الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

كيف تطوَّر المشهد الإعلامى المصرى؟

تنظيم المشهد الإعلامى فى مصر
تنظيم المشهد الإعلامى فى مصر

على مدار عقود طويلة، ظلت منظومة الإعلام فى مصر «محلك سر» لا يوجد بها تنظيم وتسير بنظام «الدفع الذاتى» -إن جاز التعبير- غير أن التطورات الحقيقية حدثت بعد يونيو 2013 استجابة لمطالب المصريين الذين اشتكوا من الفوضى التى حدثت فى الإعلام فى الفترة بين يناير 2011 وحتى نهاية يونيو 2013، لذلك شهدت السنوات الثمانى الماضية تنظيمات لم يشهدها الإعلام المصرى فى الخمسين عامًا الأخيرة، لتحدث عملية واسعة ومنهجية لإعادة ترتيب المشهد الإعلامى، نظرًا لما أدركته الدولة من دوره المحورى فى التأثير على توجهات الرأى العام، وزيادة فاعلية خطط التنمية المستدامة.



 

هيئات تنظيم الإعلام

البداية من السنوات العشر الأولى من الألفية الثالثة التى شهدت فيها مصر تطورًا هائلًا على مستوى المشهد الإعلامى، حيث دخلت سوق الإعلام الخاص صحف وقنوات فضائية جديدة فتحت معها آفاقًا جديدة للتعبير، وتزايد معها بشكل متسارع دور الإعلام فى التأثير على الجمهور، لكن رغم تلك الأهمية المتزايدة لم تصدر قوانين تنظم العمل الإعلامى ككل، مما تسبب فى حدوث فوضى إعلامية تأججت وبلغت ذروتها بعد ثورة يناير 2011 وما تلاها من أحداث وانقسامات ونزاعات هددت السلم العام للدولة. لكن تغيرت الأوضاع بعد إقرار دستور 2014 بهيئات تنظيم الإعلام، ليمهد الطريق لنقطة الانطلاق الحقيقية التى جاءت مع إقرار مجلس النواب المصرى لقانون الهيئات الإعلامية الخاص بالتنظيم المؤسس للصحافة والإعلام رقم 92 لسنة 2016، واضعًا ثلاث هيئات تنظّم قطاع الإعلام وهى: المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والهيئة الوطنية للصحافة والهيئة الوطنية للإعلام، حيث يختص المجلس الأعلى بتنظيم شؤون الإعلام المسموع والمرئى والصحافة الورقية والرقمية، وتكون مسؤولة عن ضمان وحماية حرية الإعلام، بينما تدير الهيئة الوطنية للصحافة المؤسسات الصحفية المملوكة للدولة، وتدير الهيئة الوطنية للإعلام القنوات التليفزيونية والإذاعية العمومية.

وبعد أكثر من ثلاثة عقود من المطالبات بإنشاء نقابة مهنية للإعلاميين باءت جميعها بالرفض من قبل الأنظمة السياسية والحكومات والبرلمانات المتوالية، أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسى قانون 93 لسنة 2016 الخاص بإنشاء نقابة الإعلاميين، والذى أصدره فى 3 يناير 2017، باعتباره الحجر الأخير فى منظومة الصحافة والإعلام الجديدة التى أقرَّها الدستور المصرى لعام 2014، والتى قضت بحسب المواد (211،212،213) بإلغاء وزارة الإعلام والمجلس الأعلى للصحافة واتحاد الإذاعة والتليفزيون واستبدالها بمجموعة من المجالس والهيئات المستقلة، يأتى على رأسها المجلس الأعلى للإعلام ويتبعه هيئتان وطنيتان إحداهما للصحافة والأخرى للإعلام مع احتفاظ كلٍ منها باستقلاليته. 

كذلك أصدر البرلمان فى وقت لاحق قانون التنظيم المؤسسى للصحافة والإعلام والذى يشتمل على أهداف واختصاصات وصلاحيات كلٍ من المجلس والهيئتين، تبعها إصدار اللائحة التنفيذية الخاصة بالقانون لتفصيل الاختصاصات وفصل الصلاحيات بين المجلس والهيئتين وأى جهات يُمكن أن تلعب أدوارًا مشابهة بالمشهد الإعلامى، ليكون تأسيس نقابة الإعلاميين خطوة مهمة لمستقبل المهنة ككل، حتى لا تصبح مهنة من لا مهنة له، ولتقف بجوار نقابات الصحفيين والسينمائيين وغيرهما من أجل تنظيم المشهد الإبداعى بشكل عام.

