السبت 11 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

أميمة الخليل : الأغانى الشبابية فارغة من المعنى

أميمة
أميمة

فراشة حالمة تمشط أجواء بيروت، تنثر عطر صوتها دفئًا، وبعضًا من كِبْرِياء وعناد الجنوب، كانت بيروت لها وطنًا، فاستقرت على أوجاعها جنة موعودة، وتدفأت بأنفاس الحرية، واستأنست بصوت الناس، واحتمت بالإنسان، فكان صوتها يمتزج مع آهات معاناتهم، حفظت شوارعها، وتنفست حكاياتها، وتلطخ حلمها برائحة البارود، وتذوَّقت حلاوة الثورة.. إنها الفنانة اللبنانية أميمة الخليل.



عن حبها للموسيقى والغناء، وبداياتها فى المجال الفنى، وتأثرها بالموسيقار مارسيل خليفة والشيخ عبدالباسط عبدالصمد، ورأيها فى العديد من القضايا الفنية، فضلاً عن جديدها خلال الفترة المقبلة، كان لمجلة «صباح الخير» هذا الحوار مع الفنانة أميمة الخليل.

• نعود بالذاكرة إلى الوراء لاستنهاض تفاصيل بداياتك.. كيف كانت؟

- كانت بدايات جدّية جدًا، فقد كنت لا أسمح لنفسى وأنا مراهقة أن أتسلّى بوقتى، ذلك لأنى كنت جدّية فى عملى ومؤمنة أننى أغنِّى للناس المهمشين الذين لا صوت لهم، فأكون أنا صوتهم. كان هناك الكثير من السفر والتنقل، ولكن ليس بظروف سياحية مريحة وإنسانية، بل على النقيض تمامًا، ولكن كان الصعود إلى المسرح والوقوف أمام جمهور كبير يُنسينى كل شىء.

• تميزت بحبك الشديد للغناء منذ الصغر.. وزادت شهرتك بأغنية «عصفور طل من الشباك» مع الموسيقار مارسيل خليفة.

- فى بداياتى، وأنا ابنة خمس سنوات، قبل الحرب اللبنانية وقبل العمل مع مارسيل خليفة، اكتشف والدى موهبتى عن طريق الصدفة، وذلك خلال سهراته مع الأصحاب فى بيتنا حين لاحظ تفاعلى مع الموسيقى، وقال لى إننى يجب أن أتعلمها لأننى أغنى بشكل سليم. سجّلنى والدى بالمعهد الموسيقى، وكان يتكبَّد عناء الرحلة من بعلبك حيث نسكن إلى بيروت مرةً كل أسبوع ليوصلنى إلى المعهد. حضرتُ ثلاثة صفوف قبل اندلاع الحرب الأهلية وإغلاق المعهد. عندما احترفت مع مارسيل، كنت ابنة اثنى عشر عامًا. حاول والدى أن يستحصل لى على منحة لدراسة الموسيقى فى موسكو ولكن تعذّر عليه الأمر حينها، فبقيت فى بيروت فى ورشة الميادين بين سفرٍ وتنقل وحفلات على جميع الأراضى اللبنانية، إضافةً إلى التسجيلات ومتابعتى لتحصيلى المدرسى، لم يكن هناك معهدٌ فى تلك الفترة لأتعلم الموسيقى. وعندما أصبحت بعمر السابعة عشرة، غادر مارسيل وعائلته بيروت قسرًا وقد كانوا عائلتى وبيتى. سجّلت فى معهدٍ موسيقى خاص، حيث درست قليلاً من الصولفيج والتحليل الموسيقى، ثم بدأت بتدريب صوتى مع أساتذة عدة. طبعًا أغنية «عصفور طل من الشبّاك» كانت قبل هذه المرحلة؛ كنت بعمر الثانية عشرة حينها، وكانت رسالة على لسان طفلة أُقحمت مع أبناء جيلها فى حروب الكبار فى لبنان. وهكذا أتت الدراسة الموسيقية وتدريب الصوت فى مرحلة لاحقة.

• حدثينا عن أبرز محطات حياتك بالنسبة لك.

