الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

قال إن المسلسل يحذر من تخريب الدول والمجتمعات طارق لطفى: ما زلت أحلم بمعاوية و«الحشاشين»

طارق لطفى ومى عزالدين
طارق لطفى ومى عزالدين

أصبح اسم طارق لطفى علامة مسجلة لجودة أى عمل ونجاحه، وأصبح الجمهور يضمن جودة وأهمية العمل وبشاير نجاحه من قبل مشاهدته. بهدوئه ورزانته الشديدة أصبح «الحريف» طارق لطفى يسدد أهدافه الفنية واحدًا تلو الآخر، بخبرة وأداء محترف اعتدناهما منه. بأدائه السلس أبهرنا العام الماضى فى «القاهرة كابول» بشخصية الشيخ رمزى. ويباغتنا «خلدون» غجرى «جزيرة غمام» بحرفية شديدة فى كل تفاصيله.



عن تفاصيل خلدون وشكله ولغة جسده، وعن تعاونه الثانى مع عبدالرحيم كمال، وكيف تلاقت أفكارهما، سألته وأجابنى فى السطور القادمة. كذلك أخبرنى عن المرحلة الفنية التى يعيشها وحالة الاستمتاع باختياراته وبردود أفعال الجمهور.

 

 

 

فى السنوات الأخيرة من الواضح جدًا أن اختيارات طارق لطفى للشخصيات التى يقدمها ليست تقليدية أبدًا، وتميل للشخصيات ذات الأبعاد النفسية المركبة.. ما صعوبة إيجاد تلك الشخصيات التى تستهويك؟

للأسف هذا أمر فى منتهى الصعوبة وليس سهلاً، لأن معظم الشخصيات المكتوبة تكون أحادية الجانب، فالطيب يكون طيبًا وهذا ليس موجودًا، لأنه حتى الإنسان الذى نصفه بالطيبة أحيانا يكون شريرًا أو خبيثًا، وليس شخصًا أحاديًا. وهذا ليس موجودًا فى الواقع أن هناك شخصًا طيبًا وشخصًا شريرًا، بل هناك بنى آدم قد يحمل سمات أكثر طيبة أو سمات أكثر شرًا، وأنا أجنح دائمًا إلى أن أذهب دائما لـ«البنى آدم» وأكوِّن شخصياتى عن طريقه. لهذا العام الماضى فى «القاهرة كابول» عندما قدمت شخصية الشيخ رمزى، قدمت شخصية هذا الأمير من خلال كونه «بنى آدم». وهكذا أيضًا كان رسم عبدالرحيم كمال للشخصية، ولهذا أحببته جدًا، فهو شاعر ورومانسى وأمير حرب، لديه أفكار خطيرة جدًا هو مؤمن بها ولا يتورع عن فعل أى شىء، فهو قتل زوجته وفى المقابل يحب ويلقى الشعر، وهذا هو البنى آدم الذى تغلب عليه سمات فنصنفه على أساسها، لذلك الشخصيات العادية الأحادية التى تُكتب بشكل عادى وليس شكلاً إنسانيًا لا تستهوينى على الإطلاق.

«جزيرة غمام» تدور أحداثه فى فترة زمنية ثرية، بالإضافة إلى زاوية للصعيد لم يتم تناولها من قبل بعيدًا عن الجبل والشكل التقليدى لهذا المجتمع.. حدثنا عن ذلك.

اختيار عبدالرحيم كمال للزمن واختياره للمكان، هو كاتب ذكى ومتميز فهو قد اختار صعيدًا متطرفًا، صعيدًا يعيش على البحر، والصعيد عادة لا يعيش على البحر، بل يعيش على النيل، كذلك الصعيد لا يمتهنون الصيد بل يمتهنون الزراعة، وجعل القرية منغلقة على نفسها وبعيدة عن أى تأثيرات خارجية، ولها عاداتها وتقاليدها الخاصة بها وليست متأثرة. القرى كانت منفصلة حينها ولكل مجتمع عاداته وتقاليده. اختيار الزمن و«اللوكيشن» فى رأيى عبقرى، لأنه عندما ينزل الغريب على ناس محددين جدًا فى عاداتهم وتقاليدهم ويبدأ فى محاولته لتغيير هذه العادات والتقاليد، هنا نجد كيف يكون تأثيره كبيرًا وواضحًا عليهم. ومن هنا تتضح الفكرة بشكل أكبر وتتأكد فكرة كيف يتم تخريب دولة.

وكيف كانت «جزيرة غمام» المحطة التالية لطارق لطفى بعد «القاهرة كابول»؟

كنت أحضر لمشروع آخر، وفى تلك الأثناء سمعت تفاصيل «جزيرة غمام» من عبدالرحيم كمال، فقررت فورًا أن أبدأ فى هذا العمل. الفكرة جميلة جدًا وعبقرية، والأدوار كلها مكتوبة بشكل رائع، بالإضافة إلى هذا العالم نفسه وروعته على الشاشة. أحد التعليقات التى أسعدتنى أنها أشبه بالأساطير، وهذه الأجواء الأسطورية بالفعل جذبتنى لـ «جزيرة غمام»، فهى بجانب العناصر الفنية والسيناريو ورسم الشخصيات، متعة بصرية و«حدوتة» تصلح للمشاهدة فى كل الأزمنة ولكل المستويات الثقافية، وسيتم استيعابها وفهمها والاستمتاع بها سواء كان شخصًا بسيطًا أو متوسط الثقافة وكذلك المثقف جدًا. كل منهم سيفسرها بطريقته ويستمتع بها.

