الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

بعد نجاح وش وضهر..

كيف وظّفت الأعمال الفنية مواهب ذوى الهمم؟!

كريم لؤى والمخرجة مريم أبو عوف من كواليس مسلسل وش وضهر
كريم لؤى والمخرجة مريم أبو عوف من كواليس مسلسل وش وضهر

لا شك أن الفن يلعب دورًا مهمًا فى المجتمع، مهما كان حجم الاختلاف والنقاشات حول طبيعة هذا الدور وحجمه ومدى تأثيره، وهل يتأثر بالواقع أم يؤثر فيه، أم كلاهما يؤثران فى بعضهما البعض، خاصة عندما يتعلّق الأمر بالأعمال الإنسانية مثل قضايا ذوى الاحتياجات الخاصة، التى لا يكاد يكون هناك خلاف بين الجماهير وصنّاع الفن حول أهميتها وضرورة إلقاء الضوء عليها، وعندما يتعلّق الأمر أيضًا بدمج ذوى الهمم أنفسهم داخل المجال الفنى، وهو الأمر الذى ليس بجديد على الفن المصرى، لكنه أصبح موجودًا بشكل ملموس مؤخرًا، حيث شارك العديد من ذوى الهمم فى أعمال فنية لاقت نجاحًا وشعبية كبيرة بين المشاهدين، أحدثها مسلسل «وش وضهر»، مما يساعد على دمجهم وتقبّلهم داخل المجتمع، فضلًا عن فتح باب الإبداع أمامهم للوصول للجمهور.  



 

مشاركات ذوى الهمم

فكرة دمج ذوى الهمم فنيًا لا يمكن النظر إليها على أنها تجربة جديدة، فقد كان فيلم «الصرخة» الذي تم إنتاجه عام 1991 من بطولة الفنان نور الشريف والفنانة معالى زايد ومجموعة من الممثلين ذوى الاحتياجات الخاصة، بمثابة الحجر الذى حرك الماء الراكد فى هذا العالم.

وبعد نحو 30 عامًا، وتحت اسم «القضية 404»،من قصة وإخراج محمد الأنصارى، انطلقت أول تجربة درامية معظم أبطالها من ذوى الاحتياجات الخاصة، حيث جسد العمل معاناة مرضى متلازمة داون بسبب الخلل المجتمعى، فضلًا عن القضايا التى تشغل بال ذوى الاحتياجات الخاصة.

كذلك العرض المسرحى «كنز الدنيا»، الذى نظّمته الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية بالتعاون مع وزارة التضامن الاجتماعى، ليكون أول وأكبر عمل مسرحى يضم مجموعة كبيرة من المواهب الشابة من ذوى الهمم، للتأكيد على إعادة دمجهم فى المجتمع فى إطار حرص القيادة السياسية على حصولهم على جميع الحقوق والخدمات، وكذلك الاستفادة منهم فى مجال الفن والإبداع، حيث ناقش العمل نظرة المجتمع لذوى الهمم من خلال أسرة من الطبقة المتوسطة تكتشف أن مولودها من أصحاب متلازمة «داون»، وقام ببطولة العمل الفنان أشرف عبدالباقى، كما قام الطفل عمرو هشام بتأدية دور الابن، وهو مصاب بمتلازمة داون بالفعل.

 

أبطال العرض المسرحى كنز الدنيا
أبطال العرض المسرحى كنز الدنيا

 

أما مسلسل «دايمًا عامر» الذى عُرض فى دراما رمضان 2022 للفنان مصطفى شعبان،فقد اختار المُخرج مجدى الهوارى عددًا من ذوى الاحتياجات الخاصة للظهور ضمن الأحداث، مثل رحمة ممدوح التى جسّدت شخصية فتاة فى المرحلة الثانوية، وليا حسام فى المرحلة الابتدائية، ومصطفى عبد الحميد فى المرحلة الإعدادية، ورحمة خالد أول مُذيعة من ذوى الهمم، والطفل مُهند عماد الدين سفير الطفولة لذوى الهمم بمؤتمر «قادرون باختلاف».

