استطلاعات الرأى العام تفشل فى التنبؤ بنتائج الانتخابات

نهي العليمي وريشة خضر حسن
استطلاعات الرأى العام ظهرت بشكل ملحوظ منذ ثورة يناير وتزايدت الاستطلاعات الخاصة بالواقع السياسى، وظهرت مؤسسات تقوم على هذه الصناعة وهو ما يوجد فى العالم كله، ومع انتشار تلك الظاهرة إلا أنه شابها العديد من الإخفاقات المرتبطة بنتائج الانتخابات والتى جاءت مخالفة تماماً لها، والأكثر من ذلك أنه بالرغم من نشأة هذه الاستطلاعات كوسيلة لقياس التوجهات فإن فى مجتمعنا المصرى هناك أكثر من تحدٍ يواجه تلك الاستطلاعات أكثر من عدم تطابق المعلومات مع النتائج، أهمها عدم الثقة من الأساس فى هذه الصناعة خاصة أننا فى مجتمع الديمقراطية لاتزال تخطو أولى خطواتها وهناك تاريخ من انعدام تداول السلطة وانعدام الأخذ بهذه الاستطلاعات من قبل السلطة علاوة على التشكيك فى مصادر تمويلها لارتفاع تكلفتها.. كل هذه التحديات التى تقابل استطلاعات الرأى فى الشارع..ومع حلول موعد الانتخابات أثير موضوع الاستطلاعات للرأى العام ومدى جدواها حيث أقيمت حلقة نقاشية فى وحدة دراسات الرأى العام والإعلام بالمركز الإقليمى للدراسات السياسية والاستراتيجية لمناقشة إمكانية الاعتماد على نتائج الاستطلاعات للرأى العام فى تحديد نتائج الانتخابات العامة..وهل يمكن الاعتماد عليها لاستطلاع اتجاه الشارع وهل يمكن استخدامها كآلية لخدمة المسار الديمقراطى؟!
وهو ما أثار جدلاً كبيرًا بين النخبة بدأه الدكتور محمد شومان عميد المعهد الدولى العالى للإعلام وأستاذ الإعلام بجامعة عين شمس عندما أعلن عن عدم جدوى تلك الاستطلاعات للرأى العام فى العملية الانتخابية بل إنها تشوهها.
فى البداية كان لنا لقاء مع د.محمد شومان للتعرف على وجهة نظره حيث قال: «هناك مدرسة كبيرة فى العلوم السياسية والإعلام ومجال استطلاع الرأى العام ترى أنه لا داعٍ إطلاقاً لاستطلاعات الرأى العام التى تتوقع سلوك الناخبين لأنها تعد تدخلاً وتشويهاً للعملية الديمقراطية لأنه ببساطة عندما يظهر أن مرشحاً فى استطلاع رأى حصل على 70٪ من الأصوات مقابل30٪ لآخر فإن المترددين يميلون للكفة الراجحة ويختارون الكسبان وهو ما تؤكده الدراسات العالمية وهو ما لا يحقق الديمقراطية لأنها تؤثر فى إرادة الناخب.
كذلك فإن مراكز الاستطلاعات تخضع لتوجه من يمولها خاصة أنها لا تزال مراكز وليدة، وما أطرحه هو أن تكون مثل هذه الاستطلاعات للرأى خاصة بالسياسات العامة كرأى المواطن فى الخدمات وتكون للمحاسبة المجتمعية ولوضع السياسات العامة وليست مرتبطة بتوقيت معين كالانتخابات ولا بالتصويت، وفى نفس الوقت لنصل لمستوى مناسب للاستطلاعات علينا أن نطور وسائل ومراكز استطلاعات الرأى العام ونستخدم عينات أكثر تمثيلاً للمجتمع، كذلك فإن الإعلام يجب أن يكون له دوره المحدد والأمين وتوضع ضمانات لعدم التلاعب بهذه الاستطلاعات وتطوير الآليات والأدوات للارتقاء بمراكز الاستطلاع ووضع ميثاق شرف لها لضمان الحيدة والنزاهة والشفافية..
كذلك فإن هناك إشكالية منهجية ودقة الاستقصاء بالتليفون، وهو ما لا يتناسب مع الثقافة المجتمعية للمواطن المصرى أبدا فإذا اتصلت بشخص وسألته «هل ستنتخب السيسى أم حمدين»؟ سيخاف من الإجابة.
