الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

قراءة «البخارى» احتفالاً.. وحكاية «والى عباسى» اشتغل «مسحراتى»

توارث المصريون عادات رمضانية فريدة، تشكّلت من تراكمات العصور، ترصد مجلة صباح الخير أهم هذه العادات، وأصولها. يتميّز شهر رمضان فى مصر منذ عصور بعيدة بإقامة الولائم، وموائد الرحمن، للعامة والخواص على السواء. وعُرفت موائد الرحمن قديمًا بـ«الأسمطة» وهى ميزة ينفرد بها المصريون عن جميع الدول العربية. 



 

وخصص الولاة الفاطميون قاعة داخل القصر الملكى تُسمّى بـ «قاعة الذهب»، لإعداد «سُماط رمضان» والعيدين للأمراء، وكبار موظفى الدولة، فيما أقيمت أسمطة العامة بالجامع الأزهر.

وكانت تبلغ تكلفة أسمطة شهر رمضان نحو 3 آلاف دينار، يتم  صرفها من ديوان الخليفة.

وأنشأ المعز لدين الله الفاطمي- وقيل العزيز بالله- دارًا سمَّاها «دار الفطرة» خُصصت لصنع أنواع الحلوى المشهورة وقتها، مثل «الخشكنانج، البسندود، الفانيذ»، إضافة إلى الكعك، التمر، والبندق؛ حيث يقوم السلطان بتوزيع الحلوى فى النصف الثانى من رمضان، على الناس بقدر منازلهم.

وأمر الخليفة الفاطمى الآمر بأحكام الله بمضاعفة ما هو مُستقرٌّ للمقرئين والمؤذنين فى كل ليلة من السحور فى ليلة ختام الشهر. ويُذكر أنه سنة 745 هـ؛ استاء الناس من قرار الْوَزير منجك بإلغاء سماط رمضان والْعِيد. 

تقاليد السلاطين

كان للسلاطين عادات رمضانية مميزة، مثل إقامة الموائد، وإحياء الليالى الرمضانية يوميًّا بالقصر، والتصدق على الفقراء، والخروج فى اليوم الأول من شهر رمضان فى الركب.

وذات يوم؛ رأى أحمد بن طولون، مؤسس الدولة الطولونية، الصُّنّاع يبنون فى جامعه عند العشاء فى شهر رمضان؛ فسأل مُستنكرًا: متى يشترى هؤلاء الضعفاء إفطارًا لأولادهم؟!. وأمر بصرفهم العصر؛ فصارت سُنّة من بعده.

وذكر المسبحيّ أن الخليفة الفاطمى العزيز بالله، أول من عمل مائدة إفطار للعامة فى الجامع العتيق- عمرو بن العاص-، كما خصص أطعمة للبسطاء والفقراء بجامع القاهرة- الأزهر-.

وأشار إلى واقعة خروج العزيز فى يوم غرّة رمضان سنة 380 هـ، إلى جامع القاهرة وبين يديه نحو خمسة آلاف من الناس؛ فخطب وصلّى صلاة الجمعة معهم.

واعتاد يعقوب بن يوسف بن كلّس، وزير الخليفة الفاطمى العزيز بالله، إقامة الأطعمة للفقهاء، ووجوه الناس، وأهل الستر والتعفّف، والفقراء فى شهر رمضان، وكان إذا فرغوا من الأكل معه؛ يُطاف عليهم بالطّيب.

وكان الملك الظاهر بيبرس يُطعم فِى كل لَيْلَة من ليَالِى رَمَضَان خَمْسَة آلَاف نفس، ويعتق رقاب ثَلَاثِينَ من مماليكه، كما كان من عادته الخروج بصحبة خواصه وجميع الأمراء فى بعض أيام رمضان، واللعب بالقبق ورمى النشاب (السهم) والرماح وسط حشود غفيرة من العامة.

وأمر السلطان الملك المؤيد شيخ المحمودى، فى رمضان 819 هـ، بذبح عدَّة أبقار فِى أحياء مُتعَدِّدَة، وتفريق لَحمهَا كَمَا كَانَت عَادَة الْملك الظَّاهِر برقوق.