هذا الدمج الفنى المكثف لذوى الهمم فى الأعمال الفنية مؤخرًا، يقودنا للعديد من التساؤلات حول تجربتهم فى عالم الفن وكيف ساهمت فى دعمهم على المستوى النفسى، بالإضافة إلى الصعوبات التى واجهتهم فى تجاربهم الفنية، وكيف تم تدريبهم على الأداء التمثيلى، وهل تسببت إعاقتهم فى تغيير أحد الأدوار أم الدور يُكتب وفقًا للإعاقة أم العكس، وهل من الضرورى أن يكون المؤلف على علم بنوع الإعاقة عند الكتابة. وهو ما نجيب عنه فى السطور التالية، من خلال محاورة عدد من ذوى الهمم المشاركين فى الأعمال الفنية، فضلًا عن صنّاعها وكتّابها.. نجاحات «وش وضهر»

 

رحمة البدراوى مع أشرف عبد الباقى  من كواليس العرض المسرحى كنز الدنيا
رحمة البدراوى مع أشرف عبد الباقى من كواليس العرض المسرحى كنز الدنيا

 

يقول الطفل كريم لؤى الذى لفت الانتباه بدوره فى مسلسل «وش وضهر»، إنه لم يتوقع النجاح الكبير الذى حققه العمل، موضحًا أنه تلقى إشادات كثيرة حول دوره فى المسلسل، والتى بدورها أسعدته كثيرًا وساهمت فى تحسّن نفسيته التى تأثرت بسبب تأخير طرح المسلسل.

أضاف «لؤى» لمجلة «صباح الخير» أن اختياره لشخصية «محمود» جاء بالصدفة البحتة، فقد كان يُشارك فى مسرح المدرسة من خلال عرض مسرحى بعنوان «الليلة الكبيرة»، ولكن العرض تأجل بسبب كورونا، وعندما ذهبت المُخرجة مريم أبو عوف للمدرسة طلبوا من جميع المُشاركين بهذا العرض أن يمثلوا مشهدًا أمامها، قائلًا: «لم يحددوا إذا كان الأطفال من ذوى الهمم أم لا، فالمدرسة بها أصحاء وذوى الهمم، وبالفعل جسدت مشهد (ملك شفيق) كان مشهورًا بهذه الفترة، وبعدها تواصلت المُخرجة مع إدارة المدرسة وطلبت رقم ولى أمرى، وبالفعل تواصلت مع والدتى لتحديد موعد مقابلة وتم الاتفاق على كل شيء خلال المقابلة». يضيف أنه تم اختياره فى البداية للمشاركة فى مسلسل «ليه لأ» الجزء الثانى، وعندما بدأت المُخرجة مريم أبو عوف التحضير لـ «وش وضهر» رشّحته للدور، قائلًا: «الدور كان مكتوبًا من البداية ولم يكتب خصيصًا لى، ونجاحى فى العمل حفزنى كثيرًا على المشاركة فى أعمال فنية أخرى».

الانتشار فنيًا لدعم القضية

أما الطفل مُهند عماد الدين، فيوضح لمجلة «صباح الخير» أن فكرة دمج ذوى الهمم إعلاميًا وفنيًا جعلت لهم أهمية ووجودًا بشكل كبير فى المجتمع، خاصة بعد دعم الرئيس عبدالفتاح السيسى لهم، وأصبح لهم صوت مسموع، على حد تعبيره، مشيرًا إلى أن دوره فى مسلسل «دايًما عامر» كان موجودًا من البداية، لكنهم أضافوا مشاهد لدوره عندما لاحظوا موهبته الفنية. وحول غنائه بجانب مشاركته بالمسلسل، قال إنه بالأصل مغنى ضمن كورال الأوبرا منذ فترة طويلة، مضيفًا: «بالتأكيد الغناء بجانب التمثيل لم يكن أمرًا سهلًا ولكن الأغنية كلماتها كانت جميلة، وحفظ المقاطع التى كانت بالإنجليزية تطلبت تدريبًا وأخذت منى وقتًا، فقد دربتنى والدتى كثيرًا عليها لأنها مُدرسة لغة إنجليزية».