- من أبرز محطات حياتى، عندما غنيت فى معبد باخوس فى قلعة بعلبك عام 1985 بحضور والدتى. هذه الحفلة الوحيدة التى حضَرتها أمى لى قبل وفاتها. أنا من بعلبك، وكانت أهمية هذه الحفلة أنها فى مدينتى وفى هذا المعبد المهيب الذى يمثل تاريخًا عظيمًا، وفى ظروف كانت القلعة غير متاحة ليدخلها الناس وتم فتحها خصيصًا لهذه الحفلة. هناك محطات أُخرى مثل «أحمد العربى» التى تُعتبر أوبريت، وكنت فى السابعة عشرة من عمرى عندما سجلتها مع أوركسترا كلاسيكية لأول مرة وبمضمون إنسانى وموسيقى عالى المستوى والمزاج. لاحقًا كان هناك محطات عديدة منها ألبوم «زمن» مع هانى وألبوم «أميمة 2000»، الذى تضمن أغنية «مزاج» والتى نجحت بشدة حينها والتى فيها أعدنا صياغة «يا حبيبى تعالى» لأسمهان. بعد فترة، كانت «مطر» وهى قصيدة بدر شاكر السياب الشهيرة «أنشودة المطر» فاتحة الحداثة فى الشعر العربى، مع موسيقى المؤلف العبقرى اللبنانى عبدالله المصرى الذى أضاف بإبداعه قصيدة موسيقية أخرى تضاف إلى قصيدة السيّاب، كانت محطة مهمة فى حياتى من حيث التأليف والتنفيذ وحيثياتها مجتمعة. من بعدها كانت «صوت» محطة لا يستهان بها مع كورال فيحاء وموسيقى مارسيل خليفة وتوزيع إدوار توريكيان ومن تنفيذى وكورال الفيحاء بقيادة المايسترو باركيف تاسلاكيان. كذلك كان هناك محطات عديدة مهمة فى حياتى منها الفنى ومنها الإنسانى والاجتماعى والنقدى، ولكننى ذكرت لك ما حضر فى ذاكرتى الآن.

• كيف أثّر مارسيل خليفة على تكوينك الفنى؟

- مارسيل كان معلمى نظرًا لتواجدى معه فى نفس المنزل، وقد تأثرت بطريقة كلامه وأفكاره الإنسانية والسياسية وآرائه وشخصيته وتعامله مع الناس، وكانت النوتة التى تصدر من مارسيل مقدّسة بالنسبة لى. هو معلمى الأول.

 • وماذا عن تأثير الشيخ عبدالباسط عبدالصمد؟

- فى صغرى كان هناك مسجد فى بعلبك يقرأون فيه القرآن بصوت عبدالباسط عبدالصمد، مما جعل لهذا الصوت مكانَة خاصة فى وجدانى، فهو متغلغلٌ فى روحى، كنت أتابع تفاصيل النفى والغُربة والقرار والجواب. كان الشيخ عبدالباسط معلمًا لى، حيث كنت أسمعه وأجَوّد سورة التكوير معه. إنه صوتٌ تاريخى.

• فى عام 1979 بدأت الغناء مع فرقة مارسيل خليفة وكان يطلق عليها اسم «الميادين»، وبعد عودته من فرنسا واصلت الغناء معه، ثم بدأت حياتك المهنية الفردية مع ألبوم «خلينى غنيلك» فى عام 1994.. حدثينا عن تلك الفترة.

- قبل مارسيل، كنت أصعد كل عام مسرح المدرسة، ولكن المرة الاحترافية الأولى كانت عام 1980 فى قصر الأونيسكو؛ المسرح التابع لوزارة الثقافة فى لبنان، فى ذكرى اغتيال الشهيد المعلم كمال جنبلاط وكنت فى سن الرابعة عشرة، وكان مارسيل قلقًا ألّا أستطيع أن أتماشى مع الموسيقى وأن يربكنى الحضور، ولكن الحفل كان ناجحًا وأثنى علىَّ مارسيل بعده. منذ ذلك الحين عملنا كثيرًا وسافرنا كثيرًا حتى عام 1994، حيث قدمنا أول ألبوم «خلينى غنيلك»، الذى أعتبره هدية قدّمها لى مارسيل؛ وقد كانت حينها الساحة الفنية فارغة وأقولها بكل ثقة، وكان الإنتاج مع مارسيل النشيط والمجتهد جدًا لا يتوقف، واستطعنا حينها إصدار هذا الألبوم مع شركة ميوزيك ماستر للإنتاج الفنى، وكان الألبوم مادّةً فنية احتاجها الناس بعد الحروب التى مرّت على لبنان.

• هل نصحك مارسيل بغلق ملف أغنية «عصفور طل من الشباك»؟

- يعتبر مارسيل أن الأغنية إذا انتشرت تصبح ملك الناس، وقد أشار إليه الكثيرون بأن يرفع دعوى قضائية بحق من غنى الأغنية بعدى، ذلك أنه انتحال صفة وأن القضية رابحة، لكن مارسيل رفض لأنه لا يحب الأذية ولأن الفن ملك الناس، وهذا شىء أحترمه فى مارسيل وهو موقف نبيل منه، ولكن هذا لا يلغى أن الأغنية لحنها مارسيل وكتبها نبيل هادى وقد أديتها أنا بعمر 12 سنة، أُلّفَت أصلا لأغنيها أنا وكانت رسالة على لسان طفلة أُقحمت بالحرب هى وجيلها.

• التقيت بالموسيقار الكبير  هانى سبلينى أثناء عزف الجاز فى حفلة غنائية، ثم انضم إلى فرقتك وربطتكما علاقة مميزة لأنكما من نفس الجيل وتحبان الموسيقى أيضًا، ثم تزوجتما وبقيتما بالعمل سويًا.. حدثينا عن علاقتكما.