الإسقاطات السياسية والاجتماعية فى «جزيرة غمام» والتى تبدو أنها «كتالوج» لاستيطان أى مجتمع هادئ واختراقه فى أى زمان.. ما أهمية مناقشة هذا الآن؟

أهميتها تكمن فى التحذير و«خد بالك» الموضوع متكرر. وما حدث من أحداث السنوات الماضية لتخريب دول ومجتمعات كانت بنفس الطريقة، لعلها كانت طرقًا حديثة، ولكن الخطوات نففسها. ونريد أن نقول إن التاريخ يعيد نفسه مهما كان التطور ومهما كانت الأفكار الجديدة، ولكن الأفعال تقريبًا واحدة، ونحن نوضح هنا كيف تكون مكونات تخريب دولة.

التعاون الثانى والناجح مع عبدالرحيم كمال بعد «القاهرة كابول».. هل تلاقت أفكاركما ومشروعكما الفنى؟

بالتأكيد تلاقت أفكارنا بشكل كبير. عبدالرحيم كمال شخص خاص جدًا، ودراماتورجى محترم. ويكون أكثر تميزًا عندما يتحدث عن الصعيد، لأنه صعيدى الأصل، فعندما يتكلم عن الصعيد فهو يتكلم عنه بسهولة وعمق شديدين جدًا. نحن لدينا جمل فى المسلسل قصيرة جدًا ومضغوطة ولكنها أقرب للشعر، وجمل بليغة ومكثفة. فأنت كممثل تستحسن ما تقوله وتستحسن حوارك وكأنك تقول شعرًا. هذه ميزة عبدالرحيم كمال، هو شخص يمزج أكثر من سِمة وميزة، فهو إنسان متصوف الأصل، وعميق جدًا فى ثقافته. وفى الوقت نفسه بسيط جدًا فى حياته، ومهموم برؤيته ومشروعه. ويحب ما يقوم به، وإنسان حقيقى جدًا.

 

 
 
من المسلسل
من المسلسل

 

شخصية «خلدون» مبطنة بمشاعر مختلفة ونموذج للنفس المركبة.. ما مدى الصعوبة التى واجهتها مع خلدون لإظهار كل هذه التناقضات؟

صعوبتها كانت أن أجد «خلدون». لم أكن أجده، وبدأت معه خطوة خطوة. بدأت بالشكل وكيف يكون شكله متناقضًا، وأتمنى أن يكون هذا قد وصل للناس من خلال شكله وتسريحة شعره، وشاربه «المبروم»، ورسمة الذقن المرسومة بشكل مبالغ فيه، فوجهه هنا يحمل ثلاث متناقضات تترجم أن هذا الرجل يحمل كل هذه التناقضات.

شغلنى كيف يتكلم، وما هى طبقة صوته التى يجب أن تتوافق مع الصعيدى. وكذلك مشيته وحركته وحركة جسمه وهو فى البداية، ومرحلة التملق لكبار الجزيرة كيف تكون، وحركة يده وعينيه وابتسامته. صعوبة خلدون كانت فى إيجاده، وهذا ما تطلب منى مجهودًا.

طارق لطفى فى هذه المرحلة هل أصبح مستمتعًا بلعبة التشخيص؟

فى هذه المرحلة أستطيع أن أقول نعم مستمتع جدًا. فى فترة من الفترات كانت هناك ضغوط تحول دون ذلك، ولكن الآن أصبحت مستمتعًا أكثر بما أقدمه، وأنا لن أقدم أى عمل إلا وأنا فى حالة الاستمتاع تلك بالدور الذى أقدمه وبالعمل ككل. وأصبحت أجنح للمغامرة أكثر فى اختياراتى وأبتعد عن كل ما هو مضمون.

وما مواصفات العمل الذى تتخلى عن عزلتك من أجله وتستمتع فيه بتلك الحالة التى تنشدها؟

الورق الحلو. له معنى وله هدف. مخرج شاطر جدًا، و«كاست» كبير وعظيم. فمتعة التمثيل مع مجموعة شاطرة هى متعة كبيرة تشبه النجاح وتشبه الحب. المشهد الحلو بين ممثلين شاطرين يحقق لنا راحة نفسية وحالة من الإشباع.

رغم أن طارق لطفى له أعمال بطولة مطلقة إلا أنه من الواضح أنك تميل إلى البطولات الجماعية.