وعند سؤال الدكتور شومان عن الوضع فى أمريكا واستعانتهم بمراكز استطلاعات الرأى وما الفرق بين ما يحدث عندنا والخارج، أجاب: حتى فى أمريكا فهناك من ضد استطلاعات الانتخابات وسلوك الناخبين، ومع هذا فهى صناعة لها مستفيدون وحسابات ربح وخسارة، ولم ولن تنتهى تلك الصناعة بسبب المصالح ولكن الاتجاه الحديث هو استطلاع الرأى العام عن طريق «الواقع الشبكى» أى عن طريق الإنترنت فإذا كان فى مصر 30 مليون مشترك فى الإنترنت، فهذا مواطن شبكى يصوت من البيت ويشترك فى الاستطلاعات، أما الشريحة الأمية التى لا تستخدم الإنترنت فهناك تجربة فى الهند فى الانتخابات تستخدم الرسومات والأشكال بدلا من الكتابة ويختار الرمز الذى يريده المواطن، ولكن على شاشة تسجل صوته فى نفس الوقت ويذهب غير المتعلمين لمكان الاقتراع أو التصويت ويشاركون بأصواتهم.
∎ معالجته ليس بذبحه
وعلى النقيض الدكتور عمرو هاشم ربيع رئيس وحدة الدراسات المصرية ورئيس برنامج التحول الديمقراطى بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عندما سألناه عن استطلاعات الرأى العام وحالة التشكيك فيها أجاب: «لدينا مجتمع فى حال انقسام درامى سياسى ودينى ومن الصعب استطلاع الرأى فى ظل كل هذا اللغط والسيولة خاصة سياسياً وفى الانتخابات بشكل أخص، كذلك لديك مجتمع حديث العهد بهذا النمط من أسلوب الاستقصاء للرأى العام له 7 أو 8 سنوات فقط، ناهيك عن فترة الفوضى بعد الثورة وخلطها بالحرية كذلك المجتمع يشوبه الحديث عن انتقادات منهجية ككلمة عينة عشوائية والتى ترتكب باسمها كل «الموبقات» حيث تتم الاستعانة بباحثين مساعدين يملأون الاستمارات الاستقصائية فى بيوتهم كمرتزقة، فالمجتمع يشوبه قلة وعى عام وخاص فيكفى قانون مباشرة الحقوق السياسية الذى يمنع الاستطلاعات قبل الانتخاب بخمسة أيام، ولكن مع كل هذا «فليست معالجته بذبحه» ولكن ما نحتاجه هو معالجة أساسها تشريعى يحدد الإطار والآلية ووضعية هذه الجهات القائمة على الاستطلاعات».
∎ مهمتنا دعم صانع القرار
الدكتورة سحر عمار مدير مركز استطلاع الرأى العام بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، ترد على ما سبق: «لدينا مجموعة من الإشكاليات والجدل القائم على فكرة التمويل والتبعية والمنهجية المتعلقة بالعينة وطرق سحبها، وأود أن أؤكد أن المواثيق الأخلاقية عليها جدل فى العالم كله وفى مصر من سنة 1955 يقوم المركز القومى بالبحوث الاجتماعية بهذا الدور البحثى والاستقصائى، والجدل اليوم ليس لموضوع اجتماعى كالإدمان أو أهمية الدعم وذلك لدخول السياسة مؤخرا، لذا فالجدل أكبر وهنا يحدث خلط واضح بين المرصد الإعلامى لدينا والذى يقوم برصد كل ما ينشر فى الإعلام من صحف وبرامج حوارية كموضوع مولد فريدة الذى ألصق بنا كمركز بحوث استطلاع الرأى العام واتخاذ القرار وهو ما ليس لنا به أى صلة وإنما رصد إعلامى.
