الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

يعتبر تجسيد أى دور جديد بمثابة زيارة لشخص آخر

فتحى عبدالوهاب: «الشيخ محارب» ممثل الإله فى «جزيرة غمام»

الشيخ محارب فى مشهد من المسلسل
الشيخ محارب فى مشهد من المسلسل

بالتأكيد كان مهما بالنسبة لى أن أسأل الفنان فتحى عبدالوهاب عن كواليس «جزيرة غمام» مسلسله الجديد فى رمضان 2022، وتجربة البطولة الجماعية مجددا بعد «القاهرة كابول»، وشخصية الشيخ المتشدد «محارب» التى يجسدها فى الأحداث وظهرت ملامحها بوضوح فى الحلقات الثلاثة الأولى. لكننى لم أبدأ من الجزيرة بل من سؤال يشغلنى كلما شاهدت الممثل الموهوب فى عمل جديد درامى أو سينمائى،  دور رئيسى أو ظهور خاص، سؤال بسيط للغاية توقعت أن إجابته ستكون معقدة لكنه حرص أيضا على تبسيطها.



 

وعندما جلست معه فى استراحة تفصل بين تصوير المشاهد الأخيرة من «جزيرة غمام» وضعت علامة الاستفهام الكبيرة على الطاولة، وطلبت  منه أن يشرح «التكنيك» الذى يستخدمه لقبول أى شخصية، سؤالى بالتحديد هو: ماذا يحدث فى العملية الفاصلة بين وصول الورق وقرار القبول أو الاعتذار؟

 

فتحى عبدالوهاب
فتحى عبدالوهاب

 

من الصعب وصف العملية الإبداعية التى يستخدمها أى فنان لاختيار أدواره. هكذا رد فتحى عبد الوهاب على السؤال الأول، مضيفا أن العملية الجمالية أو الفنية فى أحيان كثيرة يصعب إخضاعها لعمليات حسابية علمية، لكن لو أردنا تبسيط الصورة، يمكن أن نستعين بمثال «العجينة» التى لا يمكن أن تذهب إلى مرحلة الطهى قبل المرور على مرحلة التخمر.. «هذا ما يحدث معى كلما فكرت فى شخصية معروضة عليّ، أفكر فى التفاصيل وأتعايش مع الورق حتى تختمر الشخصية بداخلى،  وإذا حدث ذلك أطمئن إلى أننى سأقدم من خلالها جديدا وأوافق على الفور».

 

يضيف فتحى: هذا الأمر ينطبق على أى دور أيا كانت مساحته، فالمهمة واحدة فى كل الأحوال، الممثل يكون كالذى يخرج من بيته ليقيم فى بيت شخص آخر. يتعرف عليه من خلال الورق. يحمل على عاتقه أن يفكر بعقله ويتحرك بإرادته ويستقبل الأحداث بعينه هو، أى الشخصية التى سيجسدها. لهذا يتفادى أن يصوّر عملين فى نفس التوقيت، خصوصا فى الأيام الأولى لارتداء قميص الشخصية، حيث يحتاج الممثل إلى تركيز كامل مع تفاصيلها وأى ثغرة تنتج عن عدم التركيز سيلاحظها المشاهد، وهو ما يؤثر فى النهاية على القبول الجماهيرى للعمل، وحكم الناس على الممثل الذى يؤدى الشخصية. 

 

 

 

23 ساعة تصوير 

لم نصل الجزيرة بعد. أتوقف مع فتحى عبد الوهاب عند تكرار ظهوره كضيف شرف فى فيلم أو ضيف حلقة فى مسلسل، نتكلم عن فيلم «ثانية واحدة» ومسلسل «البحث عن علا»، فيرد فتحى بأن مفهوم ضيف الشرف تغير كثيرًا فى العقدين الأخيرين. أسترجع معه ظهوره اللافت فى الحلقة الأخيرة من مسلسل «ريا وسكينة»، وكيف أن هذا الظهور غيّر كثيرًا من مفهوم الضيف العابر إلى الضيف المؤثر الذى يحرك الدراما ويصل بها إلى نهاية تلبى توقعات الجمهور. يتذكر اليوم جيدا، كان يصوّر بطولة مع سهير البابلى فى «قلب حبيبة»، وكان خالد صالح هو المرشح الأول لشخصية وكيل النيابة سليمان بيه عزت فى «ريا وسكينة»، لكنه لأسباب صحية لم يلب النداء وذهب فتحى. كان التصوير على الهواء خلال شهر رمضان، دخل البلاتوه فى العاشرة مساء وخرج فى التاسعة من مساء اليوم التالى. 23 ساعة من التصوير، نام فى منتصفها فجأة وهو جالس أمام صلاح عبد الله والكاميرا تدور، تركه المخرج جمال عبد الحميد يكمل راحته، ليستيقظ ناطقا بالجملة التى كانت من المفترض أن يرد بها على «عم صلاح». هذه الحكاية ليست خارج سياق حوارنا، وإنما تؤكد كيف أن ضيف الشرف تغيّر كثيرا من ظهوره العابر إلى المؤثر لأن الممثل لم يعد يأتى إلى البلاتوه مجاملة أو سد خانة. فعلها عبد الوهاب الذى كان ظهوره مفاجئًا لجمهور المسلسل واسع الانتشار فى ذلك الوقت، ومن بعدها بات ظهوره لافتا أيا كانت مساحة الدور. على نفس النهج يقول إن ما جذبه فى «ثانية واحدة» و «البحث عن علا» هو تقديم شخصية جديدة تنال اهتمام الجمهور، وهو ما يظنه نجح فى تنفيذه. أسأله عكسيا، ما الذى يجعل المخرجون يفكرون فيه فى أدوار غير متوقعة، مثل طبيب مصاب بداء النسيان فى فيلم كوميدي؟ يرد فتحى عبد الوهاب بأنها ربما ميزة قدرية لا دخل له بها، تتلخص فى قدرته على أداء أى دور وخصوصا الشخصيات غير المتوقعة، دون أن يشعر متفرج واحد بأن ممثلا آخر كان سيكون أفضل.. ألا تكون أبداmiss cast  هذه نعمة كبيرة. 