هى الأصل، لو رجعتِ لكل ما أنتج فى الدراما المصرية ستجدين أن هذا هو الأصل. «ليالى الحلمية» على سبيل المثال كم عدد النجوم فى هذا العمل، و«رأفت الهجان» وأعمال أخرى كثيرة، ولكن فى فترة ما لم يكن هذا رائجًا لأسباب كثيرة، فتصدر مصطلح النجم الأوحد للعمل. أما الآن فأصبحت الظروف تسمح، فنجد على سبيل المثال عملا واحدًا بطولة السقا وعز وياسر جلال وكريم عبدالعزيز وأسماء كبيرة، وبالتالى اختلفت المعادلة مقابل أن يظهر على الشاشة عمل شديد الجودة. العام الماضى فى «القاهرة كابول» أنا وخالد الصاوى وفتحى عبدالوهاب وحنان مطاوع. أصبحت المقاييس مختلفة ونسمح بهذا الشكل المبهر، وهذا مفيد على كل الأصعدة، ومتعة للممثل وللمتفرج أيضًا، فمهما كان الممثل «شاطر» فالمشهد مقسوم بينه وبين الممثل الذى يشاركه.

 

 

 

بعد سنوات عجاف نشهد حالة ثراء فى الأعمال الوطنية.. كيف ترى أهميتها فى الوقت الراهن؟

وجهة نظرى أن كل الأعمال يجب أن تكون وطنية، وأقصد بهذا أن تقديم قضية مهمة لصالح المجتمع فهذا عمل وطنى. وإذا نقدت سلبية موجودة فى المجتمع وأحاول إصلاحها فإن هذا أيضًا عمل وطنى. محاولة تثقيف الناس وزيادة وعيهم فهذا عمل وطنى، ولكن بسبب أنه فى فترة من الفترات حدث هجوم شديد ومقصود وشرير على مؤسسات الدولة وعلى المواطنين، فمن هنا كان يجب أن نلقى الضوء على كم التضحيات التى قدمها المجتمع من فئاته بأكملها، وتوثيق هذه المرحلة وهذا الكم من الشهداء، وتوثيق تسجيلات بمحاولاتهم لتخريب الدولة وهدم مؤسساتها الوطنية. ومن هنا فهذه الأعمال القومية ضرورة ملحة لتوثيق هذه المحاولات.

هل هذه الرسالة هى سبب إقبالك على الأعمال التى توثق محاولات التخريب تلك فى أعمال مثل «القاهرة كابول» و«ليلة السقوط» المأخوذة عن أحداث حقيقية؟

فعلا «ليلة السقوط» مأخوذ عن أحداث حقيقية، والمعاصرون لهذه الأحداث كلهم موجودون. ومن الشيخ رمزى لأبو عبدالله الدباح نماذج تحدتنى بشكل كبير، وستجدين اختلافًا كبيرًا فى شخصية أبو عبدالله الدباح عن الشيخ رمزى، وهذا هو التحدى الذى أخبرتك عنه، ستجدين أن الشخصيتين مختلفتان تمامًا.

وما الذى تنتظره من أبو عبدالله الدباح؟

توثيق ما حدث هناك بشع. أنا جلست مع معاصرين وكل من كان هناك كانوا معاصرين، حتى الأطفال فى عمر العشر سنوات كان معاصرًا، وما حدث فى الواقع لا نستطيع تجسيده على الشاشة ووحشية مخيفة ولا إنسانية مرعبة. ما تم سرده لنا وما شاهدنا من صور ووثائقيات وقضايا كان جنونًا. نحن وثقنا الجزء الذى نستطيع تجسيده على الشاشة وعلى استحياء.

 وكيف انعكس ذلك عليك من الجانب النفسى؟ 

بشكل كبير جدًا، ولا يوجد شخص قابلته هناك لم يعانِ ويتألم جراء ما حدث لهم من قبل الدواعش، وتفاصيل فى منتهى البشاعة.

ماذا عن مصير حلمك «الحشاشين»؟

ما زلت أحلم بفيلم «الحشاشين» وبتجسيد شخصية معاوية بن أبى سفيان، ولكن الظروف حالت بين تحققهم، ولكن أتمنى.

إلى أين يأخذك شغفك وحلمك بعد هذا المشوار؟

أريد أن أكمل ما بدأته، أريد أن أظل فى حالة العمل والاجتهاد والسعى تلك، وأن أجد ما يناسبنى، وأجد أدوارًا أجمل وأفضل. الحلم هو الذى يقودنا، ونعيش بالحلم والشغف، وأنا حلمى أن أترك على الأقل ولو 10 أدوار تكون علامة فى تاريخى.

اسم طارق لطفى أصبح علامة لنجاح أى عمل وهذه حقيقة. وأنا أدرك تواضعك الشديد، ولكن هل أنت مُدرك لمكانتك الآن على الساحة الفنية وكيف يقدرك جمهورك بعد هذا المشوار؟

أنا يسعدنى أن أشعر أننى مُقدَّر، وأن يشعر الإنسان أنه مُقدَّر فهو أمر ذو أثر عظيم، وإذا كان هذا التقدير فى فنه وشغله وشغفه فهو أمر مريح جدًا، ولكنه مسئولية كبيرة، ولكن أشعر بالاطمئنان أننى أترك لأولادى سمعة طيبة أن والدهم ممثل جيد ومجتهد، لأننى أشجعهم على الاجتهاد طوال الوقت.