الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

حجازي.. محمد أبوسويلم الكاريكاتير!

حجازى
حجازى

أهدى رسام الكاريكاتير الفنان سمير عبدالغني، إلى مجلة «صباح الخير» حلقاته المميزة عن جيل الأساتذة من رسامى الكاريكاتير، قبل أن يجمعها فى كتاب يوثق خلاله رحلة هؤلاء مع أحد أهم فنون الصحافة من خلال حكايات وذكريات، عاشها معهم، وصاحبهم خلالها على مدار سنوات عديدة، حرص على توثيقها لتقديمها إلى محبى فن الضحكة والبسمة، وللأجيال الجديدة التى لم يسعدها الحظ أن تتابع رسومات هؤلاء الفنانين فى زمانهم.



 

لا أعرف على وجه التحدید متى بدأت علاقتى بالفنان الكبير حجازى؟!.. هل كانت مع مجلة سـمير، حيث «تنابلة السلطان ».. بهلول، وتنبول، وشملول.. منتهی الظرف وخفة الدم؟

كانت علاقتی بالشخصيات التى أبدعها، لكنى لم أكن أعرف اسمه..

حتی سألنی الفنان زهدى العدوی «شيخ رسامی الكاريكاتير» فی إحدى مرات زیارتى له فى شقته بشارع شريـف، وكانت غرفة وصالة وسطوح يسع كل الرسامين والأدباء المبدعين، الحالمين بتغير العالم.. مين بيعجبك من الرسامين؟

 

وأخذت أحدثه عن عبقرية مصطفی حسين، وألمعية چاهین، وآخرين لا أذكرهم الآن، ولم يكن بينهم حجازى.. فإذا به يفاجئنى: إنت نسيت أهم واحد فيهم.. فسألته: مين؟ فقال: حجازی.. ده «الماستر» أستاذ الأساتذة.. المادة الخام اللى بتصنع الضحك والسخرية والفكاهة والمفارقة.. حجازی يا ابنى هو الرسام الوحيد اللى تقدر تقول عليه (بتاعنا).

قال: كل رسام من الجامدين اللى عندنا فيه حد شبهه بره مصر.. حتى أنا اتأثرت برسام إنجلیزی، قعد سنـين طويلة لابسنى زى العفريت، مش عارف أطلع منه.. لكن حجازی ده بتاعنا.. دی وشوش جايبها من طين مصر.. ملامح مش بتكدب.. مكدودة وتعبانة وعایشة مقهورة.. فيها ذكاءنا وخبثنا.. طيبتنا وضعفنا. وقـوتنا المكبـوتة زى البخار المكتـوم، فى انتظار لحظة الفوران.

 

 

 

أضاف زهدى: حجازی ده عامل زى النجار البلدى، وصانع السجاد، وبتوع الفضة فى خان الخليلی.. زى الخطاط العربى فى كل الحاجات اللى لازم يعملها صنایعی شاطر، بروحه ودمه.. بالإضافة إلى موهبة من عند ربنا، تخليه يوصل للهدف من أقصر الطرق.. داهية فى الرسم.. مـش ممكن تمسك حاجة عليه.. زى الفلاح الفصيح، لكن أهم حاجة فى رسم حجازی لسان حالنا، مش بتاع السلطة، ومالوش مصلحة.. عایش يرسم علشان الدنيا الوحشة دى تبقى أجمل.

بدأت أعيد قراءة أعمال حجازى لدرجة أننى اشتريت كل أعداد صباح الخير وروزاليوسف من شارع النبى دانيال «فى الإسكندرية».. بدأت طريقى نحو المعرفة.

 بالصدفة وجدت تليفونه فى كتاب للفنان محيى الدين اللباد عن حقوق الإنسان…اتصـلت بـه وقلت له: أستاذنا العزيز.. لقد أعجبنی كاريكاتير نشرته صباح الخير عام 1958 وحكيت له شكل الرسم والتعليق ومدى إعجابى، فلم يضحك.

 

 

 

فسألته: مش بتضحك ليه.. ده أنا مت عليها من الضحك.

فرد: ما هو ده اللى مزعلنى.. أنت ضحكت لأن المشكلة لسه ما تحلتش..

أنا يا سمير برسم علشان الدنيا تتغير مش علشان الناس تضحك!

 

 

 

وبدأ أول درس فـى طريق الغواية.

كنت أرسل إليه رسومـاتى عن طريق البريد، وكان يناقشنى فيها أحيانًا

ملحوظة: حجازى لا يتكلم فى التليفون وهـو يعمل، أو فى حالة (اكتئاب من العالم).

فى إحدى المرات قال لی، بعدما سمع صوتى فى التليفون: أنا زهقت منك.

فقلت له: يعنى مـا أتصلش تانى.. فرد: لا.. براحتك، لكنی عاوز أشـوفك.. تعالی مصر حاعزمـك على شای، فقلت لـه: شاى وكيك.

 

 

 

أجمل شىء فى الدنيا أن حجازى يقدم لك شاى وكيك اشتراه مخصوص.

فى بيته البسيط الجميل بالمنيل كان الدرس الثانى.. خطوطك عايزة شغل خصوصا الأطراف.

فقلت له: يا أستاذ يا ريت بإيدك الجميلة تصلح الرسم فرد:.. لأ بإيدك الجميلة أنت اللى هتصلح.. لأن اللى هعمله دلوقت مش هيعجبك بعد شويه..

إزای يا أستاذ الواحد يبقى له أسلوب؟!

قال لى: حتة من هنا، وحتة من هناك.. وعين بتشوف وتراقب ودماغ مليانة حاجات كتير.. أدب وفلسفة، وأحلام وأوجاع بشر، ووعی فطری من عند ربنا تحافظ عليه ومشاهدات لا تنتهى لرسامين آخرين.. حيبقى لك أسلوب، وكان الدرس الثالث.

إزای يا أستاذ الواحد يبقى رسام كاریكاتیر كويس؟!

فرد: لما يلاقی شغلانة تانية!

یعنى إيه؟ مش فاهم!

 

 

 

یعنی محدش ياكل عيش من رأيه، لأنه هیـیـجی وقت حد يرفض ينشر رأيك، تعمل إيه؟ تتنازل.. وتنحنى، وتنثنى، ولا يكون لك شغل تانی تاكل مـنه عيش.. أنا شخصيًا بارسم للأطفال، وبادرب نفسى على الحياة الصعبة.. ساعات أعيش أسبوع كامل آكل فول نابت.. بتحب النابت؟

وضحكت. لقد تـسرب حجازى إلى روحى.. أصبحت أعشق حجازی..

طريقته فى الرسم والتفكير، وحضوره الطاغى فى رسومه التی تشبهنا.

قال لى أحد الرسامين: الفرق بین رسمنا ورسم حجازى إن رسمنا عامل زى الطبيخ.. ريحته تطلع لو قعد تلات تیام بره التلاجة، إنما رسم حجازی عامل زى الجبنة القديمة.. يعيش فى «البلاص» ميت سنة، ويفضل أطعم أكل فى الدنيا. حجازى هو مدرسة البساطة المدهشة..هو محمد أبو سويـلم بتـاع الكاريكاتير.