من جانبه، يؤكد عبدالرحمن عرام أن تجربة التمثيل فى مسلسل «القضية 404» كانت تجربة جيدة وممتعة، ومن الممكن أن يُكررها فى تجربة ملائمة تدعم ذوى الهمم وتكون خاصة بهم، مشددًا على أن ذوى الهمم لا يمكن الاستهانة بحقوقهم وواجباتهم فى المجتمع، مضيفًا: «الحمد لله استطعنا أن نوصل رسالتنا للجميع، فالمشاركة فى عمل فنى يدعمهم نفسيًا ويساهم فى تغييرهم كانت ميزة كبيرة لذوى الهمم الذين شاركوا فى العمل».

 

وزيرة التضامن والمخرج محمد الأنصارى أثناء عرض القلم الناطق
وزيرة التضامن والمخرج محمد الأنصارى أثناء عرض القلم الناطق

 

تابع: «دائمًا أطالب بشيء واحد وهو أننا جميعًا سواسية، فمُبادرة (عالم موازى) التى أنتجت مسلسل (القضية 404)، تقول إننا لسنا عالمًا مُختلفًا ولكننا عالم مساو، ومن خلال هذه الجملة كُنا نتناقش مع الذين يرون أننا مختلفون، وكُنا نأتى لهم بشخص موهوب من ذوى الهمم حتى نثبت لهم بأننا موهوبون مهما كان لدينا من مشاكل.. وأنا دخلت الفن بالصدفة البحتة، ولم يكن ضمن أحلامى، فقد كنت أحلم بأن أكون مذيعًا، وعندما دخلت الفن من خلال مسلسل (القضية 404) كنت أجسد قصتى الحقيقية، وكيف عبرت بى والدتى لبر الأمان واستطاعت أن تقول للناس إن ابنها ليس مُختلفًا عن الآخرين».

الدعم = السلامة النفسية 

أما الطفلة رحمة البدراوي فأعربت عن سعادتها بالمشاركة فى العرض المسرحى «كنز الدنيا» مع الفنان أشرف عبد الباقى، موضحة أن الأمر ساهم فى دعمها نفسيًا بشكل كبير، خاصة عندما ظهرت على المسرح وبدأ الحضور يصفقون لها ولموهبتها، وأشاد الحضور بها وبموهبتها الفنية، وبعد انتهاء العرض طلبوا التقاط عدد من الصور معها.

وفى حديثها لمجلة «صباح الخير»، قالت «البدراوى» إن فكرة دمج ذوى الهمم إعلاميًا وفنيًا مهمة لهم، لأن هناك أشخاصًا موهوبون من ذوى الهمم، ويطورون من أنفسهم وموهبتهم كثيرًا، لكن يتعبون كثيرًا من أجل إيصال صوتهم للمجتمع، لافتة إلى أنها تتمنى أن تصل لمرحلة القضاء على التفرقة بينهم وبين الأصحاء، لأن ذلك مهم لصحتهم النفسية. وأكدت على أنه بالرغم من الجهود الكبيرة المبذولة من الدولة لدمج ذوى الهمم إعلاميًا وفنيًا إلا أن فكر الكثير من الناس لم يختلف تجاههم، فمنذ فترة قريبة هناك شركة إعلانات رشحتها لعمل إعلان ولكنهم عندما شاهدوها بشكل أوضح اعتذروا، وبرروا ذلك بأنهم لم يكونوا على علم بأنها حالة خاصة.

كواليس التعامل أثناء التصوير

يشير المُخرج محمد الأنصارى مُخرج مسلسل «القضية 404» إلى أن التعامل مع ذوى الهمم فى التصوير يكون له طابع مُختلف، حيث يدرس نفسية كل شخص منهم، وما الذى يقبله وما يرفضه، ويتعامل معهم من خلال مشاعرهم، ويرى شخصية كل فرد منهم وأبعادها، ونفسيته، ويلعب على الإحساس بإعاقتهم المُختلفة. كما يحرص على أن تكون أحاسيسهم صادقة.

وكشف الأنصارى خلال حديثه لمجلة «صباح الخير» عن كيفية تدريب ذوى الهمم على التمثيل، موضحًا أن عددًا منهم كانوا يجسدون أدوارهم الحقيقية، وهذا كان أمرًا سهلًا إلى حد ما، فكان يلعب على الذاكرة الانفعالية لديهم، ويتم تدريبهم على إخراج ردود أفعال طبيعية وصادقة وبها أحاسيس.