وهنا أود أن أشير إلى أن ما نقوم به هو الوسيلة التقليدية لاستطلاع الرأى من الميدان عن طريق مقابلات شخصية لعينة تصل لعشرة آلاف شخص وأيضا عن طريق الهاتف وكل وسيلة وفقا للموضوع ففى حالة الانتخابات كان التليفون، ومع هذا فقد قمنا كمراجعة بأنفسنا بعمل نفس الأسئلة ميدانيًا وعن طريق التليفون لنتأكد من النتيجة لأنفسنا وظهرت بالفعل النتائج متقاربة لحد كبير، ونحن هنا بصدد دعم متخذ القرار وليس النشر فأى وزارة تطلب منا استطلاع رأى نقوم به لصالحنا ولا ننشره إلا بناء على طلبها كوزارة التموين والتأمين الصحى ومنظمات دولية وجهات حكومية تستطلع اتجاهات الرأى العام وتصبح الاستطلاعات ملكها هى.
وحول حيادية المركز تضيف الدكتورة سحر: «دعونا أولا نسلم أنه لا توجد حيادية مطلقة ولن يتم الكف عن التشكيك فلو كان تمويله حكوميًا سيقال منهم ولو خاص سيقال المصالح ولكن هل هناك جهة فى مصر الآن يعتمد عليها فى هذا المجال؟؟ كذلك فإن هناك موضوعات لها طابع السرية واستحالة تقوم بها جهة فى مصر إلا مجلس الوزراء ونحن نعتبره تكليفًا حتى لو يوم جمعة.. ومركز المعلومات ودعم متخذ القرار من ضمن مشاكله قبل إنشائه رأى المواطن كنا لا نجده إلا بعد طلبه من المركز القومى للبحوث الاجتماعية ليدخل فى صناعة القرار، ولا يعتمد عليه بمفرده فهو أحد المدخلات ولا يتخذ كبديل أول أحيانا مثلما حدث فى موضوع عودة الصف السادس الابتدائى وأخذ البديل الثانى.. وأنا أعتبر أننا صوت من لا صوت له وحتى لو أمامنا الكثير للوصول للديمقراطية ولكننا سنصل لها.. ولنا العديد من الاستطلاعات التى تؤكد نزاهة ومنهجية وموضوعية المركز كالاستطلاع الذى أجرى عن أسوأ عضو فى مجلس الشعب، ووقتها كنا معرضين لغلق المركز والكثير والكثير من الوزراء والمحافظين الذين أثبتت استطلاعاتنا تأخر ترتيبهم فى درجة الرضا عن أدائهم وسبب لنا ذلك مشاكل معهم وغضبوا على المركز وقاطعونا ونشر جزء من استطلاعاتنا وجزء لم ينشر».
وحول إذا كانت استطلاعات الرأى يمكن الاعتماد عليها، تقول الدكتورة سحر: «سأكون جريئة وأقول نعم يمكن الاعتماد عليها، وفى هذا الصدد يجب أن أشير إلى أنه فى 2012 الاستطلاعات فى مركز الأهرام وبصيرة ودعم اتخاذ القرار كانت فى مسارها إلى أن دخل أبو إسماعيل وعمر سليمان ثم قبل الانتخابات تقدم حمدين ومرسى وبعد المناظرة تأخر أبو الفتوح وعمرو موسى وقبل الانتخابات بثمانية أيام وجدنا استمرار صعود مرسى وشفيق بهذا المعدل ينبئ بأنهما متقدمان وكذلك فى الإعادة وكانت النتائج متطابقة لحد كبير جدا، ولكن ما منعنا من نشر ذلك أن موعدها كان سيدخل فى الصمت الانتخابى».
∎ ميثاق شرف
الدكتور أحمد ناجى قمحة رئيس وحدة استطلاعات الرأى العام بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاسترايجية يقول: «فى رأيى يجب أن يكون هناك ميثاق شرف لجميع العاملين فى مجال استطلاع الرأى أو رابطة ويصدر قانون ينظم تشريع العمل فى هذا المجال فعندنا 5 أو 6 مراكز بينما 150 شركة فى مجال أبحاث التسويق وتعمل على هذه الموضوعات أيضا فقد وجدنا أن شركة من شركات السجائر العالمية تقوم باستقصاء حول من الرئيس الذى سترشحه وتسأل الناس.. فما المصلحة من قيام تلك الشركة بهذا الاستقصاء!!
