان بالخان ما يقرب من 215 تاجر نحاس بجانب تجار البسط والخيش والسجاد الفارسى وتجارة الرقيق التى زادت من الحركة التجارية بشكل كبير.

قهوة الفيشاوى

من أبرز المقاهى فى خان الخليلى كان مقهى الفيشاوى الذى أنشأه الحاج فهمى على الفيشاوى عام 1797 ليجلس فيه تجار ورواد الخان وبدأ المقهى بطاولة واحدة ثم ضُمت إليه عدد من الكراسى وبسبب طموح فهمى الفيشاوى استطاع أن يشترى عددًا من المتاجر الملاصقة ليصبح المقهى مكونًا من ثلاثة غرف كبار فالغرفة الأولى يطلق عليها غرفة الباسفور، وهى مبطنة بالخشب المطعم بالأبنوس، وتضم أدوات مصنوعة من الفضة والكريستال والصينى، وهذه الغرفة كانت مخصصة بشكل أساسى للملك فاروق، وضيوفه فى شهر رمضان.

أما الغرفة الثانية فيطلق عليها التحفة، والسبب أن صاحب المقهى أراد أن تكون فعلًا أقرب لتحفة فنية منها لمساحة فى مقهى، فجعل جدرانها مزينة بالصدف والخشب المزركش والعاج والأرابيسك، أما آرائكها فهى مبطنة باللون الأخضر، وهذه الغرفة كانت خاصة بالفنانين.

أما الغرفة الثالثة فعرفت باسم غرفة القافية ولكن ممنوع دخولها حاليا لأنها تحوى مجموعة من التحف والكنوز التراثية، وكان المقهى الملاذ الآمن لعدد كبير من الشخصيات العامة والكتاب أمثال نجيب محفوظ وعبدالحليم حافظ العندليب وغيرهما.

فكان الأديب العالمى نجيب محفوظ تحديدًا يحب هذا المقهى ويتردد عليه بشكل شبه يومى وله فى المقهى عدد كبير من الصور التى أخذت له فى مواقف مختلفة هناك وله كذلك عدد من الحوارات التلفزيونية التى أجراها على المقهى ومن ضمن حكايات نجيب محفوظ على المقهى كانت صداقته لبائع كتب قديمة، كان كفيفًا ولكنه يعرف الكتب التى يطلبها الزبائن منه دون أن يراها، كان يجلس على المقهى أمام نجيب محفوظ وفى وسطهما الكتب القديمة يتحدثان فى حميمية عجيبة.

واستلهم نجيب محفوظ روايته خان الخليلى من جلساته المعتادة على مقهى الفيشاوى وكأنه أراد أن يجسد هذا المكان بالتحديد فى ذاكرة الأدب.

وعلى ذكر نجيب محفوظ؛ نعود لذكر حى الجمالية الذى يتبعه خان الخليلى والذى يقع على بعد دقيقتين تقريبًا منه وهو يسمى مجمع تراث مدينة القاهرة فهو يضم مسجد الحاكم بأمر الله والجامع الأزهر والجامع الأقمر وعددًا من المدارس التى تم تشييدها فى عصور مختلفة مثل المدرسة الأيوبية والمدرسة المملوكية.

وعن سبب تسمية الجمالية تذكر روايتين الأولى تحكى من بداية دخول جوهر الصقلى مصر حيث نزل فى الفسطاط ناحية الأرض التى أصبح فيها خان الخليلى وبنى هناك سورًا من الطوب اللبن جعله يلف قواته والجامع الأزهر حماية من أى غزوات محتملة للقرامطة، ثم تهدم السور وبنى أمير الجيوش بدر الدين الجمالى وزير الخليفة المستنصر سورًا جديدًا من الحجر ضم هذه المنطقة لذا سميت الجمالية، لكن الرواية الأكثر شيوعًا تقول إن الجمالية تنسب إلى الأمير جمال الدين محمود الاستادار من عهد المماليك، الذى قام ببناء مدرسة من أكبر المدارس فى المحروسة، وكانت تتميز بالمساحة الكبيرة.

 

نجيب محفوظ مع بائع الكتب القديمة
نجيب محفوظ مع بائع الكتب القديمة

 

معالم تراثية

ومن الجمالية لحارة الدرب الأصفر هناك يقع بيت السحيمى أو بيت الشيخ عبدالوهاب الطبلاوى وهو بيت عربى  من طراز إسلامى عثمانى فريد من نوعه عرف باسم بيت السحيمى نسبة إلى آخر من سكنه، وهو الشيخ محمد أمين السحيمى شيخ رواق الأتراك بالجامع الأزهر.

وخضع البيت إلى عملية تجديد شاملة فى حقبة التسعينيات وحاليًا يستخدم بيت السحيمى كمتحف مفتوح لفنون العمارة الإسلامية، وكمركز للإبداع الفنى التابع لصندوق التنمية الثقافية، حيث يستضيف فرق التراث الشعبى بمختلف أنواعها من فنون موسيقية وفن الأراجوز وفن خيال الظل، كما تقام به ورش عمل لتعليم الشباب أصول هذا الفن، بهدف الحفاظ على الموروث الثقافى المصرى وحمايته من الاندثار وتوفير أماكن عرض ثابتة لتلك الفرق التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة.

ولا يفوت زوار منطقة خان الخليلى أن يكملوا بهجتهم بالسير فى شارع المعز ومنطقة الحسين التى تمتلئ بالطقوس الروحانية وبمختلف الأطياف من الناس وممن يسمون بالدراويش المتفرقين حول المسجد فهنا حيث مسجد الحسين الذى بناه الفائز بنصر الله عام 1154 م على شكل مشهد أو ضريح للحسين، ثم أنشأ صلاح الدين الأيوبى مدرسة بجوار الضريح عرفت باسم المشهد، وهى المدرسة التى هُدمت فيما بعد وبنى فى مكانها الجامع الحالى.

ويقول البعض إن الفائز بنصر الله كان قد أرسل وأحضر رأس الحسين إلى مصر ودفنها ثم بنى الضريح، لذا يُعتقد أن رأس الحسين مدفون تحت هذا المسجد.