السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

تنويع مصادر السلاح.. درس فى الإرادة وفن الإدارة

ســــيد جيـــــوش الشـــــــرق

جيش مصر جاهز
جيش مصر جاهز

لطالما كانت صفقات التسليح فى المنطقة العربية عنوانًا بارزًا لاتجاهات السياسة، وطبيعة العلاقة بين دول المنطقة وبين القوى الكبرى فى العالم التى كانت تحتكر صناعة وتصدير السلاح، حتى جاءت لحظة مهمة فى تاريخ المصريين وعلامة فارقة فى مسيرتهم، ليس فقط الداخلية، وإنما أيضًا فى رسم ملامح علاقتهم بالعالم.. هذه اللحظة هى ثورة 30 يونيو 2013.



 

 

 

وفى تحقيقها لشعار استقلال القرار الوطنى على كل المستويات، فمصر 30 يونيو دولة تدير علاقاتها مع العالم على أساس من الرغبة فى السلام والاحترام المتبادل، وتدير تلك العلاقات بما يحقق مصلحة الشعب المصرى فى المقام الأول، وهى كذلك دولة لا تخضع لابتزاز، ولا تستكين لضغوط، وتمد يدها لكل صديق يبادلها الاحترام وتحقيق المصالح المشتركة، لكنها تستطيع فى الوقت ذاته أن تقطع كل يد تمتد نحوها بغير ذلك.

من هنا جاء قرار دولة 30 يونيو بتطوير قدرات القوات المسلحة تطويرًا شاملاً، وتحديث منظومة التسليح لتتوافق مع الأدوار المتنامية للمؤسسة العسكرية فى حماية أرواح ومقدرات المصريين برًا وبحرًا وجوًا، وبخاصة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، وتطهير الأراضى المصرية من أى وجود للجماعات التكفيرية، إضافة إلى حماية المصالح المصرية بعيدة المدى، خاصة فى المناطق البحرية مع توالى اكتشافات الغاز العملاقة فى مياه البحر المتوسط، وارتفاع وتيرة التهديدات على أكثر من محور استراتيجى.

 

محمد نجيب.. قدرات عالية للجيش المصرى
محمد نجيب.. قدرات عالية للجيش المصرى

 

وتطلب الوفاء بكل تلك الواجبات، الارتقاء بقدرات القوات المسلحة كما ونوعا على مختلف الأصعدة، وكان قرار تنويع مصادر التسليح فى مقدمة القرارات الجريئة التى أسهمت فى إحداث طفرة فى التصنيفات الدولية لقدرات الجيش المصرى، وتصدرت مصر قائمة الدول الأقوى عسكريًا فى المنطقة، متفوقة على دول أخرى تحظى بحماية ورعاية غربية وأخرى بإمدادات شرقية، ليكون الجيش المصرى وعن جدارة واستحقاق «سيد جيوش الشرق» بلا منازع.

ومنذ ثورة 30 يونيو عملت مصر على تنويع مصادر السلاح، حتى لا تقع تحت رحمة أى دولة، وتحقيقا لهدف استراتيجى أثبت فعاليته، وهو الارتقاء بقدرات الجيش فى مختلف القطاعات، واتخذت القيادة السياسية والعسكرية فى سبيل تحقيق ذلك تدابير جذرية لموازنة الاعتماد على المعدات العسكرية الأمريكية، وبنهاية 2014 بدأت مصر التفاوض على شراء طائرات مقاتلة روسية.

وبحلول عام 2015، أبرمت مصر صفقة مع فرنسا لشراء طائرات مقاتلة من طراز «رافال» وفرقاطة فرنسية متعدّدة المهام «فريم»، وكانت القشة الأخيرة التى قصمت ظهر البعير بالنسبة إلى المسئولين الأمريكيين الصفقة التى أبرمتها مصر بشأن مقاتلات «سو-35» مع روسيا فى أكتوبر 2018، وربما كانت تلك الصفقة الاستراتيجية الحيوية لتعزيز القدرات القتالية المصرية سببًا فى تغير المقاربة الأمريكية فى التعامل مع القاهرة، فقد أدركت أن دولة 30 يونيو تختلف عن سابقاتها، وأنها ماضية فى سبيل تعزيز قدراتها الشاملة على مختلف الأصعدة إلى أبعد مدى، ومن ثم تراجعت واشنطن عن قرار تجميد إمدادات الأسلحة إلى مصر، واتخذت فى ذلك العام قرارًا باستئناف النقل العادى للمعدات العسكرية إلى مصر، إلا أن ذلك أيضًا لم يكن سببا لتتراجع القاهرة عن نهجها فى تنويع مصادر التسليح، فضلاً عن تطوير قدراتها الوطنية فى توفير احتياجات القوات المسلحة.

