السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

فيلسوف البارانويا والتشاؤم

فى مثل هذه الأيام عام 1788 ميلاد واحد من أهم الفلاسفة فى العالم وهو آرثر شوبنهاور.



شوبنهاور هو أكثر الفلاسفة تشاؤمًا على الإطلاق، لكنه رغم ذلك أثرت فلسفته فى تكوين عدد كبير من الفلاسفة والعلماء أمثال نيتشهو فرويد, تشاؤم شوبنهاور طفولى.. أوله أسباب فى طفولته هو نفسه قال إنه لم يستطع التغلب عليها لمّا كبر، وكانت والدته السبب الرئيسى فيها!

 

 

 

«عزيزى أرثر.. لماذا كان لصوتى تأثير ضئيل عليك.. إن ما تريده الآن كان آنذاك أشد أمنياتى، فكم بذلت من جهد حتى تتحقق بالرغم عن كل ما قيل ضدى، لكن والدموع تترقرق فى عينى فأنا أتوسل إليك لا تخدع نفسك، عامل نفسك بصدق، إن سعادة حياتك مهددة بالضياع».

كانت هذه كلمات چوانا والدة شوبنهاور فى واحدة من رسائل قبل فترة فتور فى العلاقة مع ابنها.

فى الرسالة حاولت الأم أن تتحدث إليه ليغير من نفسه ومن طباعه وأن يبحث عن عمل ليكسب منه على الرغم من ميراثه الكبير، لكن أرثر ترك كل شىء.. وظل يسعى لأن يكون كاتبًا مشهورًا، فأصبح فيلسوفًا!

ابن الأثرياء

وُُلد آرثر شوبنهاور فى ألمانيا، والداه كانا من أثرياء المدينة، والده التاجر الكبير هاينرش فلورس ووالدته جواناشو بنهاور.

لذلك تربى بشكل أرستقراطى وتلقى تعليمًا جيدًا وفيما كان والده أبًا مكتشفًا يسافر به كل أوروبا فى محاولة لتعليمه أصول التجارة كى يصبح مثله، رغم عدم رغبة الطفل ومقاومته إلا أنه انصاع حتى كره حياته لوجوده فى عمل لا يحبه.. وظل الحال على ما هو عليه حتى توفى والده عام 1805، وكان أرثر فى السابعة عشرة.

إشكالية حياة شوبنهاور أنه تأثر كثيرًا بوالده الذى كان منطويًا ومكتئبًا معظم الوقت.

 

 

 

وعدد كبير من عائلته كان تعانى نفس المعاناة، فورث أرثر عن والده الميل للانطوائية والنظرة السوداوية ورغم أن النظرة المأساوية مؤلمة لصاحبها إلا أنها كانت ندرة فلسفة جديدة لأرثر شوبنهاور.. ليس كل ماضيها جيدًا.

فيما يبدو وكان والده متحكمًا ليس فقط فى مصير ابنه ولكن فى مصير زوجته جوانا التى ما لبث أن مات زوجها حتى سافرت لبلدة أخرى مع ابنتها واستغلت ميراثها لتأسيس صالون أدبى وثقافى كبير.

بدأت الأم فى كتابة الرواية والمقالات ودعوة العديد من الكتّاب أبرزهم «جوته» لصالونها.

كانت بداية غضب شوبنهاور وكانت مناقشتهما سويًا نقطة انطلاقه لعالم الفكر والفلسفة.

بدأ التوتر فى علاقة شوبنهاور بأمه فى وقت مبكر قال مرة: «لم تكن تفهمنى جيدًا»، وقالت الدراسات لم تكن تحتوى  طباعه وكانت دائمًا ما توبخه وتنتقد شخصيته.

فى إحدى الرسائل كتبت الوالدة: «أنت شخص لا يُطاق وعبء كبير، العيش معك صعب، إن تصلفك يغطى جميع محاسنك، وتصبح محاسنك تافهة لأنك لا تستطيع كبح نزعتك تجاه انتقاد الآخرين وإظهار سلبياتهم».

