الثلاثاء 21 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
رمضان جميل ورائع

رمضان جميل ورائع

رمضان الذى أعرفه صوم وفرحة ودعاء وتقرب إلى الله وهدوء وعائلة وصلاة وترفيه. رمضان الذى أعرفه عاقل متزن لا يعرف للتطرف طريقًا أو للتشدد وسيلة. وهو الشهر الذى يحاول العصبى وغير المتسامح ومريض الفوقية والمصاب بهوس الأنا والمضروب بمتلازمة أنا ومن بعدى الطوفان أن «يفرملوا» هوسهم وأمراضهم لأنه «الشهر الكريم». 



الشهر الكريم جمالًا وروعة. والجمال لا يتوافق والصراخ، والروعة تقف على طرف نقيض من الصخب. نصلى، نعم وألف نعم. لكن نصر على بث الصلوات لساعات عبر مكبرات الصوت والتى كثيرًا ما تتداخل مع بعضها البعض فتضيع الكلمات وتتفرق الجمل وتضيع حلاوة الدعاء. وبدلاً من السمو الروحانى والارتقاء النفسى يجد البعض نفسه متوترًا لفرط الصخب. ويتفاقم التوتر فى ظل الوساوس القهرية التى جعلت من انتقاد طريقة تعبير البعض عن تدينه أو جهود المجاهرة بالتدين انتقادًا للدين ومعاداة للمتدينين. الشكوى من مكبرات أصوات المساجد المبالغ فيها والمنافسة الصوتية بين المساجد – وبعضها يكون متلاصقًا- يحول المسألة إلى ضوضاء رهيبة، لكنها ضوضاء محصنة بالتطرف ومحمية بالتشدد ومصانة باتهامات سابقة التعليب بأن المطالب بخفض الصوت والداعى إلى عدم تداخل المكبرات هو بكل تأكيد عدو الله والمؤمنين ويفضل الفسق ويكره رمضان. رمضان الذى أعرفه ليس ظاهرة صوتية، ولا يرجح كفة الغلظة أو يميل نحو تكفير التفكير. رمضان الذى أعرفه فى مصر قبل عقود كان رمضانًا مصريًا خالصًا. لم تكن تأثيرات ثقافية قد طالته، أو عقد نقص حملها البعض وهو عائد إلى الوطن بعد سنوات غربة جعلته يرتدى ثوبًا غير ثوبه ويعتنق هوية غير هويته. ورغم ذلك، أدعى أننا كنا أكثر تدينًا مما نحن عليه الآن. والتدين المقصود لا يقاس بعدد أمتار الثوب، أو نسبة «شكراً» فى مقابل «جزاك الله خيرًا»، لكنه يعرف بالسلوك والأخلاق ومراعاة الآخرين ودرجة استيعاب الاختلاف. 

وللعلم والإحاطة، فإن وزارة الشئون الإسلامية والدعوة والإرشاد فى السعودية أصدرت تعليمات وتوجيهات خاصة بالمساجد فى السعودية قبل حلول رمضان، منها على سبيل المثال لا الحصر ألا يتجاوز مستوى ارتفاع الصوت ثلث درجة مكبر الصوت، مع التأكيد على استمرار الالتزام بما صدر من تعاليم تنص على قصر استخدام مكبرات الصوت الخارجية على رفع الأذان والإقامة فقط. ليس هذا فقط، بل إن السعودية قررت عدم السماح بتصوير الصلوات أو نقلها عبر وسائل الإعلام واقتصار دعاء القنوت على «جوامع الدعاء». 

ما أجمل الصلاة فى رمضان، وما أروع الدعاء. لكن تحويل أصوات الصلاة والدعاء إلى معيار لقياس التدين، ووسيلة لقنص غير المتدينين من المعترضين على الأصوات المرتفعة ليس جميلاً وليس رائعًا. 

رمضان الذى أعرفه جميل بصفاء نفسه وليس بارتفاع صوته. وهو رائع بأجوائه الداعية بلطف ورقى إلى التفكر فى عظمة الخالق والتدبر فى حال الدنيا وما ينبغى على العبد عمله حتى يتركها أفضل مما وجدها عليه، وليس بالصراخ باسم الخالق أو بالتشويش على الروحانيات باتهامات قلة الإيمان بسبب الاعتراض على ارتفاع الأصوات. رمضان كريم وجميل ورائع.