طائرات التجسس ..الخطر القادم

محمد حمدي القوصي وريشة احمد جعيصة
رغم تحذير الجهات السيادية من دخول الطائرات صغيرة الحجم والمزودة بكاميرات تصوير وجهاز تحكم عن بُعد، وإرسال نشرات دورية للقائمين على المطارات والمنافذ الحدودية بحظر هذه الطائرات الموجهة لاسلكيا كاملة أو مفككة أو قطع غيار، لا تزال هذه النوعية من الطائرات وغيرها من الأقلام والساعات والنظارات المزودة بكاميرات عالية الجودة يتم تهريبها وبيعها بلا رقابة فى محال لعب الأطفال الشهيرة رغم خطورتها على الأمن القومى.
وكشفت إحصائية حديثة شملت الفترة منذ بداية يناير الماضى حتى مايو الجارى (خمسة أشهر) عن ضبط 35 طائرة تجسس محظور حيازتها، أى بمعدل سبع طائرات كل شهر، فضلا عن ضبط أجهزة الكترونية فى شكل أقلام وساعات مزودة بكاميرات محظور دخولها البلاد، خاصة أنها باستطاعتها التصوير بالصوت والصورة أكثر من 6 ساعات متواصلة إلى جانب التحول إلى كاميرا رقمية لالتقاط الصور الفوتوغرافية ومزود بمنفذ «USB» للاتصال مع الكمبيوتر وتفريغ البيانات الموجودة عليه.
«صباح الخير».. اخترقت الحظر الذى يفرضه أحد المحال الشهيرة المتخصصة فى بيع لعب الأطفال بمنطقة الدقى على الطائرات المزودة بكاميرات عالية الجودة والموجودة بالطابق الثانى من المحل والتى لا يتم بيعها لأى زبون، وتعرفت على أسعارها وإمكانياتها واستخداماتها وغيرها من الأسرار من خلال هذا التحقيق الذى يدق ناقوس الخطر من عواقب انتشار هذه الأجهزة فى البلاد.
لا يخفى على أحد حالة الانفلات الأمنى التى صاحبت قيام ثورة 25 يناير وساهمت - للأسف الشديد - فى تهريب كل ما يمثل تهديدا لأمن البلاد واستقرارها بداية من السلاح بأنواعه والمواد المخدرة والأقلام والنظارات المزودة بكاميرات وانتهاء بتليفونات «الثريا» صعبة التتبع لاتصالها المباشر بالأقمار الصناعية، وسرعان ما بدأت عمليات التهريب تأخذ شكلا آخر أكثر تطورا بتهريب الطائرات المزودة بكاميرات تصوير والتى كانت حديث الساعة وقت استخدامها لتصوير اعتصام «رابعة العدوية».
ومنذ تلك الواقعة، لا تزال عمليات تهريب هذه النوعية من الطائرات صغيرة الحجم مستمرة حتى إن مطار القاهرة يحبط بين الحين والآخر محاولات دخول هذه الطائرات على أنها ألعاب أطفال.
فى البداية، توجهت إلى الطابق الثانى بمحل لعب الأطفال الشهير، واستقبلنى «محمد» أحد مندوبى البيع بالمحل قائلا: «أى خدمة؟»، فقلت: «أريد شراء طائرة هليوكوبتر صغيرة الحجم لابن أخى بمناسبة عيد ميلاده»، فعرض علىّ عددا كبيرا من الطائرات لكننى طلبت تلك الطائرات المزودة بكاميرا وريموت كونترول للتحكم عن بُعد، فعاد يسألنى مجددا: «كم عُمر ابن أخيك؟»، فقلت: «21 عاما»، فقال: «الطائرات التى عرضتها عليك تصلح له تماما»، وأمام إصرارى على طلبى توقف لبرهة ونظر لى متفحصا ثم كشف لى عن طائرتين، الأولى للبيع مزودة بكاميرا، والأخرى مباعة ومزودة بكاميرا وشاشة لمتابعة ما يتم تصويره بها، وقد كان يخفيها خلف الطائرة الأولى.
سألته عن أسعار وإمكانيات هذه النوعية من الطائرات، فقال: «هناك طائرة من نوعية «SilverLit» الألمانية الصنع والتى يبلغ سعرها 90.749 جنيه، ومزودة بكاميرا تستطيع التصوير لمدة ربع ساعة، ويمكن إضافة كارت ميمورى
«Micro SD Card» إليها بحجم 2 جيجا بايت، ووصلة «USB» لتفريغ محتوى ما تم تصويره بالكاميرا كما يمكن للطائرة التحليق لارتفاع يصل إلى 10 أمتار.
