الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

بالوثائق .. مليارات مافيا الطاقة فى عهد بايدن

تعصف بالحلبة السياسية الأمريكية، فى الأيام الأخيرة، فضيحة فساد جديدة، نجمها هذه المرّة هو هانتر بايدن نجل الرئيس الأمريكى جو بايدن، وهى الضجة التى وجدها الجمهوريون بوابة جديدة لمهاجمة الديمقراطيين المسيطرين على القيادة الأمريكية.



 

 لكن هذه الأزمة واحدة من سلسلة أزمات فساد  مالى ظهرت مؤخراً فى الولايات المتحدة، طالت الرئيس الأمريكى بتحقيق قضائى موسع حول تعاملاته التجارية، والتى حصلت فيها هيئة المحلفين الكبرى على شهادات شركاء بايدن. وتبدأ الاتهامات باحتلال بارونات الصين واللوبى الأوكرانى مراكز القوة واقتحموا دوائر صناع القرار بالولايات المتحدة، ذلك منذ تولى هانتر بايدن مقعدا فى مجلس إدارة شركة Burisma حيث كان يتقاضى حوالى 50000 دولار شهريا، وكان نفوذ رجال الأعمال الصينيين داخل واشنطن هو نظير صفقات هانتر التجارية فى بكين، وهذا هو ملخص الاتهامات الموجهة لنجل الرئيس الأمريكى.

وحتى الآن لا يستطيع أحد أن يجزم إذا كان هانتر بايدن مُدانا بالفعل أم أنها مجرد حملة تضليل «جمهورية» استندت إلى وثائق بثها الإعلام الروسى،  كما ذكر الكونجرس الأمريكى،  فلم يتم التحقيق بعد فى أى وثائق تؤكد الاتهامات الموجهة لنجل بايدن، ولكنها ادعاءات الجمهوريين، على حسب وسائل إعلام مختلفة.

تورط بايدن

يبدو أن قصة هانتر بايدن لن تختفى قريباً، وستستغرق وقتاً طويلاً لتغطيتها، خاصة أن الجمهوريين يحاولون إشعال الأوضاع ويصرون الآن على أن الرئيس الأمريكى ربما يكون متورطًا وربما يكون هو نفسه قد استفاد مالياً، لذا يتعهد الجمهوريون الآن بمتابعة الأمر بشكل أكثر شمولاً إذا استعادوا الأغلبية فى مجلس النواب أو مجلس الشيوخ العام المقبل. وهو ما أكده السيناتور الأمريكى الجمهورى تشاك جريسلى على قناة فوكس بيزنس حينما قال «لدينا الكثير من السجلات المصرفية التى تؤكد أن عائلة بايدن كانت متعاونة مع رجال الأعمال الصينيين الذين كانوا بدورهم على صلة بالحزب الشيوعى».

وأفاد  السيناتور جريسلى أن تلك الاتهامات ليست حديثة العهد، فقد بدأت منذ ترشح جو بايدن بانتخابات الرئاسة الأمريكية، حيث ظهر فى ذلك الوقت دور رجال الأعمال الصينيين بواشنطن الذين تمكنوا من التحكم فى كبرى وسائل الإعلام والتكنولوجيا، بهدف التستر على القصة لمساعدة بايدن على الفوز.

ودعم الكاتب الأمريكى بيتر شفايتزر «وهو رئيس مبادرة المساءلة الحكومية، أول من أبلغت كتبه عن الصفقات التجارية العائلية لبايدن منذ عام 2018» تصريحات جريسلى،  بأن سيطرة حلفاء هانتر على الإعلام الأمريكى هو ما يبرر غياب التغطية الصحفية لتلك القضية رغم حصولها على اهتمام الرأى العام العالمى،  فتقدمت الواشنطن بوست ونيويورك تايمز تقارير سطحية تفتقر إلى الدقة والعمق حول هذه القضية. 

وانتقد السيناتور الجمهورى رون جونسون، رفض التحقيق فى القضية بمجلس الشيوخ مع تقريرهم الختامى المسمى «التضليل الروسى» على الرغم من الاعتماد على السجلات المصرفية والوثائق الحكومية التى تناولت تجاوزات هانتر بايدن الضريبية وما تناوله الإعلام الروسى بشأن القضية.

