الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

بهجوري عظمة على عظمة!

بهجورى
بهجورى

أهدى رسام الكاريكاتير الفنان سمير عبدالغني، إلى مجلة «صباح الخير» حلقاته المميزة عن جيل الأساتذة من رسامى الكاريكاتير، قبل أن يجمعها فى كتاب يوثق خلاله رحلة هؤلاء مع أحد أهم فنون الصحافة من خلال حكايات وذكريات، عاشها معهم، وصاحبهم خلالها على مدار سنوات عديدة، حرص على توثيقها لتقديمها إلى محبى فن الضحكة والبسمة، وللأجيال الجديدة التى لم يسعدها الحظ أن تتابع رسومات هؤلاء الفنانين فى زمانهم.



 

جورج البهجورى هو مؤسس مدرسة الكاريكاتير الحديثة، الأولى كانت الريادة فيها للأجانب سانتس الإسبانى وصاروخان الأرمنى ورفقى التركى وغيرهم, والثانية كانت للمصريين وعلى رأسهم رخا وعبدالسميع وطوغان وزهدى العدوى.

ظهرت المدرسة الحديثة مع ظهور مجلة صباح الخير سنة 1956 وكان البهجورى أحد أهم روادها.. فلقد غيّر فى شكل الخط وأبدع فى رسم الشخصيات.. بحس مصرى عبقرى ولم يكن قد تعدى الـ 19 من عمره. 

 

 

 

كان أول لقاء لى معه فى المركز الثقافى الفرنسى فى عز مجده وتألقه وقف يرسم على المسرح وأمامه بلانتو«رسام صحيفة اللومند» أهم رسام فى فرنسا وقبل أن يكمل بلانتو رسمة واحدة كان جورج البهجورى رسم عشر شخصيات كاريكاتورية منهما واحدة لبلانتو وتوزعت فى جنبات القاعة لعمل معرض لفن البورتريه فى أقل من 10 دقائق.. يومها اعترف بلانتو أن بهجورى فنان عظيم ولا يمكن أن ينتصر عليه أحد «أخرج بهجورى أنفا أحمر لمهرج ووضعها على أنفه» وضجت القاعة بالضحك وامتلأنا بشعور الانتصار.

وقفت أمامه وقلت له ارسمنى.. فمسك القلم ورسمنى..لكنى لم أجد نفسى, مناخيرى مش فى مكانها ووجهى عبارة عن ابتسامة بلهاء.. سألته ده أنا؟ أجاب ضاحكًا.. آه أنا شايفك كده.

أعجبت الرسمة أصدقائى وكانت مصدر تندر وسخرية واستخدموها فى «بانفلت» معرضى الأول بقصر ثقافة مصطفى كامل«1988» والذى تكفل به صديقى محمود مهدى.

كنت أجمع أعمال جورج البهجورى من مجلة صباح الخير وأغلفة روزاليوسف وأضعها فى أجندة.. وأتابع ما يكتبه من مذكرات فى جريدة الأهالى وصفحتين الدوبل فى مجلة صباح الخير وبورتريه كان يرسمه فى مجلة المصور، هو ليس فنانا عاديا..هو عفريت.. أو مارد من الجن.. أو له علاقة بالعالم السفلى. 

 

 

 

عندما عملت معه فى مجلة كاريكاتير كنت أسأله كيف يرى الفنان بهجورى الوجوه التى يرسمها؟

كان يقول كل فنان تشكيلى لديه طفل بداخله يندهش عند رؤية الأشياء يزيد عليه الطفل الذى بداخل رسام الكاريكاتير أنه أكثر شقاوة ويمسك مرآة سحرية تكشف الوجوه وتفتتها ثم تعيد صياغتها من جديد فأنا من خلال البصر أرى الشخص ومن خلال البصيرة، أنزع عنه القشرة الخارجية لأرسمه عاريًا أمام الناس، هذا الوضوح الذى أضعه فى الرسم هو الذى يجعله موجعا جدا لكل شخص يرتدى قناعا زائفا.

غيرّ بهجورى شكل فن البورتريه فى مصر والعالم العربى، يقول: لا أستطيع أن أنكر جهود الفنان رجائى ونيس، الفنان الكبير الذى اكتشفته وتزاملنا معا بمؤسسة روزاليوسف ومجلة صباح الخير وهو من القلائل على مستوى العالم الذى تعجبنى رسومه، وأفتقد ريشته بشدة حيث إنه قرر أن يعمل فى علاج المرضى النفسيين بالرسم وقد نجح فى ذلك نجاحا عظيما.

بهجورى يضع القلم على الورقة ويرسم قالوا إن بيكاسو يفعل نفس الشىء.. كنت أتمنى أن يرى بيكاسو جورج لتسمعوا صرخته.. جورج لا يقلد أحدًا هو يعرف الطريق وكل ما يفعله هى ألاعيب للسخرية منا.

حوّل جورج البورتريه من عمل عادى إلى عالم من المتعة والبهجة.. كل الخطوط التى تراها هى الأحاسيس والمشاعر الداخلية التى حاول أن يخفيها الشخص المرسوم لكن خطوط بهجورى تفضح الجميع.

 

 

 

جورج هذا الطفل يتيم الأم الذى ولد بقرية صغيرة اسمها بهجورة بنجع حمادى.. كيف جاء إلى القاهرة وكيف انتصر.. وهل يمكن لصعيدى اعتاد العالم أن يسخر منه..أن يسخر هو من العالم وينتصر للصعيد...إنها أعجوبة الأعاجيب!

قدمه الأستاذ بيكار للفنان الكبير صاروخان.. الذى قدمه بدوره للمخرج الفنى أبو العينين الذى ساعده ليكون أحد نجوم صباح الخير.