كذلك ما يقدم من استطلاع لصانع القرار لا يلقى بالمسئولية على العاملين على الاستطلاع وإنما على صانع القرار نفسه الذى يحدد اختياراته بما يلقى عليه فما يحدث فى المجال الاقتصادى أن شركة البحوث التسويقية تعرض على صانع القرار الموضوعات وهو يختار الموضوع الذى يلقى المردود الإيجابى وهو ما لا يحدث سياسياً.
كذلك فيجب أن نعى أن المكون الثقافى لا يزال هو الحاكم والمواطن المصرى أداة البحث تحكمه معايير ثقافية واجتماعية، ففى موضوع الاستفتاء بالتليفون مثلاً عندما يكلمه أحد ليسأله سيقول فى نفسه «من ضمنى مين دا!!» وسيخاف من الرد لذا يجب أن نجد الآلية المناسبة للمجتمع لنضمن دقة النتائج».
ورقة عمل حول إشكاليات المنهـج والمضمـــون
أقام المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية مؤتمر «دور استطلاعات الرأى العام فى ترشيد عملية صنع السياسات»، ومن ضمن المحاضرات كانت هناك ورقة عمل تقدم بها الدكتور أحمد التهامى الخبير بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، تستهدف مراجعة عينة من استطلاعات الرأى العام التى جرت فى السنوات الأخيرة من خلال قراءة مقارنة لنتائجها تحت عنوان «استطلاعات الرأى العام وإشكاليات المنهج والمضمون.. دراسة حالة» .. عرض الدكتور التهامى بعض مظاهر الخلل فى استطلاعات الرأى العام فى القضايا السياسية وقدمت بعض الأطروحات لتفسيره بعضها يتعلق بطبيعة حالة السيولة السياسية وعدم الاستقرار التى تسود المجتمع فى مرحلة ما بعد الثورة مما يفسر التفاوتات والتقلبات فى الآراء والاتجاهات السياسية فى مصر من ناحية وكذلك عمليات توجيه الرأى العام من قبل جهات ذات نفوذ وسيطرة تسعى للتأثير فى الرأى العام من جهة أخرى.
وبالإضافة إلى ذلك فإن المصالح والتحيزات الكامنة خلف الجهات القائمة باستطلاع الرأى العام لا يمكن تجاهلها، فالإنفاق على استطلاعات الرأى العام باستخدام عينات قومية يحتاج إلى قدرات مالية ضخمة لتغطية تكاليف العمل الميدانى والفريق البحثى الذى يقوم بتحليل النتائج، فالجهات الممولة لا تنفق أموالها إلا إذا كانت لديها أهداف محددة تعود عليها من هذه الاستطلاعات. وإلى جانب ذلك فإن التوجهات الفكرية والإيديولوجية للقائمين على الاستطلاع وتحيزاتهم قد تؤثر بشكل أو بآخر على الاستطلاع من خلال صياغة الأسئلة بشكل متحيز أو من خلال عبارات موحية أو من خلال تفسير النتائج ووضعها فى إطار تصنيفى معين.
والخلاصة كما يؤكد الدكتور أحمد التهامى «أنه لا تزال هناك فجوة بين الاعتبارات المهنية والأكاديمية وأخلاقيات البحث العلمى من جهة وبين واقع استطلاعات الرأى العام، ولم تفلح مرحلة الانفتاح السياسى بعد ثورة 52 يناير فى ترسيخ دور استطلاعات الرأى العام فى توقع نتائج الانتخابات أو ترشيد صنع السياسة العامة مما انعكس سلباً على سمعة المراكز البحثية التى تقوم بها. وفى ظل غياب معايير علمية صارمة متفق عليها وتعدد المنهجيات والأساليب تفتقد استطلاعات الرأى العام الدقة المطلوبة وتتناقض نتائج الاستطلاعات مع بعضها البعض ويظهر التباين الشديد بين التوقعات التى يعلنها القائمون على استطلاعات الرأى العام مدعين تمثيلها للشعب المصرى وبين نتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسية والاستفتاءات التى جرت فى السنوات الماضية. إن هناك حاجة لوقفة صارمة مع النفس وتقديم مراجعات علمية وبحثية مستمرة للتراكم الذى ظهر فى السنوات الماضية من أجل تفادى الأخطاء المنهجية والواقعية وتطوير الأدوات ومفاهيم التحليل والتفسير حتى لا يفقد المهتمون الثقة فى هذا الحقل العلمى».