تابع: «كل الذين تقدموا للمُشاركة فى العمل لتجسيد أدوار غير أدوارهم الحقيقية قمت بعمل اختبار أداء لهم، واخترت منهم عددًا من الأشخاص ودربتهم على الدور والشخصية التى سيجسدونها، فضلًا عن تعريفهم بملامحها جيدًا، والقضية التى ستناقشها، فهم أكثر الأشخاص ملاءمة للتعبير عن قضاياهم لذلك كانوا يناقشون كافة القضايا التى تم تناولها بالعمل بكل مصداقية، لأنهم على علم بأن هذه القضية تهمهم وتخُصهم، ويعلم أن نجاح الدور الذى يُجسده سيجعل الوضع مختلفًا تمامًا مع الجيل القادم، لذلك بذلوا مجهودًا كبيرًا حتى يخرج العمل فى أفضل صورة ممكنة».

 

مهند عماد الدين مع مصطفى شعبان  من كواليس مسلسل دايما عامر
مهند عماد الدين مع مصطفى شعبان من كواليس مسلسل دايما عامر

 

وشدد على أنه لم يتم تغيير أية مشاهد بسبب إعاقة الأبطال المشاركين فى «القضية 404»، فعند كتابة الدور كانوا يختارون الإعاقة التى تناسبه، ثم يقومون بعمل تدريبات لكل إعاقة حتى تكون فى مكانها الصحيح، لذلك الإعاقات لم تتسبب فى أى صعوبات، فذوى الهمم كانوا يتحملون أكثر من الأصحاء لأنهم يحبون ما يفعلونه. ويضيف: «لم تواجهني أية صعوبات فى العمل بسبب الإعاقات بل كانت صعوبات إنتاجية وعدم الدعم لنا، فقُمنا بإنتاج العمل كاملًا على حسابنا الشخصى، فهناك جهات ومؤسسات كثيرة تعهدت لنا بأنها ستُنتج المسلسل ولكن وقت الجد لم نجد داعمًا لنا».

هل يتغير السيناريو؟

يقول السيناريست عيسى جمال الدين مؤلف العرض المسرحى «كنز الدنيا» إنهم كانوا على علم بأن العرض سيُشارك به أطفال مُعاقون بـ«متلازمة داون»، بينما الإعاقات الأخرى التى شاركت فى العرض سواء كانت إعاقات سمعية أو حركية جاءت فى النهاية، ولكن فى الكتابة لا يهم إذا كان المؤلف سيكتب لذوى الهمم أم لا، لأنه يقوم بعمل دراما، قائلاً: «عند كتابة العرض المسرحى (كنز الدنيا) قمنا بكتابة الدراما الخاصة بالعرض، ونحن لا نعلم إذا كان المُعاقون لديهم مشاكل فى النطق أو فى مخارج الألفاظ، فقررنا أن نكتب الدراما ونرى إلى أين سيذهبوا بنا».

تابع «جمال الدين» لمجلة «صباح الخير»: «قُمنا بكتابة قصة العرض المسرحى وبعمل تتبع للأحداث، فالأحداث وقصة العرض لم يتغير فيها شيء، ولكن ما حدث بالداخل حدث به بعض التغييرات فكنا نريد عمل عرض كبير للغاية، ووجدنا فى ذلك صعوبة على الأطفال المُعاقين، فأردنا أن نقلل الحدة الخاصة به إلى حد ما بما يتلاءم ويتوافق مع الإعاقات التى كانت مشاركة فى العرض».

وأضاف: «وجدنا أن معظم الإعاقات استطاعوا أن يتجاوبوا معنا إلا إعاقة (متلازمة داون) واجهتنا مشكلة مع هذا النوع من الإعاقة،فهم لا يريدون جملًا طويلة فقمنا بكتابة جمل قصيرة لهم، الجملة لا تزيد على 3 أو 4 كلمات، وهنا كان التحدى والاختبار لنا بأن نصل لما نريد بأقل عدد ممكن من الكلمات».