 

أعلى منظومات الصواريخ والرادارات
أعلى منظومات الصواريخ والرادارات

 

صفقات متنوعة

ويمكن ملاحظة التحول الملموس فى هذا الصدد من خلال بيانات معهد استوكهولم الدولى لأبحاث السلام، والتى تشير إلى أنه منذ عام 2009 وحتى عام 2014 شكلت مبيعات الولايات المتحدة من واردات الأسلحة المصرية نسبة 47 %، إلا أن تلك النسبة تراجعت بصورة حادة إلى 14 % فقط فى الفترة من 2015- 2020، فى مقابل زيادة واضحة للأسلحة الواردة من عدة دول صديقة، فى مقدمتها فرنسا وروسيا وألمانيا وإيطاليا.

وقد تمكنت مصر من عقد صفقات كبرى مع روسيا مثل حصولها على مقاتلات «ميج- 29» النسخة الحديثة، ومروحيات «كا- 52» المشهورة بالتمساح، ومروحيات «مى- 24» الهجومية، بالإضافة إلى طائرات «إيل- 76» العملاقة، ومنظومات الدفاع الجوى «إس- 300» و«بوك إم2» و«تور إم2»، بالإضافة إلى الحديث عن حصولها على منظومات «باستيون» الساحلية.

كما تمكنت مصر من عقد صفقات غير مسبوقة مع فرنسا، شملت مقاتلات «رافال» الفرنسية المنافسة لمقاتلات «إف-35» الأمريكية، وفرقاطات «جوويند»، وحاملات المروحيات الأولى فى تاريخ مصر وهى «ميسترال»، ولولا العلاقات القوية بين مصر وروسيا وفرنسا لما تم ذلك.

وبالتعاون مع ألمانيا، تمكنت مصر من الحصول على غواصات «تايب» الألمانية ذات القدرات الفريدة، التى مثلت نقلة نوعية كبيرة فى القوات البحرية المصرية، التى تقوم مصر حاليًا بتطويرها ومدها بأحدث الأسلحة لتأمين المنطقة الاقتصادية المصرية والبحرين الأحمر والمتوسط، مع تنامى التهديدات المختلفة من جميع الاتجاهات الاستراتيجية.

كما شمل التعاون العسكرى مع الجانب الألمانى أيضًا، الحصول على اللنشات السريعة والقوارب «الزودياك - الرفال» الخاصة بنقل الضفادع البشرية، وكثير من الاحتياجات الفنية والإدارية والتكنولوجية الحديثة والمتطورة، وهو الأمر الذى أتاح تشكيل أسطولين بحريين قويين فى كل من البحرين الأبيض والأحمر.

كما وقعت مصر صفقة بالغة الأهمية مع إيطاليا، تتضمن 4 فرقاطات طراز فريم سيتم بناؤها خصيصًا لمصر، و20 سفينة مهام متعددة ساحلية ونقل التقنية للبناء محليا بالترسانة البحرية المصرية.. ووفقًا للعقد سيتم إمداد الجيش المصرى بـ24 مقاتلة يوروفايتر تايفون متعددة المهام، و24 طائرة إيرماكى إم- 346 للقتال الخفيف والتدريب المتقدم، بالإضافة إلى قمر صناعى للاستطلاع والتصوير الرادارى.

كما تم تزويد مصر بفرقاطتين من الجانب الإيطالى من طراز «فریم بيرجامینی» هما «الجلالة» و«برنيس»، بالإضافة لتدبير عدد من لنشات الصواريخ المتطورة، ولنش صواريخ «أحمد فاضل» من طراز «مولينيا»، وعدد آخر من السفن القتالية من كوريا الجنوبية.

كما أن الصفقات التى تم تسليح القوات البحرية بها، خلال الـ 8 سنوات الماضية، ساهمت بشكل مباشر فى رفع القدرات القتالية للقوات البحرية، والقدرة على العمل فى المياه العميقة، والاستعداد لتنفيذ المهام بقدرة قتالية عالية فى أقل وقت، مما يساهم فى دعم الأمن القومى للبلاد فى ظل التهديدات المحيطة بالدولة حاليًا، فالقوات البحرية تقوم بتأمين مصادر الثروات القومية بأعالى البحار، مثل حقول الغاز والبترول فى البحر المتوسط.