 

تعبيرات الوجه المعبرة عن الشخصية
تعبيرات الوجه المعبرة عن الشخصية

 

حكاية الشيخ 

نرسو الآن على شاطئ «جزيرة غمام»، المكان المتخيل الذى تدور على أرضه أحداث وقعت قبل 100 عام وأكثر. يرى فتحى عبدالوهاب أن تصنيف العمل يحتاج إلى أن يتابع الجمهور المزيد من الحلقات، فالبعض قد يراه تاريخيا وآخرون قد يعتبرونه فلسفيا وفئة ثالثة قد تعتبره إسقاطا من الماضى على الحاضر..» ربما يكون تعدد الأوجه أول الأسباب التى شجعتنى على القبول بجانب رغبتى فى تكرار التعاون مع المخرج حسين المنباوى بعد (لمس أكتاف)، يضاف إلى ذلك بالطبع تفاصيل شخصية الشيخ محارب، الرجل الذى يصدق أنه ممثل الإله على الأرض، ويريد أن تسير كل الأمور كما يرى هو، شخصية عابرة للأزمان، تغرى أى ممثل بتقديمها، وحرصت على إطلاق لحيتى وعدم الاستعانة بالماكياج تأكيدًا للتعايش مع محارب، وهو ما يكمل ما تحدثنا فيه قبل قليل حول عدم تقديم شخصيتين فى نفس الوقت، وبالفعل اعتذرت عن أعمال أخرى بسبب (لحية) الشيخ محارب».

العمل مجددا مع طارق لطفى جعل الجمهور يعتبره امتدادا للنجاح فى «القاهرة كابول». يرفض فتحى عبد الوهاب هذا الاستنتاج، يقول إنه من الصعب تكوين فرقة تمثيل درامية أو سينمائية عكس المسرح، لكن بالتأكيد وجود طارق لطفى شجعه أيضًا على القبول، ومغامرة أحمد أمين فى تقديم شخصية تراجيدية يراها منطقية، فالممثل الكوميدى قادر على الأداء الدرامى،  عكس التراجيدى الذى قد لا يقبله الجمهور مضحكا. لكن بشكل عام لا يصنف الممثلون أنفسهم ضمن فرق متماسكة فهذا أمر ضد منطق العمل الفنى،  حتى وإن كان الجمهور يحب أن يرى مجموعة من الفنانين مع بعضهم البعض. ويعد فتحى عبد الوهاب الجمهور بمشاهدة مبارزات تمثيلية مميزة فى الحلقات المقبلة من المسلسل. 

اللعب مع الكبار

بخصوص مباريات التمثيل أسأله وأطلب إجابة بلا تواضع، فى «جزيرة غمام» مشاهد عدة مع نجوم كبار كعبد العزيز مخيون ورياض الخولى،  هل وصل فتحى عبد الوهاب إلى مستوى من الحرفية تجعل الوقوف أمام الكبار خاليا من الإضافات؟ يرد الشيخ محارب سريعا بأن الاستفادة من الكبار تستمر إلى ما لا نهاية، ويخطئ الممثل إذا ظن أنه وصل لمرحلة تشبع فنى وبات ناقلا للخبرة لا مستقبِلا لها، بل يزيد بأنه يستفيد حتى من المواهب الشابة التى دخلت المجال حديثا، حيث تحمل طاقة مختلفة تضيف لمن يريد أن يحافظ على مستواه صاعدا طوال الوقت. 

 

أبطال العمل فى جزيرة غمام
أبطال العمل فى جزيرة غمام

 

العمل التاريخى له صعوباته بالتأكيد، لكن فتحى عبدالوهاب يرى أن صعوبات أى عمل هى جزء من طبيعته ولا يفضل التعامل معاها باعتبارها عبئا غير موجود فى مهن أخرى. رغم ذلك يتوقف أمام الأجواء شديدة البرودة التى واجهت فريق العمل خلال أسابيع التصوير فى منطقة الزعفرانة، حيث مشاهد الجزيرة صورت فى تلك المنطقة التابعة لمحافظة البحر الأحمر. فى نفس الفترة التى كان سكان القاهرة يشتكون من البرد القارس، كان الفنانون هناك يصورون بعيدًا عن البلاتوهات المغلقة، قبل العودة مرة أخرى لمدينة الإنتاج الإعلامى حيث المشاهد الداخلية لـ «جزيرة غمام» التى يقودها دينيا الشيخ محارب، لنرى معه ماذا سيحدث للجزيرة وأهلها وما تمثله من إسقاطات حتى الحلقة الأخيرة.