الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
«أبو صافى»

«أبو صافى»

بعد غياب سنوات طويلة، جاءتنى دعوة من صديق سعودى لحضور عرس ابنيه صافى وطه، أخوان جمع بينهما التوفيق فى اختيار فتاتين تصافحت فيهما القلوب الصافية، وتآلفت نفوسهما. الدعوة كانت لحضور عرس ابنىّ الأديب الصحفى السعودى علوى الصافى فى ليلة واحدة. كانت ظروفى لا تسمح بالسفر للمملكة لتواجدى فى مهمة عمل بالمملكة المتحدة، فاتصلت به مهنئًا بأبوته للابنين الشابين ومهنئًا ببنوّتهما له، وبالدعاء أن يجعل الله أيامهم أفراحًا متواصلة ومسرات دائمة، وتمام الهناء وصفاء الودّ لهم.



التقيت بعلوى الصافى فى لندن وقد جاءها قرب نهاية العقد الثامن من القرن الماضى باحثًا عنى، بعد أن زار أرض الكنانة، وأخبروه بأنى غادرتها مغتربًا للمملكة المتحدة. كان القسم العربى بهيئة الإذاعة البريطانية فى هذه الفترة مركز المعلومات لأى إعلامى عربى زائر للعاصمة البريطانية. التقى علوى بالصديق ابن مدينة حلحول شمال الخليل بفلسطين وصاحب العلامة المميزة فى الإذاعة البريطانية «وهذا ماجد سرحان يحييكم من لندن» وسأل عنى، فصاحبه صاحب الصوت البلاتينى المميز مشكورًا لمكتبى.

كان الأمير والشاعر والفنان التشكيلى خالد الفيصل الثالث من أبناء الملك فيصل بن عبدالعزيز، وكان وقتها أميرًا لمنطقة عسير، وكان قد أسس «مؤسسة الملك فيصل الخيرية» مع إخوته للحفاظ على إرث الملك فيصل والمضى فى تحقيق رؤاه، بتدعيم العلم والتعليم والبحوث. كان المشروع الثقافى الأول للمؤسسة هو إصدار مجلة أدبية ثقافية، قبل أن تخوض فى تقديم جائزة الملك فيصل العالمية، وغيرها من مشاريع المؤسسة. واختار الأمير خالد الأديب علوى طه الصافى الذى بدأ حياته بعد حصوله على ليسانس الحقوق من جامعة بيروت، فى محطات صحفية متعددة وسكرتيرًا إعلاميًا لمحمد عبده يمانى وزير الإعلام، ومسْهمًا فى الصحافة الثقافية تارة كاتبًا، وتارة مؤلفًا للقصة القصيرة وأدب الرحلات والأطفال، كأول رئيس تحرير لمجلة الفيصل.

قصدنى علوى الصافى الذى بحث عنى كثيرًا فى القاهرة ولندن لتولى مهمة المدير الفنى للمجلة الجديدة. اعتذرت فى البداية لاستحالة ترك مشروعى والسفر للمملكة السعودية لتولى هذه المهمة. وبعد شد وجذب ومد وجذر والرجل مُصِرّ، اتفقنا أن أقضى عشرة أيام كل شهر فى الرياض، وقد كان. وانطلقت مجلة الفيصل لتصدر كمنبر فكرى يتابع الجديد الثقافى، ووجهة لكل مقال جاد فى مادته وراقيًا فى المحتوى. وانتشرت المجلة، وكانت ذات زخم واسع سعوديًا وعربيًا فى عصر المجلات الثقافية الذهبى وما زالت تصدر. 

قصة «الفيصل» أرويها بعد أن تلقيت من أسابيع خبر رحيل الصديق العزيز على القلب علوى الصافى، مودعًا الحياة بعد أن ساهم بستة عشر عامًا من عمره الثمانين بالعطاء لمجلة «الفيصل»، مسجلًا نجاحًا فى عالم الكتاب، معمرًا ومثريًا للذاكرة الثقافية العربية. أنتج فى أدب المقالة بغزارة باسمه، وتحت اسمين مستعارين هما «ليلى سليمان» و«مسمار»، بقلم مشاكس حرّك الساكن وأثار الأسئلة، أدار الصراع بين أدب الشيوخ والشباب وأدب المرأة. 

وداعًا لرائد من رواد الثقافة فى السعودية.