أثرت النشأة القاسية لشوبنهاور فى تكوينه الفكرى وانعكست عليه فى أمرين هما «المرأة والحب» تمامًا، وانعكست إرادته على نظرته للعالم كله والقضايا المتعلقة بالإنسان كالسعادة  والتفكير وطريقة العيش وعلاقة الفرد بالأفراد من حوله.

تأسّس مذهب شوبنهاور الفلسفى على أن الإرادة جوهر وحيد للوجود فى العالم المادى.

وكان كتابه «العالم إرادة وفكرة» خلاصة أفكاره التى لخصها فى أن الإنسان هو وكيل الطبيعة التى تُخضع الإنسان مَهما تخيل هو إنه حر أو مخير.

بعد فترة اتجه شوبنهاور للأفكار البوذية ورأى فيها دعمًا لأفكاره التى تتجه نحو العزلة عن العالم وتجنب الناس والسعى للزهد والتقشف.

ومن مواقفه الحياتية التى جعلته يرسخ هذا الفكر كان إحساسه الدائم بالظلم والكراهية من الآخرين فى نزعات بارانويا ظاهرة.. لذلك هاجم كل فلاسفة المثالية تحديدًا هيجل الذى كان يعاصره وكان يتحداه بأن يجعل محاضراته فى الجامعة فى نفس توقيت محاضرات هيجل.

السبب أن الطلاب فى كل مرة كانوا ينصرفون لهيجل تاركين محاضرات شوبنهاور.

كما تحيز الكثير من لجان التحكيم التى كانت تمنح الجوائز عن الكتابات والفلسفة لهيجل لأن شوبنهاور كان شديدًا فى نقد الآخرين.

اعتزل شوبنهاور الناس وعزاؤه الوحيد اعتقاده بأن عالمه أضيق فى الفكر من أن يفهم ما يكتبه.

سيطرت على ذهنه مزيد من أفكار تقول الأجيال القادمة هى من سيعرفون بقيمته كفيلسوف.

واستكمل شوبنهاور حياته فى الترسيخ لفكرة بؤس العالم بلا سبب، لكنه أسس لأفكار بوهيمية سار عليها بعض الشباب فيما بعد تقول أن على كل إنسان أن يفهم العالم مهزلة كبرى ويكف عن التزاوج حتى تفنى البشرية!

 

 

 

قال شوبنهاور أنه لا شىء اسمه الحب، فيما عاد بعد ذلك فترة من حياته للمادة لتعدد الزوجات فيخلص المجتمع من السيدات وتحويلهن لربات بيوت باعتبار المرأة منبع الشرور.

وصنف احتياجات الإنسان مؤكدًا أن البنى آدم لا بُد أن يكتفى بالطعام والشراب ويزهد فى باقى الاحتياجات أولها الحب والشهرة والمال لأن كلها عوامل تجلب الألم، وأن كل محاولات الإنسان للوصول للسعادة غباء ومن الحمق محاولة تحويل المكان للنزهة!

فلسفة شوبنهاور التى أثرت فى بعض أجيال أوروبا الجديدة كانت مزيجًا من قسوة وعدم قدرة على التفاهم لكنه كان دائمًا ما يتهم المحيطين بأنهم هم الذين لم يحاولوا فهمه أو التعايش معه.

لم تبدأ شهرة شوبنهاور إلا فى العقد الأخير من عمره، لكن ذلك لم يفرحه على أساس أن الوقت قد تأخر كثيرًا كما قال، أما طريقة رحيله فكانت شديدة الدراما؛ حيث كان يقطن أحد الفنادق وحين أنهى إفطاره ظل جالسًا لا يتحرك ولما جاءت إليه صاحبة الفندق وجدته قد مات.

مات حتى حانقًا على الموت.