- هانى من جيلى، التقيت به صدفة يعزف الجاز فى بيروت، ماهرٌ ولامعٌ جدًا، كان مفتاح الفرقة التى تعزف معه. كان له حضور قوى وآسر فلفت نظرى، وصرت أصادفه فى الاستوديو، وكان لا يرفع نظره عن الأرض حتى ظننت أنه متكبر وكنت أنا معتدة جدًا بنفسى، فتركته إلى أن تعرَّفنا إلى بعضنا أكثر وتوطدت علاقتنا واكتشفت أنه خجولٌ وخلوقٌ جدًا وموسيقى بارع وموهوب. عندما اقتربنا من بعضنا قلت لنفسى إنه الشخص الذى يجب أن أكون معه، وهو ما حدث، حيث جمعنا غرام قوى وأنجبنا ندى، ثم عملنا معا بالصدفة، وما زلنا كذلك.

 

أميمة مع المحرر
أميمة مع المحرر

 

• لعب «الرجل» دورًا لافتًا فى حياتك الفنية.. هل تلاحظين ذلك؟

- لا شك أننى محظوظة بالرجال الموجودين فى حياتى. أبى سعى جاهدًا ليجد لى مكانًا على الخريطة الفنية الغنائية العربية، إلى أن وصلنا لمارسيل خليفة الشاب ذى الـ 18 عامًا الذى كان لديه الكثير ليقوله فى الحياة والموسيقى والفن والمجتمع، ووجد أن صوتى كفتاة صغيرة يخدم مشروعه الذى نبت فى الحرب فى ظروف صعبة وكان لا بد من موقف موسيقى فنى غنائى، ومن حظى أن صوتى خدم مارسيل وهذه التجربة. عملى مع مارسيل أوصلنى لأتعرف على هانى سبلينى الموسيقى والإنسان الأهم فى حياتى. هو مفتاح حياتى فى المنزل ومع ندى وتفاصيل حياتنا اليومية، لا يمكن لأمر أن يتم دون هانى، أكاد أكون عديمة الحيلة إذا لم يكن موجودًا.

• ما تقييمك لمستوى الكلمة فى أعمال المطربين الحاليين؟

- إن الأغانى الحالية فارغة من المعنى، بحجة أنها أغنية شبابية، وهذا عذرٌ أقبح كما كونه ذنبًا. نحن أمة تولى أهمية كبرى للكلمة، أمة غنية بالشعر والشعراء والخطابة وتُقدس الكتب السماوية، فكيف نسقط لتركيب أى كلام نغنيه حتى يرقص الجيل الشاب! هذه كارثة بحق أجيالنا العربية، لأن الحرف يضمحل واللغة تضمحل إذن فالهوية ستضمحل.

• «صوتى مش إلك» هو اسم أحدث أغنياتك مع الراقص والكوريغراف اللبنانى بيار جعجع.. ما السر وراء هذه التسمية؟

- «صوتى مش إلك» عمل أحببت أن أطل على الجمهور من خلاله مع بيار جعجع؛ اللبنانى الأصم صاحب الموهبة العظيمة، فنان حساس وانتقائى ولا يلتمس التجارة فى الفن رغم أن لديه حجته ليعمل ويجنى لأنه أصم، ولكن بيار ارتضى أن يعيش من القليل ويختار عمله بدقة. فى فترة الحجر بسبب جائحة كورونا صوّر بيار الكثير من الأعمال مع صوتى، ولكن كنت أرغب فى العمل معه على أغنية جديدة فكانت «صوتى مش إلك»، التى تحكى عن صوتى تحديدًا، هذا الصوت الذى خُلق للحرية وغنّى الحرية ويريد أن يبقى صوتًا حرًا لا يملكه أحد ولا يأسره أحد.

• سبق أن صرحت بأنك تريدين الهجرة من لبنان.. لماذا؟

- لا يوجد لبنانى لا يفكر بالهجرة، لأن قدرنا فى هذه البقعة من العالم أن تكون بلادنا ساحة حرب وتصفية حسابات. نفكر بالهجرة نظرًا لانعدام الاستقرار، حيث كل عشر سنوات يُهدم كل ما بنيته، ثم تجد نفسك تبنى من جديد. هانى لم يوافقنى الرأى حول الهجرة سابقًا، وها نحن بقينا فى بيروت وندفع ثمن بقائنا.

• هل تزورين مصر قريبًا؟

- أول مرة زرت مصر سألت نفسى: «ما هذا البلد الذى هو خارج التصنيف وخارج الوقت وخارج الحياة؟».

يلزمك زيارات عدة لتفهم ما هى مصر، وأنا فى شوقٍ كبير لمصر. شعبٌ معجونٌ بالفن والطرفة والاستهزاء بالمحن. شعبٌ عظيم وأرض عظيمة قدّمت لنا فى العالم العربى الكثير، وما زالت قادرة على تقديم الأكثر من ذلك.

أنا أنتظر دائمًا ما سيأتى من مصر على كل المستويات والمجالات. يجب أن ينتبه المصريون أنهم جديرون بالريادة وبتغيير المعادلات والمفاهيم. اشتقت لمصر كثيرًا وسأزورها قريبًا.