وكان من عادة الملك المؤيّد شيخ التقشف، التضرع إلى الله فى رمضان؛ حيث أمر يوم 15 رمضان من سنة 822 هـ؛ أن ينادى فِى النَّاس، والْعلمَاء، وَالْفُقَهَاء، ومشايخ الصوفية بالمضى إِلَى الصَّحرَاء من أجل التضرع لله لإنزال المطر.

ولبى الجميع دعوة السلطان، ووفدوا الصحراء قَرِيبًا من قبَّة النَّصْر - مكان الأوتوستراد الآن-، وَمَعَهُمْ الْأَعْلَام والمصاحف؛ فَنزل السُّلْطَان عَن فرسه، وَبسط يَدَيْهِ، ودعا الله وَهُوَ يبكى وينتحب، وَذبح بِيَدِهِ الكثير من الماشية.

وفى أيام الناصر محمد بن قلاوون بلغت مخصصات السُّكّر ألف قنطار فى الشهر الكريم، ثم تزايد حتى بلغ فى شهر رمضان سنة 745 هـ، ثلاثة آلاف قنطار، وكانت مخصصات الدور السلطانية فى كل يوم من أيام شهر رمضان ستين قنطارًا من الحلوى.

وجرت عادة السلاطين قضاء شهر رمضان بمقر الحكم، سواء فى القصر الملكى إبان الفاطميين، أو بقصر قلعة الجبل منذ دولة الأيوبيين حتى المماليك، فيما اعتاد بعض سلاطين المماليك من أولاد وأحفاد السلطان قلاوون صيام رمضان بسرحة أو عزبة «سرياقوس». 

وأنشأ الملك ناصر الدين محمد بن قلاوون سرحة «سرياقوس» فى عام 725 هـ، لتكون منتجعًا، ومركزًا روحيًا له وخواصه، وتتبع تلك القرية فى الوقت الحالى مركز الخانكة بالقليوبية. 

وفى سنة 749هـ؛ غادر السلطان الناصر بدر الدين وخواصه للقاهرة إلى سرياقوس بعد انتشار الوباء بمصر.

وعن أحوال هذا العام، يقول «المقريزى»: «كَانَت الْعَادة إِذا خرج السُّلْطَان إِلَى سرحة سرياقوس، يقلق النَّاس من كَثْرَة الحدأة والغربان وتحليقها على مَا هُنَاكَ من اللحوم الْكَثِيرَة، فَلم يُشَاهد مِنْهَا شَيْء مُدَّة شهر رَمَضَان وَالسُّلْطَان هُنَاكَ لفنائها بسبب الوباء». وفى سنة 751 هـ، غيّر السُّلطان وجهته هذه المرة، وتوجّه إِلَى بر الجيزة ليتم صَوْم شهر رَمَضَان بهَا. 

من العادات أو المراسم الدينية، التى اشتهرت فى العصر المملوكى خلال شهر رمضان، هى قراءة صحيح البُخارى داخل مقر الحكم بقلعة الجبل.   

وسنَّ هذا العُرف الملك الأشرف زين الدين شعبان بن حسن بن محمد بن قلاوون، الذى خصص مجلسًا لقراءة البُخارى، فى سنة 775 هـ، وتوارثه السلاطين من بعده إلى نهاية العصر المملوكى. 

وتكوّن من قضاة المذاهب الأربعة والفقهاء والأعيان ورجال الدولة وعلى رأسهم السلطان، وعُيّن لهذا المجلس قارئ، ويُختم هذا المجلس فى نهاية شهر رمضان من كل عام.

وأمر الملك الأشرف بقِرَاءَة كتاب صَحِيح البُخَارِيّ عِنْده بِالْقصرِ من قلعة الْجَبَل يوميًا خلال شهر رَمَضَان من العام نفسه، تبرُّكًا بقرَاءَته لما نزل بِالنَّاسِ من الغلاء؛ وتناوب قِرَاءَته شهَاب الدّين أَحْمد بن العريانى، وزين الدّين عبد الرَّحِيم الْعِرَاقِيّ. 

وفى رمضان سنة 783 هـ؛ قُرئَ صَحِيح البُخَارِيّ فى عهد الملك المنصور، كما خُتم فى 23 رمضان من سنة 841 هـ؛ بَين يدى السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف سيف الدّين برسباى.