السيطرة على الشائعات

وفى ظل الانتشار الكبير لمواقع التواصل الاجتماعى، التى تعد بيئة خصبة للغاية لإطلاق الشائعات، كان لابد للدولة من التصدى لهذا السيل من الأخبار الكاذبة، لا سيما تلك التى تستهدف تكدير السلم العام، وهو ما يتضح جهود الدولة فى مواجهته من خلال التقارير السريعة اليومية والأسبوعية التى ينشرها مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، للرد على الأكاذيب وتفنيدها وعرض الحقائق الكاملة أمام المواطنين.

وبالعودة لنقطة انتشار مواقع التواصل الاجتماعى كان لا بد فى الجمهورية الجديدة من مواكبة تطوير سبل الوصول للمواطنين، لا سيما فئات الشباب، وبالتالى زاد الاهتمام بإنشاء صفحات على مواقع التواصل الاجتماعى للمؤسسات الرسمية فى الدولة، وتطوير الصفحات القائمة بالفعل، لتقوم كل منها بدورها على أكمل وجه فى التوضيح والرد والتفاعل مع شكاوى المواطنين، أو ما يتم تداوله عبر السوشيال ميديا فيما يعرف بـ«التريند»، فيما يخص كل جهة إن كان الأمر متعلقًا بها، وهو ما لاحظه الكثيرون فى الأعوام الماضية من خلال نشاط العديد من الصفحات الرسمية فى مقدمتها النيابة العامة ووزارة الداخلية ودار الإفتاء المصرية، وهو ما ساهم بشكل كبير فى الحد من الشائعات والقضاء السريع عليها أولا بأول.

ورغم الاهتمام بالتطور والسوشيال ميديا، إلا أن الرئيس عبدالفتاح السيسى لم يتوقف عن مساندة الصحافة القومية؛ لدورها فى تنمية الوعى الوطنى بين جموع المواطنين وبناء جيل واعٍ قادر على فهم التحديات الداخلية والخارجية التى تواجه الدولة وكيفية التعامل معها، لذلك تمت متابعة ومراجعة الأداء المالى للمؤسسات الصحفية القومية بشكل ربع سنوى، ما أدى لخفض معدل الخسائر بهذه المؤسسات بنسبة 10 %، وما زالت النسبة فى زيادة، فالخسائر التى تواجه المؤسسات الصحفية ليست وليدة اليوم، بل نتيجة تراكمات الماضى وربما منذ تأميم الصحافة عام 1960 مرورًا بحقبتى الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضى.

 

رؤساء الأعلى للإعلام وهيئتى الصحافة والإعلام يؤدون اليمين أمام النواب
رؤساء الأعلى للإعلام وهيئتى الصحافة والإعلام يؤدون اليمين أمام النواب

 

تنظيم المشهد الإعلامى

المتابع للمشهد الإعلامى عن قرب لا يغفل نشاط لجنة الشكاوى بالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وتحركها من أجل رصد كل ما يثير غضب الرأى العام، ويعارض ترسيخ الحق فى حرية الرأى والتعبير فى ضوء احترام حقوق الآخرين وسمعتهم وحماية الأمن القومى والنظام العام والصحة العامة والآداب العامة.  وفى سبيل ذلك، أقر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام القواعد والمعايير المهنية الضابطة للأداء الصحفى والإعلامى والإعلانى والأكواد لحماية القيم والأخلاق والالتزام بمبادئ وتقاليد المجتمع، والتى تمثلت فى الحفاظ على قيم وأخلاق ومبادئ وتقاليد المجتمع، وعدم الخوض فى الأعراض أو تعميم الاتهامات، وعدم الإساءة إلى الآخرين واحترام الرأى الآخر، وعدم التحقير من الأشخاص أو المؤسسات، والحفاظ على النظام العام والآداب العامة، فضلا عن تجنب ما يدعو إلى الإباحية أو يحض على الفسق والفجور، وإبراز أهمية القيم والأخلاق ودورهما فى حماية المجتمع.

