الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
شفرة الجسم البشرى.. وأسرارها

شفرة الجسم البشرى.. وأسرارها

قام العلماء مؤخرًا بكشف النقاب عن ما أسموه أو وصفوه بأول خريطة كاملة للجينوم البشرى - التركيبة الجينية وتسلسل الحمض النووى،  وأعلنوا عن اكتمال هذه الخريطة بعد أن كانت هناك فجوات فيها أو مساحات غير معروفة ظلت تحيرهم خلال العشرين سنة الماضية.



 

الاكتشاف الكبير والمدوى لنحو 92 فى المئة من خريطة الجينوم البشرى كان فى عام  2003. وبإعلان اكتمالها يوم 31 مارس 2022 يتوقع أهل العلم أن يتم فتح أبواب جديدة تمهد الطريق نحو اكتشافات جديدة حول المنظومة الوراثية للجسم البشرى ومن ثم فهم أعمق للأمراض الوراثية والعيوب الخلقية والسرطان والشيخوخة..

وذكر د. إيفان ايشلر أحد من قادوا فريق العلماء والباحثين ـ نحو مئة منهم ـ بأن ما تم اكتشافه أو التوصل إليه أخيرًا أكمل الكتاب الذى كان ينقصه بعض الصفحات.. إذن نستطيع أن نقرأ الآن الكتاب «كتاب الحياة» كاملًا.. ومن ثم نفك شفراتها ونتعرف على أسرارها.. وخبايا حياتنا.. هذا المشروع البحثى بدأ منذ عام 1985.. وتكلف نحو 450 مليون دولار مع إعلان الخريطة غير الشاملة عام 2003. وقد شاركت فيه عشرون مؤسسة علمية من ست دول هى أمريكا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا والصين واليابان. والنسبة الكبرى من تمويله ـ ما بين 40 و50 فى المئة منه تحملته الولايات المتحدة.

ومن ضمن ما قيل فى شرح الشفرة ومدلولاتها ـ  إذا كانت شفرة ال دى ان اى  الحمض النووى مجموعة من التعليمات أو التوجيهات فإن تنظيمها بعناية ووضعها فى فقرات يسمى الجينات .. أما فصول «كتاب الحياة» تسمى كروموسومات .. ليأتى الكتاب من بدايته لنهايته ليسمى بـ«الجينوم».. وفى محاولة لشرح حجم هذا الكتاب ذكر أن الجينوم تحتوى على 3.2 مليار حرف وإن  تمت طباعتها فإن قراءتها قد تستغرق قرنًا كاملًا .. إذا تم قراءة حرف واحد فى كل ثانية لمدة 24 ساعة فى اليوم !!

 

 
 

 

الخيال العلمى صار واقعًا 

ولا شك أن ما تحقق مؤخرا يعد قفزة علمية لأن مثل هذه الإنجازات العلمية لا تسعى فقط لتحقيق المستحيل..أو الفرحة بكشف المجهول بقدر ما هى خطوة أولى أو خطوات أولية من أجل فهم أفضل للإنسان وتكوينه الجسدى وصحته وأمراضه.. وبالتالى إيجاد وسائل أكثر لعلاجه أو وقايته من الأمراض.

ومثلما كانت المغامرات العلمية قائمة ومستمرة لزمن طويل فيما يتعلق بالفضاء الخارجى والكواكب والمجموعة الشمسية.. هكذا تطورت وتعمقت هذه المغامرات فى الدراسات والأبحاث الخاصة بالأجواء الداخلية داخل جسم الإنسان ـ عالمه الجسدى والعقلى ومن ثم المكونات الأساسية لخلاياه بما تحمله من شفرات وأسرار يمكن من خلالها اكتشاف الكثير.. خاصة أن الأجهزة العلمية الراصدة والفاحصة والكاشفة لهذه المنظومة الإنسانية تطورت بشكل ملحوظ ومذهل فى العقدين الأخيرين..   

وبالتأكيد مثل هذه الأخبار تأتى أحيانًا لتثبت لنا أن الحياة لا يزال فيها أناس يحلمون ويرون الغد الأفضل وأيضًا يعملون من أجله ويزرعون شجرة سوف يستظل بها أجيال أخرى.. نعم، يسعون لكل هذا رغم كل ما يجتاحنا من طوفان أحداث دمار وتشريد وحروب ومجاعات شرقًا كانت أم غربًا.. 

ما كنا نسميه بالخيال العلمى ونقرأ عنه صار مع مرور الزمن واقعًا نعيشه  ويتحدث عن تحقيقه العلماء .. يتحدثون عن سنوات طويلة من البحث والتجربة العلمية من أجل التوصل إلى ما كان يعد بعيدًا أو مجهولًا.. أو لغزًا..

كالعادة يثار مع أغلب التجارب العلمية إمكانية استعمالها بنوايا سيئة أو غير أخلاقية فى المساس بالإنسان وما خلقه الخالق.. 

ومن هنا تأتى دعوات التحريم والتجريم وما شابه ذلك. 

والسؤال الذى يجب أن يشغل البال: هل هذا جزء من الحوار الدائر والمستمر حول دور العلم فى حياتنا أم هو الحوار الوحيد؟.. ومن لا يشارك فيه أو لا يوافق على ما يقر به ويحسمه علماء العقيدة أو الدين يظل منبوذًا؟!

أمام هذا الحدث العلمى نتوقف ونتأمل  ونقول: من منا لا يريد أن يقرأ كتاب الحياة؟.. صفحة صفحة وسطرًا سطرًا.. بل كلمة كلمة.. لفك شفرتها ومعرفة أسرارها.. طالما لدينا القدرة وأيضًا الرغبة فى اكتشاف ما هو مجهول وخفى فى حياتنا.. حتى لو كان هذا الشغف أو الفضول قد يأخذنا أحيانًا إلى المزيد من القلق والحيرة والارتباك.