وأضاف أن هناك طائرة أخرى من نوعية «SilverLit» أيضا ويبلغ سعرها 1350 جنيها، ومزودة بنفس الإمكانيات السابقة بالإضافة إلى شاشة «Monitor» لمتابعة ما يتم تصويره بها، لافتا الانتباه إلى أن هذه الطائرات كانت محظورة منذ ظهورها فى ميدان «رابعة العدوية» إلا أنها تباع الآن بدون أى مشاكل أو معوقات.
بعدها طلبت من البائع أن التقط بعض الصور للطائرتين بهدف إرسالها لأخى الذى يقيم فى جنوب البلاد ليتمكن من اختيار الأفضل من بينهما، وبعد التقاط الصور انصرفت من المكان.
عمليات تهريب ممنهجة
وعلق رئيس الإدارة المركزية لجمارك القاهرة أحمد حسن بقوله: إن خطورة مثل هذه النوعية من الطائرات التى تصل على أنها «لعب أطفال» فى أن حجمها صغير، وتحلق على مسافات منخفضة، ومدة طيرانها تصل إلى ثلاث ساعات، ومزودة بكاميرات دقيقة وعالية الجودة موضوعة أسفلها، وملحق بها جهاز تحكم عن بُعد ومزودة بـ «USB» وكارت ذاكرة «Memory » لحفظ ما يتم تصويره، وهو ما يعتبر خطرا على الأمن القومى لأنها تستطيع تصوير أى أهداف عسكرية أو منشآت حيوية مثل المطارات وأقسام الشرطة والمحاكم.
وأضاف حسن أن هناك عمليات رصد دقيقة من قِبَل رجال جمارك المطار بالتعاون مع الأمن لجميع الركاب خاصة القادمين من ليبيا وتركيا وقطر والصين، مشيرا إلى أن الراكب الذى يتم ضبطه وبحوزته هذه النوعية من الأجهزة الممنوع دخولها البلاد يتم إحالته لإحدى الأجهزة السيادية للتحقيق وفحص الأجهزة واتخاذ الإجراءات اللازمة.
وأوضح رئيس الإدارة المركزية لجمارك القاهرة أن الإحصاءات الأخيرة لمطار القاهرة الدولى تكشف عن محاولات عديدة لتهريب طائرات تجسس مزودة بكاميرات وجهاز تحكم عن بُعد لاستخدامها فى أغراض التجسس وأغراض أخرى شديدة الخطورة، مبينا أنه غالبا ما يتم التهريب داخل جيوب سحرية بالحقائب أو داخل حاويات لعب أطفال لتضليل رجال الجمارك.
فيما أفاد مدير مباحث مطار القاهرة اللواء يسرى عبدالعزيز أنه تم رصد عمليات تهريب ممنهجة لهذه النوعية من الأجهزة خاصة من دول معينة انتهجت مؤخرا سياسات معادية لمصر، مشددا على أن هناك تعليمات واضحة لأمن مطار القاهرة الدولى والجهات المعاونة بالتركيز على الركاب القادمين من هذه الدول مثل تركيا وقطر، بالإضافة إلى الركاب القادمين من سوريا ولبنان.
رقابة غير مشددة
من جهته، استغرب الخبير الأمنى اللواء محمد عبدالفتاح من أن انتشار الطائرات الهليكوبتر صغيرة الحجم والمزودة بكاميرا عالية الدقة رغم حظرها، فهى تباع علناً فى محال لعب الأطفال دون رقابة مشددة.
ولفت الانتباه إلى أن الفترة الماضية شهدت ضبط حاوية بداخلها «مسدسات» دخلت مصر عن طريق تركيا على أنها لعب أطفال بينما تتحول بمجرد دخولها البلاد إلى سلاح حقيقى.
وحذر عبدالفتاح من خطورة تهريب هذه النوعية من الأجهزة التى يتم بيعها على أنها لعب أطفال بينما يمكن استخدامها فى أغراض التجسس على المطارات والقواعد العسكرية وغيرهما، مما يمثل خطرا كبيرا على الأمن القومى.
وأوضح أن خطورة هذه الأجهزة على الأمن القومى تكمن فى إمكانية قيامها بجمع معلومات أو صور لأماكن محظور الاقتراب منها أو تصويرها بما يمكن أن تستفيد بها أى دولة أخرى معادية لمصر.