وألزم المجلس، الوسائل الإعلامية والصحفية، بالالتزام بلائحة أكواد ومعايير تنظم عمل وسائل الإعلام فى مختلف القضايا، مع توقيع عقوبات على مخالفيها، حيث تضمنت المعايير التزام الإعلامى عند أداء عمله بنصوص الدستور والقانون والمواثيق الصادرة عن نقابته كما يلتزم بالحفاظ على المصالح العامة للمجتمع وحقوق أفراده، والتزام الوسائل الإعلامية بعدم تقديم أية معلومات إلا بعد التأكد من دقتها، وأن تراعى التزام الإعلامى بعدم إخفاء أى جزء منها أو تشويهها، وألا يبنى تقاريره على معلومات منقولة من وسيلة إعلامية أخرى أو مواقع التواصل الاجتماعى، وأن يتأكد من صحة المعلومات بنفسه، والتزام الوسيلة الإعلامية بالتوازن عند عرض الآراء المختلفة واحترام الرأى الآخر وأن تراعى الالتزام بالاستقلالية عن جماعات المصالح والضغط والحكومة. وكذلك التزام الوسائل الإعلامية بتنفيذ جميع الأكواد التى يصدرها المجلس.

 أيضا تضمنت الأكواد الإعلامية التى أصدرها المجلس كود حماية القيم والأخلاق، كود تغطية القضايا العربية، والحوادث الإرهابية، والتعامل مع قضايا المرأة، فضلا عن كود المحتوى الإعلامى الموجه للطفل، وكود المحتوى الدينى، وكود الصحافة والإعلام الرياضى، وكود الأعمال الدرامية والإعلانية، وكود ضمان حماية حقوق الملكية الفكرية. كما أصدر المجلس لائحة للتراخيص، لتنظيم عمل وسائل الإعلام المختلفة لتوفيق أوضاعها والعمل وفقًا لمظلة قانونية تُخضع تلك الوسائل للقانون واللوائح المنظمة له.

 

حسين زين رئيس الهيئة الوطنية للإعلام فى مناقشة بمجلس الشيوخ
حسين زين رئيس الهيئة الوطنية للإعلام فى مناقشة بمجلس الشيوخ

 

صناعة الكوادر الإعلامية

واستكمالا لخطوات ضبط المشهد الإعلامى والمساهمة فى خلق الكوادر الإعلامية المميزة، قدم المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والأكاديمية الوطنية للتدريب دورات تدريبية للقيادات الإعلامية والصحفية، وذلك بهدف مواجهة تطورات المهنة والثورتين الرابعة والخامسة وتقديم إعلام هادف بالدرجة الأولى يحقق طموحات الدولة المصرية، حيث تم اعتماد مبلغ 3.5 مليون جنيه لتدريب القيادات الشابة من الإعلاميين والصحفيين، بالتعاون مع الأكاديمية الوطنية للتدريب. كما أولى المجلس أهمية خاصة لتدريب الصحفيين الأفارقة خاصة بعد انتقال تبعية مركز تدريب الصحفيين الأفارقة إلى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام. كما يدرس المجلس تدريب الصحفيين والإعلاميين العرب بعد طلب بعض مسئولى ووزراء الإعلام العرب قيام المجلس بتنظيم دورات تدريبية لهم.

 

مواجهة الشائعات بالحقائق وتنمية الوعى
مواجهة الشائعات بالحقائق وتنمية الوعى

 

أيضًا الاستراتيجية الإعلامية للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ترتكز بالأساس على عدة محددات تتمثل فى مؤتمر المناخ وقضايا البيئة، وملامح الجمهورية الجديدة، وإعلاء مبادئ حقوق الإنسان، وإبراز المشروعات التنموية والخدمية التى تنفذها الدولة ضمن المبادرة الرئاسية «حياة كريمة» لتطوير القرى المصرية والمشروعات والمبادرات القومية، فضلا عن رفع الوعى ومواجهة الشائعات، ونبذ الكراهية وإعلام الروح الرياضية، وكذلك تجديد الخطاب الدينى، بالإضافة إلى دور المجلس فى العديد من القضايا الوطنية، ومن بينها قضية الأمن الغذائى، ودعم قضية المياه ونهر النيل، بالإضافة إلى المسئولية المجتمعية والتنمية المستدامة، بجانب زيادة الاهتمام بقضية الوعى والهوية الأخلاقية، ودعم قضايا المصريين بالخارج، وقضية التنمية الشاملة بسيناء، علاوة على السياسة الخارجية للدولة، وقضايا الطفل والمرأة والشباب.

 

تقنين أوضاع المؤسسات الصحفية والإعلامية
تقنين أوضاع المؤسسات الصحفية والإعلامية