وراعت خطط التسليح أن يتم تدبير عدد كبير من الرادارات مختلفة الطرازات، والتى تؤمن التغطية الرادارية للأجواء المصرية على مختلف الارتفاعات، كما راعت تدبير عدد من كتائب الصواريخ من طراز بوك / تور إم، وأعداد كبيرة من فصائل الصواريخ المحمولة على الكتف من طراز ايجلا إس، وذلك لزيادة قدرة الاشتباك مع الأهداف الجوية على الارتفاعات المختلفة.

كما تم تدبير منظومات كهروبصرية حديثة لزيادة قدرة الدفاع الجوى على اكتشاف الأهداف وسرعة التعامل معها، فضلًا عن تطوير منظومات التأمين الفنى للصواريخ والرادارات والمعدات الفنية.

سيطرة كاملة على البحر
سيطرة كاملة على البحر

 

 

واشتمل التطوير كذلك على تحديث ورفع كفاءة عدد من مراكز القيادة الخاصة بالدفاع الجوى وفق منظومات آلية القيادة والسيطرة، ويعد ذلك التطوير والتحديث فى قدرات الدفاع الجوى طفرة كبيرة تزيد من كفاءته وقدرته على حماية سماء مصر وفرض السيطرة على أجوائها بالتعاون مع القوات الجوية وعناصر الحرب الإلكترونية ومن قواعد ثابتة وعناصر متحركة تكفل التغطية الكاملة لسماء مصر.

قرار صعب 

وإذا كان من المؤكد أن قرار تنويع مصادر السلاح لم يكن سهلاً على المستوى السياسى والاستراتيجى، فإنه لم يكن أيضًا أمرًا ميسورًا كذلك على المستوى الفنى، فاستيعاب أسلحة من مصادر متنوعة يتطلب قدرات تخطيطية وإدارية وتقنية متميزة، تستطيع توظيف تلك الأسلحة متنوعة المصادر واستخدامها بكفاءة وقدرة قتالية كبيرة، وهى مسألة ليست بالهينة، وتحتاج إدارة بالغة الدقة، لا تتوافر إلا فى عدد محدود من جيوش العالم، من بينها الجيش المصرى.

ولم يكن امتلاكنا لقوة ردع عسكرية قوية مع تنوع مصادرها، مسألة «إرادة» سياسية وحسب، لكن تبعتها كذلك «إدارة» فنية ومهنية بالغة الاحترافية تدرك حجم ما تمتلكه من إمكانيات داخلية، وفى مقدمتها كفاءات وقدرات بشرية وخبرات خاصة، فلكل سلاح أسلوب استخدام ووظائف محددة تمهد لاستخدامه بأقصى إمكانياته، فضلاً عن تنظيم عمليات إجراء الصيانة والتدريب والتنسيق مع بقية الأسلحة، وهو ما لا يتوافر إلا فى جيوش محدودة على مستوى العالم.

وقد نجحت مصر فى تحقيق الإدارة الفنية على أعلى مستوى ممكن من القيادة والسيطرة، بحيث يمكن تحقيق التوافق بين استخدامات الأسلحة متنوعة المصادر فى منظومة قتالية واحدة، وإدارة ذلك بطريقة مركزية تحقق أعلى درجات التنسيق والتوافق وتبادل المعلومات بين أسلحة يبدو ظاهريًا أن تحقيق التوافق والتنسيق بينها أمر شبه مستحيل، لكن المصريين فعلوها، وهو ما وضع ترتيب الجيش المصرى ضمن قائمة الجيوش الأقوى عالميًا، وفى صدراة جيوش الشرق الأوسط وأفريقيا، متقدمًا على جيوش مثل الجيش التركى والإسرائيلى والإيرانى، وهو ما دفع أكبر دول العالم وأقواها عسكريًا للسعى إلى إجراء تدريبات ومناورات عسكرية مشتركة مع قواتنا المسلحة، نتيجة ما بات معروفًا عن تلك القوات من كفاءة قتالية عالية وقدرة على استيعاب أحدث تكنولوجيات العصر فى المجال العسكرى وخاصة التسليح متنوع المصادر، وهو ما يوفر خبرة استثنائية، تليق بمؤسسة عسكرية عريقة، تقوم على حماية دولة تسير بقوة وثبات نحو بناء مستقبلها، وامتلاك أدوات القدرة الشاملة.