الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
مرة أخرى.. وكفانا أسلحة !

مرة أخرى.. وكفانا أسلحة !

هذه المَرّة كانت فى يوفالدى. مدينة صغيرة فى ولاية تكساس عدد سكانها لا يزيد على 16 ألف نسمة. والضحايا كانوا 18 من تلاميذ مدرسة ابتدائية واثنتين من المُدرسات. مذبحة القتل الجماعى كانت قبل يومين من نهاية العام الدراسى.. والجانى كان فى الـ18 من عمره وفى حوزته سلاحان رشاش وأكثر من ألف و600 طلقة نارية.



 

وأنا فى هذه الالتفاتة أو الوقفة التأملية لا أتناول تفاصيل هذا الحادث الأخير (24 مايو 2022) أو الأحداث المشابهة فى الماضى وقد بلغ عدد حوادث القتل الجماعى هذا العام أكثر من 200 حادث حتى الآن؛ بل أتعرض للحديث المطروح والجدل المثار وغالبًا المتكرر حول السلاح فى أمريكا وأهمية وضع قوانين وإجراءات أكثر صرامة للحد من انتشاره.. وأيضًا عن الهوس بامتلاكه والتحذير من «الأخ الكبير» الذى يريد سحب السلاح من يد المواطن ويحرمه من حق من حقوقه.. هذه المعانى بتعبيرات متنوعة تتردد مع كل مذبحة جماعية تكون ساحتها مَدرسة أو مكان عبادة أو متجرًا للتسوق يرتادها عشرات بل مئات من البشر..

ربما سمعت هذا الكلام أو كلامًا مشابهًا له من قبل.. إلا أن التكرار يُعَلم الشطار. هذه النصيحة ترددت على مسامعنا كثيرًا فى بدايات انتظامنا فى التعليم.. ولكن يبدو أن تصنيف الشطار أو فعل التعلم لا ينطبقان على أغلب الساسة الأمريكيين فى قضية تمس بلا شك حياتهم وحياة الأمريكيين.. فهم غالبًا لا يتحركون وبحسم فى هذا الأمر طالما أن مصالحهم السياسية واستمرارهم فى مراكزهم وضمان الحصول على أموال لوبى السلاح لها الأولوية.

وفى هذا التوجه ليس سرًا أن الجمهوريين واليمين الأمريكى وأنصار الشعبوية الأمريكية هم فى الغالب قادة المعارضة لأى تشريع يمس من قريب أو من بعيد ملف السلاح فى أمريكا. وهم يتصدون (بكل فخر واعتزاز) لكل المحاولات التى تتم أو يتم التخطيط لها من أجل احتواء انتشار السلاح ومواجهة أسباب الوباء القاتل المتفشى على امتداد البلاد. وهم يشددون دائمًا على حق المواطن الأمريكى فى امتلاك السلاح وحقه فى الدفاع عن نفسه.. وبأن ليس من حق واشنطن صانعة القرار الإدارة والكونجرس المساس بالمادة الثانية من الدستور الأمريكى!

 

 

 

 

ولا شك أن الأرقام الخاصة بانتشار ما يسمى بـ«ثقافة السلاح» فى أمريكا تنذر وتحذر مما قد يكون القادم الكامن أو المنتظر المشتعل فى المجتمع الأمريكى. إذ يقدر عدد الأسلحة النارية المتواجدة حاليًا فى الولايات المتحدة لدى أفراد مدنيين بأكثر من 390 مليون قطعة سلاح.. أى أكثر من عدد سكانها الذى يصل إلى 330 مليونًا.. وتكشف دراسات أمريكية أن 22 فى المائة من النساء فى أمريكا قلن إنهن يملكن السلاح. كما أن 39 فى المائة من الرجال ذكروا بأن لديهم السلاح الخاص بهم. هذا ما قلن بأنفسهن وما ذكروه بأنفسهم وليس تقديرات من جانب الآخرين. كما يقدر عدد الأسلحة لكل مائة أمريكى بـ120 قطعة سلاح. ومتوسط ما يملكه الفرد هو ثلاث أو أربع قطع من الأسلحة!!

ومع كل حادث قتل جماعى نسمع بالطبع من أنصار السلاح القول إياه بأن الشر ليس فى السلاح نفسه بل فى حامله وحالته النفسية وتقلباته العقلية.. ومن ثم يجب مواجهته بالسلاح العاقل.. وزيادة عدد رجال الأمن المسلحين حول المدارس وفى كل التجمعات البشرية. 

كمتابع لهذه القضية المثارة دومًا فى أمريكا فإن هذا الأمر أيضًا مثل كل الأمور يتم تسييسه بشكل أو بآخر.. ومن ثم استغلاله والابتزاز فى اللعب بمشاعر المواطنين الأمريكيين تجاه إحساسهم بالخوف والرعب وأيضًا بخصوص المساس بحقهم فى اختيار ما يملكونه حتى لو كان سلاحًا فتاكا.. نعم السلاح متوافر بكثرة ويمكن شراؤه بسهولة.. والبعض منها يمكن الحصول عليه عن طريق المتاجر الإلكترونية..

إن المتابع للمشهد الأمريكى يعرف أن ثلاث قضايا كانت وظلت جبهات المواجهة والخلاف والمصادمة والاستقطاب بشكل عام، وهى أولاً: السلاح وامتلاكه.. ثانيًا: الإجهاض حقه وتنظيمه..ثم قضية الهجرة والتعامل مع المهاجرين سواء مع قدومهم إلى حدود البلاد أو خلال إقامتهم ومعيشتهم داخل حدود أمريكا.. وأن هذه الملفات أو القضايا تستخدم لصب الزيت على النار.. وتأجيج مشاعر التعصب والعنصرية والتمييز العرقى والاجتماعى لدى أهل البلاد وتحديدًا فى مواسم الانتخابات.