وصف قسم التحرير فى صحيفة الواشنطن بوست قصة هانتر بايدن بأنها «فرصة للحساب» ولكنها وغيرها من المؤسسات الإعلامية كانت مترددة فى تغطيتها، حتى لا تكون دعاية لحملة الهجوم الروسية على أمريكا فى عام 2016، فقد تم التعامل مع تصريحات الجانب الروسى بشان اتهامات هانتر بايدن على أنها مؤامرة، خاصة بعد ما حصل محامى الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب على الحاسوب الخاص بنجل بايدن وتم الكشف عما يحويه من وثائق مهمة تؤكد مخالفاته الضريبية وعلاقاته التجارية الواسعة من خلال استغلال منصبه.

وأصبح السؤال لماذا هو أكثر انتشارًا الآن بعد أن بدأت وزارة العدل الأمريكية فى إجراء تحقيق ضريبى شامل، والتى رد عليها رون كلاين، كبير موظفى البيت الأبيض بأن: «هذه قضية تخص هانتر وشقيقه، فهى أمور شخصية، لا تتعلق بالرئيس الأمريكى،  وبالتأكيد لم يشارك بها أى مسئول بالبيت الأبيض».

أصبحت الحاجة إلى محامٍ خاص فى قضية هانتر بايدن أمرًا مُلحًا، فقد أصبح لدى المدعى الأمريكى ديفيد فايس أدلة تشير إلى أن الرئيس بايدن كان متورطًا فى الصفقات التجارية الخارجية لابنه هانتر.

 

تظاهرات لارتفاع أسعار الوقود- هانتر وبايدن ورئيس وزراء كازاخستان السابق كريم ماسيموف
تظاهرات لارتفاع أسعار الوقود- هانتر وبايدن ورئيس وزراء كازاخستان السابق كريم ماسيموف

 

الرجل الكبير

وقالت صحيفة «بوليتيكو» إن تحقيقات ديفيد فايس، المدعى العام الأمريكى فى ولاية ديلاوير، قد توصلت إلى أن هانتر حصل على 10 ٪ من صفقة محتملة ومربحة، وأن جميع صفقات هانتر وشركائه كان وراءها ما يُسمى «الرجل الكبير»، والذى رفض جميع من تم التحقيق معهم الكشف عنه وهو الزعيم الخفى لصفقات هانتر التجارية، فإن لم يكن بايدن هو الأب الروحى،  فبالتأكيد هو أحد الشركاء.

وتوضح صحيفة نيويورك بوست أنه فى عام 2012 بدأت قصة هانتر بايدن وبدأ التحقيق بشأن صفقاته التجارية، وفى أوائل عام 2018، تم استئناف التحقيق بعد 6 سنوات من توقف لا يعلم أحد أسبابه، وفى مايو 2019، تم استدعاء جميع سجلات هانتر المصرفية المتعلقة بتعاملاته مع بنك الصين، واتخذت التحقيقات منحى جاد حينما ثبتت إدانة هانتر بالتجاوزات الضريبية.

وأشارت إلى أن التحقيقات البطيئة وفترات التوقف يمكن إلقاء اللوم فيها على عاتق مسئولى البيت الأبيض فى واشنطن، فقد جاء التأخير بأمر من القضاء المركزى،  أى المدعى العام ميريك جارلاند وكبار مساعديه، ومن هنا بدأ القلق بشأن تدخل شركاء هانتر فى ميزان العدالة الأمريكى،  لترجح كفته أمام كفة اتهامات الجمهوريين.

وتوقعت الجريدة أن يتم إغلاق التحقيقات بتمرير صفقات هانتر التجارية، وقبول تسوية بدفعه ما يدين به لمصلحة الضرائب، وسيكون من الصعب الفوز بالقضية على أى حال وستدفن أى جرائم أخرى تحت البساط. أعلن رون كلاين فى نهاية الأسبوع الماضى،  أن الرئيس الأمريكى كان على علم بأنشطة نجله وهو واثق من أن ابنه لم يخالف القانون.

 

هانتر ووالده جو بايدن .. تلاحقهما اتهامات بالفساد
هانتر ووالده جو بايدن .. تلاحقهما اتهامات بالفساد

 

فيما أشارت صحيفة «الجارديان» البريطانية أن كلاين طلب من هانتر تبرعات مالية لمساعدة النائب العام الأمريكى السابق عام 2012، حينما بدأ التحقيق فى صفقات نجل بايدن، موضحة أن بايدن اعتمد منذ فترة طويلة على مكاسب نجله التى حصل عليها بشكل مشكوك فيه.

وذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية أن الأموال التى تلقاها نجل الرئيس الأمريكى قبل عدة سنوات كان مصدرها شركة الغاز الطبيعى الأوكرانية Burisma Holdings Ltd، والتى تدفقت أولا إلى شركة تدعى Rosemont Seneca Bohai LLC قبل الانتقال إلى هانتر، ومن أجلها انتهك قوانين الضرائب والقوانين التى تنظم الضغط  لصالح الحكومات الأجنبية، من خلال علاقاته التجارية فى أوكرانيا والصين وكازاخستان وأماكن أخرى.

أدلة جديدة

حول مخططات استخدام المختبرات البيولوجية، قالت صحيفة «جلوبال تايمز» إن وزارة الدفاع الروسية عثرت على أدلة جديدة تثبت أن هانتر بايدن شارك بشكل مباشر فى حملات خططت لها أوكرانيا لاستخدام الأسلحة البيولوجية التى تم تطويرها فى المعامل البيولوجية التى يمولها البنتاجون لمهاجمة القوات الروسية بدونباس وسكانها.

وأضافت أن وزارة الدفاع الروسية كشفت عن مسئولين أمريكيين متورطين فى تطوير أسلحة بيولوجية فى أوكرانيا، إذ ذكر المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشينكوف أن هؤلاء المسئولين هم «رؤساء أقسام وموظفون بوزارة الدفاع الأمريكية بالإضافة إلى مقاوليها الرئيسيين».

ووفقاً للتقارير الروسية، فقد عمل هانتر عن كثب مع مسئول البنتاجون «ميتا بيوتا»، المتخصص فى البحث عن مسببات الأمراض التى يمكن استخدامها  لتطوير أسلحة بيولوجية بهدف شن حرب جراثيم بدونباس.

وبالرغم من غياب تغطية صحيفة الواشنطن بوست لقضية نجل بايدن فى الفترة الأخيرة، لكنها سبق أن نشرت تقريراً مفصلاً فى مايو العام الماضى،  عن أعمال هانتر وصفقاته مع كبار مسئولى ورجال أعمال الصين ومنهم صفقة 2 أغسطس 2017، مع مسئول تنفيذى صينى يُدعى جونجوين دونج من كبرى شركات الطاقة الصينية «CEFC China Energy». بموجبها تم إنشاء حساب جديد فى بنك كاثى يضم ملايين الدولارات، وهو ما تم إدراجه فى تقرير مجلس الشيوخ الذى أعده الجمهوريون عام 2020، وكان مصدر معلوماتهم هو محرك أقراص ثابت لجهاز كمبيوتر محمول يُزعم أن هانتر بايدن أسقطه فى ورشة إصلاح فى ديلاوير، وتم تسليمه إلى مكتب التحقيقات الفيدرالى فى ديسمبر 2019، وحصل عليه مستشارو ترامب قبل بضعة أشهر من انتخابات عام 2020.

ووجد  تحقيق واشنطن بوست وثائق إضافية تظهر علاقات عائلة بايدن مع المديرين التنفيذيين الصينيين، فلم  يتورط نجله فقط، وإنما ورد اسم أخيه أيضاً ضمن من تربحوا من الصفقات التجارية مع الصين.

ووفقاً لسجلات الحكومة ووثائق المحكمة والبيانات المصرفية التى تم الكشف عنها حديثًا، فقد عقدت عائلة بايدن ما يقرب من 150 معاملة مالية من خلال شركة هانتر أو عمه جيمس بايدن، دفع المديرون التنفيذيون 4.8 مليون دولار للكيانات التى يسيطر عليها هانتر.

وتساءل الجمهوريون عن تسبب هانتر فى تضارب مصالح الاقتصاد الأمريكى،  بسبب صفقاته التجارية فى الصين حليف روسيا فى الهجوم على أوكرانيا، إلى جانب عضويته السابقة فى مجلس إدارة شركة الطاقة الأوكرانية Burisma.

ورد مساعدو بايدن بأن روسيا تلاعبت بالكمبيوتر الخاص بهانتر لتشويه صورة الرئيس الأمريكى،  وأن مشاريع هانتر مع CEFC لم تؤت ثمارها.

بدأت علاقات هانتر الدولية عام 2015، حيث توطدت علاقته مع مركز التجارة العالمى خلال فترة من الاضطراب الذى عانت منه عائلته، حيث تعرضوا لأزمة مادية واسعة بعد وفاة شقيق بايدن الأكبر فى مايو 2015، وإدمان هانتر للمخدرات، حينها كانوا مدينين بـ 314 ألف دولار لمدبرى منازلهم ومعالجيهم، وفقًا لملفات المحكمة وحسابات هانتر.