ذهبت إليه مرة وكان أمامه حامل رسم عتيق وبالتة ألوان بالية.. نظر إليهم وقال عندما توفى عبد الغنى أبوالعنين جاءت زوجته وأهدتنى هذه المقتنيات ثم قال بصوت حزين.. إذا وقفت أمام لوحة وشعرت أن هناك مشكلة فنية ما أو غاب عنى الوحى..اذهب إلى بالتة أبو العنين وأغمس فرشاتى ليعود الوحى وتنتهى مشاكل اللوحة.. ذهب أبو العنين لكن روحه مازالت معى.

بهجورى يصدق فى هذا الأمر... سوف نرحل جميعا وتبقى أرواحنا وهو يريد لنفسه أن تكون روحه فى شكل طائر ليرى مصر والأحباب وليحلق دائما فى السماء يستمتع بالبراح.

 

 

 

من أين يأتى جورج بأفكار الكاريكاتير.. يجيب دائما من الناس.. أعيش وسطهم فى شارع معروف أنا أعرف كل أخبار العالم أسمعها من الناس من أصوات الراديو والتلفزيون.. من المعجبين بفنى.. من عمال القهوة.. ثم أعود إلى مرسمى وأحولها إلى كاريكاتير.

فى إحدى المرات ركب جورج القصير جدا مع سائق تاكسى أخذ يتفحص فى وجهه وقال له تبدو نجما معروفا من تكون؟ أجاب جورج أنا مصطفى حسين رسام أخبار اليوم.

فقال له السائق..لقد شاهدتك فى التلفزيون لكنك كنت طويلًا جدا.

فأجاب جورج ضاحكا: الناس فى التلفزيون بتبان أطول.

يقول جورج: فى صباح أحد الأيام كنت على القهوة أرسم وفجأة ظهر لى ماسح أحذية كأنه جاء من معبد فرعونى فطلبت منه أن يجلس أمامى ويمسح الحذاء ورسمته أكثر من اسكتش ودفعت له 10 جنيهات.. وعندما صعدت إلى الأتيليه شعرت أننى أريد أن أرسمه فى لوحة كبيرة بالإكريلك.. قبل أن انتهى من اللوحة زارنى أحد رجال الأعمال وأصر أن يشترى اللوحة ودفع لى مبلغا كبيرًا.. أخذت المبلغ ونزلت مرة أخرى على القهوة وناديت ماسح الأحذية وطلبت منه أن يمسح الحذاء مرة أخرى.. تصور الرجل أننى مجنون.. وصدق تصوره عندما أعطيت له فى المرة الثانية 100 جنيه.

عاش بهجورى فى فرنسا لكنه يعترف أن النجاح الحقيقى كان فى مصر وأن العالمية الحقيقية تحققت هنا وأن مشاعر العظمة يشعر بها وهو يتحرك فى شارع معروف، يقول أذهب إلى فرنسا كل عام لتنشيط دورتى الفنية إنما الإبداع الحقيقى يأتى فى مصر. 

 

 

 

عن علاقته بأم كلثوم يروى فى مجلة صباح الخير «قالوا لى إن عبد الوهاب على التليفون ولم أصدق وأهنت المتصل الذى كرر الاتصال أكثر من مرة، حتى اكتشفت أنه بالفعل عبد الوهاب، واعتذرت له فلقد كان يتصل ليبلغنى أن الست أم كلثوم غاضبة بسبب كاريكاتير رسمه يسخر منها وأن على أن أعتذر», لكن بهجورى العنيد لم يعتذر ولم يرسمها بالطريقة التى تعجبها.

ويقول: كنت «عنيد وحمار» يمكن علشان كده أنا رسمتها أكثر من 1000 مرة ربما تكون كل لوحة هى كلمة اعتذار لكوكب الشرق.

 

 

 

عن علاقته بصلاح جاهين «يقول بصدق وتأثر: كنت أغار من نجاح جاهين.. جاء إلى مجلة صباح الخير كان أستاذا فى كتابة التعليق لكنه كان فى حاجة إلى تعديل خطوطه.. كنت أرسم فى ثوانٍ وأضع التعليق فى ساعة وهو يكتب التعليق فى ثوانٍ ويرسم الكاريكاتير فى ساعة.. أنا ساعدته فى تطوير خطوطه.. لكنى أبدًا لم أستطع أن أكتب بالونة تشبه جمال بالونة وتعليق جاهين.

ويضيف: كنا نذهب إلى السينما فيظهر جاهين كاتبا للسيناريو أو ممثلا أو منتجا أو فى الراديو ضيفا فى البرامج أو كاتبا للأغانى أو نفتح التليفزيون فنجده يؤلف الفوازير.. أحيانًا كنت أفتح الثلاجة وأنا خائف أن يظهر لى جاهين..لقد كان طوفانا ونجاحه باهر.

«يصمت» مات مبكرا وأنا أنعيه كل سنة فى نفس الموعد.. وأعطانى الله طول العمر ونفس الشهرة.. كنت مستعجل أوى وأنا أنظر لنجاحه..أنا الآن فهمت سر النجاح السريع وعمره القصير...لقد تعادلنا.. وأنا أرى أنه أحد كنوز مصر.

سمعته مرة يتحدث إلى أحد الأصدقاء ويقول سوف أدخل الجنة.. وعندما سألناه.. ماذا فعلت من خير.. كان يقول حملت قلمى وأدواتى ورسمت كل من قابلتهم فى الحياة رسمت البسمة على وجوه آلاف البشر.. وأعتقد أن الله سوف يرسم البسمة على وجهى ويدخلنى الجنة.