وفسر الخبير الأمنى سبب انتشار هذه النوعية من الأجهزة فى الآونة الأخيرة بقوله: «إننا فى عصر المعلومات التى يُدفع لأجل الحصول عليها أموال طائلة، وربما لقطة واحدة بكاميرا فيديو قد لا تستغرق ثوانى معدودة لكنها مهمة قد تتسبب فى أزمة دبلوماسية بين دولتين، على سبيل المثال لا الحصر».
محصلة الانفلات الأمنى
من جانبه، رأى الخبير العسكرى اللواء مختار قنديل: أن «ما يحدث الآن هو محصلة للانفلات الأمنى والأخلاقى»، منبها إلى أن هناك هجمة جاسوسية على مصر لكن ليس كالسابق على أسرار أو منشآت عسكرية لكنه تجسس على الناس والشعب نفسه، فهم يريدون معرفة «ماذا يقولون؟»، و«ماذا يفعلون؟»، و«ماذا يدور فى الغرف المغلقة؟».
وأضاف: إن الفترة التى نعيشها الآن هى فترة ميوعة تستغلها الأجهزة الأجنبية الموجودة فى مصر لمعرفة رأى الشارع المصرى فى الأحداث الجارية: هل هم ضد الإخوان؟، وهل ضد التيار الإسلامى.. أم معه؟.. وهل ضد الجيش أم معه؟.. وأيضا الداخلية؟، وما رأى المصريين فى الأحداث التى تحدث فى سوريا، فمصر دولة كبيرة ويهمهم رأيها.
واعتبر الخبير العسكرى أن من يضع هذه الأجهزة مثل الذى يضع السم فى العسل، فيدخلها على أنها لعب أطفال لا تلفت النظر ثم يضع فيها كاميرات للتجسس، فالموساد موجود وله طرقه فى التجسس لكن المخابرات سواء كانت العامة أو الحربية قوية ومستيقظة وتراقبهم وتلقى القبض عليهم، والموضوع كله مرتبط باستقرار الدولة.
ونوه الخبير العسكرى بأن هذه الطائرات المزودة بالكاميرات يحاول البعض إدخالها البلاد فى إطار عمليات البيزنس والتجسس كما يمكن استعمالها كطائرات مفخخة، ونفس الأمر بالنسبة للغواصة التى تم ضبطها مؤخرا، وبالتالى لابد أن يتم البحث والتحرى عنها وعن مستوردها «هل هو مستوردها للاستخدام السياحى أم من الممكن استخدامها للتفجير؟»، مشددا على ضرورة توعية رجال الجمارك بمدى تأثير وإمكانيات مثل هذه الأجهزة حتى يعوا جيدا أثناء التفتيش مدى خطورتها على الأمن القومى.
الأجهزة المحظورة
وأوضح مسئول الإعلام الأمنى بوزارة الداخلية العميد أيمن حلمى أنه صدر قرار من الحاكم العسكرى بمنع استيراد وتداول مثل هذه الطائرات من أى منفذ من أى منافذ دخول البلاد سواء من مطار القاهرة أو الحدود أو الموانئ لخطورتها على الأمن القومى، مبينا أن أغلب هذه النوعية من الأجهزة المحظورة يتم ضبطتها داخل «لوطات» وتقوم الأجهزة الرقابية بوزارة الداخلية بمنعها ومصادرتها.
وأضاف: هناك حالة من الجهل لدى بعض المواطنين الذين يجلبون مثل هذه الطائرات كألعاب لأطفالهم دون أن يعلموا خطورة ما تحويه من إمكانيات حديثة محظورة داخل البلاد، منوها بأن الطائرات التى تم التحفظ عليها حتى الآن ليست بالكميات الكبيرة، مجرد طائرة أو اثنتين أو ثلاث على الأكثر، وبالتالى لسنا بصدد ظاهرة خطيرة.
وأوضح حلمى: الطائرات الموجودة فى بعض محال بيع لعب الأطفال عبارة عن «لوطات» يتم الكشف عليها من مصلحة الأمن العام والجهات الرقابية.
ولفت الانتباه إلى أن أجهزة وزارة الداخلية تقوم بحملات مستمرة على الأماكن التى تقوم ببيع مثل هذه الأجهزة المحظورة، وفى حال العثور عليها يتم التحفظ عليها ومصادرتها.
وخلص إلى القول: إن الممنوع دائما مرغوب مما يدفع البعض إلى شراء هذه النوعية من الأجهزة المحظورة التى يتم حجزها فى الجمارك بمجرد دخولها إلى البلاد، مبينا أن الحد من انتشار هذه النوعية من الأجهزة المحظورة يكمن فى تشديد الرقابة على منافذ دخولها، إضافة إلى تشديد الحملات الأمنية على الأماكن التى يتم تداولها أو بيعها فيها.