 

تحقيقات المدعى العام فى "ديلاوير" أثبتت وجود زعيم خفى لصفقات "هانتر"
تحقيقات المدعى العام فى "ديلاوير" أثبتت وجود زعيم خفى لصفقات "هانتر"

 

وكان يى جيانمينج مؤسس ورئيس الشركة الصينية CEFC، وهو واحد من أغنى عشرة رجال أعمال صينيين، وفوك ييريميتش، وهو سياسى صربى عمل مؤخرًا كرئيس للجمعية العامة للأمم المتحدة أول من مدا أيديهما لهانتر لإنقاذه من أزمته.

وتعد شركة CEFC، من أضخم شركات النفط والغاز، تأسست عام 2002، وحصلت على تمويل من بنوك التنمية الحكومية ولها علاقات وثيقة بالحزب الشيوعى الصينى وجيش التحرير الشعبى،  وهى ليست مستقلة عن الحكوم الصينية.

الشريك الصينى

من ضمن صفقات هانتر مع شريكه الصينى صفقة «باتريك هو» والتى كانت حصته منها 3.8 مليون دولار من CEFC بالإضافة إلى مليون دولار، حصة هانتر، وكان باتريك مسئول CEFC الذى نظم مخططا بملايين الدولارات لرشوة قادة من دول أفريقية، وتعرض لملاحقات قضائية فكان على هانتر إنقاذه والدفاع عنه. 

وتم توثيق هذه الاتفاقية فى 22 سبتمبر 2017، بتوقيع هانتر بايدن مع جونجوين دونج، المدير التنفيذى فى تكتل الطاقة الصينية، مقابل حصول هانتر على توكيل بقيمة 500 ألف دولار، وراتب شهرى قدره 100 ألف دولار، مع حصول عمه جيمس بايدن على 65 ألف دولار شهريًا.

وقد أُدرجت هذه الوثيقة فى تحقيقات أُدين فيها باتريك وحُكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات، بينما لم يتم حينها التحقيق مع هانتر أو شريكه.

ووفقًا للوثائق التى تم العثور عليها فى نسخة الكمبيوتر المحمول الخاص بهانتر بايدن والمدعومة ببيانات مصرفية من بنك كاثى،  فقد وصل أول تحويل من CEFC إلى حسابات هانتر بقيمة 5 ملايين دولار فى 8 أغسطس 2017، منها 1.4 مليون دولار تم تحويلها إلى حساب «ليون هول جروب» الشركة الاستشارية التى يديرها جيمس بايدن.

وذكر تقريراً فى عام 2020 صادر عن السيناتور الجمهورى رون جونسون من ولاية ويسكونسن، أن تلك التحويلات تم تصنيفها على أنها نشاط إجرامى يندرج تحت بند غسل أموال أو فساد سياسى.

وحينما فشل هانتر فى إنقاذ باتريك الذى تمت مقاضاته، وقع العديد من الخلافات بينه وبين ميرفين يان ودونج المديرين التنفيذيين لـ CEFC، إذ رفضا تسديد الرواتب الشهرية المتفق عليها مع هانتر وعمه، وهدد بايدن بمقاضاة كل من يان ودونغ لرفضهما الدفع، ولكن بعد سجال طويل تم تسديدها فى فبراير 2018.

 

 
 
هانتر جو بايدين وكينيس راكيتشيف- الرئيس الأمريكى بايدن كان على علم بأنشطة نجلة
هانتر جو بايدين وكينيس راكيتشيف- الرئيس الأمريكى بايدن كان على علم بأنشطة نجلة

 

وفى 2 نوفمبر 2018، وقع يان، وثيقة بحل «Hudson West III LLC»، الشركة التى ربطت بايدنز بـ CEFC، والتى كان مقرها يقع على بعد أقل من ساعة بالسيارة من منزل عائلة بايدن.

ولكن سرعان ما عادت المياه إلى مجاريها الطبيعية، حينما أعلن بايدن ترشحه للرئاسة الأمريكية فى أبريل 2019، ليعود الوفاق بين هانتر وشركائه والتمهيد لمزيد من الصفقات التى ستُكلل بفوز والده بالانتخابات الرئاسية.

وبالفعل عقد هانتر فى يوليو 2019، أول صفقة لـ CEFC فى الولايات المتحدة، وبلغت قيمتها 40 مليون دولار لإنتاج الغاز الطبيعى المسال فى لويزيانا، ورغم فشل تلك الصفقة، أهدى يى جيانمينج ماسة بوزن 2.8 قيراط بقيمة 80 ألف دولار إلى غرفة فندق هانتر ببطاقة تشكره على التعاون، وفقًا لصحيفة نيو يوركر.