عندما يقدس الرجل العزوبية ؟!

مصطفى عرام
لا تمنح الحياة الرجل الأربعينى فرصة التقاط الأنفاس بعد الطلاق فى حالة وجود أطفال ثمرة زواجه السابق.
فهو إما معذب بالبحث عن حقه فى الرؤية، وإما مُلاحق من باحثة عن نفقتها وأطفالها ومتعتها، أو الباحثة عن حقها فى رؤية أطفالها إذا حُرمت منهم. وبين هذين الصنفين من الرجال، هناك فئة ثالثة تتعرض لضرر من نوع مختلف، وهم المطلقون من دون أطفال.
يظن البعض أن الرجل المطلق بلا أطفال، قادر على استئناف حياة العزوبية بكل أريحية لأنه حر نفسه وقادر على الزواج متى شاء. صحيح هناك جانب من الواقع فى هذا، لكن مؤكد أن هناك جوانب أخرى مظلمة لا يشعر بها من حوله والأصدقاء وحتى أسرته.
العامل النفسى
عند المرور بمواقف صعبة فى الحياة، تنتاب المرء حالة من الحزن والتأثر، خصوصًا لو كانت تجربة فشلت بعد حب.
الأمر ليس مقصورًا على المرأة فقط، فالرجل أيضا يتأثر وبعض الرجال دخلوا حالة مرضية «نفسية»، بسبب عدم نجاحهم فى تجاوز الموقف.
لدى بعضهم كان سبب الطلاق تغير مشاعر الزوجة ما تسبب فى صدمة أدت بالبعض للوقوع فى فخ عديد من الوساوس ونوع من «الوساوس» وانعدام الثقة، وسيطرة «الشك» نحو الجنس الآخر.
فى النهاية كانت ملامح خوف من أى علاقة جديدة.. وبدء حياة زوجية من جديد.
هناك من رفضوا بشكل قطعى المحاولة مرة أخرى، خصوصًا بعد تأثرهم ماديًا، فأصبحت الصورة الراسخة لديهم أن الزواج «صفقة خاسرة»، وأن العزوبية أفضل لأنها بلا مسئوليات.
التشكيك ومستوياته
فى المقابل، مؤكد هناك من المطلقين «الأربعينيين»، لديهم القوة النفسية والثقة فى إمكانية البدء مرة أخرى، والواحد من هؤلاء يبدأ البحث عن إنسانة تتوافق معه وترضى بكونه مطلِقا.
لكن البعض يغير طريقة الاختيار.. فإذا كانت زيجته الأول «صالونات»، فهو يتجنبه ويعتمد على نفسه فى الاختيار فى المحاولة الجديدة، والعكس صحيح.
وينجح الكثيرون فى مقابلة التى ترضى به زوجًا، لكن غالبا ما تكون الصدمة المعتادة فى مفاتحة الفتاة لأهلها ليأتى الرد بـ «الرفض» «إزاى تتجوزى واحد مطلق»؟!
بعض الأسر تتطرق لمستوى آخر من الرفض والتشكيك فى عريس سبق له الزواج وتلميحات من بعيد لقدرته الجنسية قبل أن تنهال النصائح للعروسة بأنها «ليست مضطرة لخوض التجربة»!

قطار العمر
مع تكرار محاولات زواج الأربعينى مرة ثانية ينجح البعض خصوصًا مع معرفة مسبقة بين الأسرتين، وتساهم محاولات الأمهات جاهدة للبحث عن عروسة لابنها قبل أن يمر «قطار العمر»، هذا بالنسبة لمن لاتزال والدته على قيد الحياة، فيما لا ينجح آخرون.. فيفضلون عدم تكرار التجربة.
حتى هؤلاء، يتعرض كثيرون منهم لضغوط من نوع آخر، أولها الشروط المبالغ فيها، أشبه بالتعجيز والتى يعتقد بها أهل «العروس» إنهم يؤمنون حياة ابنتهم الزوجية.
بعض الشروط «الشقة باسمها أولا»، أو اشتراط منطقة سكنية محددة، أو ذهب بقيمة لا يطيقها ابن الحلال، أو نوع من الرقابة والتحكم فى حياة الزوجين من أهل الزوجة.
عايشت تجربة لأحد الأقارب، كان والد الزوجة يتابع فيها أدق تفاصيل الحياة الزوجية على رأسها المصاريف، بل يدلى الوالد برأيه، الذى يجب تنفيذه، وإذا اعترض الزوج على التدخل يكون التهديد بالطلاق الحل والشقة من حق الزوجة!
بالفعل، وقع الطلاق، رغم رغبة الزوجة فى مواصلة الحياة لكن إرادتها وقرارها كانا أضعف من أن تعترض على قرار والدها، خصوصا أنها لم تنجب.
وبالتالى أصبح الأربعينى مطلقًا للمرة الثانية، لكنه لم يكن متأثرا فى المرة الأولى، استطاع تجاوز الأثر النفسى سريعا، لكن مشكلته الحقيقية كانت فى الشائعات، التى تداولها الأهل والجيران والمعارف عن أسباب الطلاق الثانى.
أضفى هؤلاء بعضًا من لمساتهم، حتى وصلت إلى مسامعه.
لذلك دخل فى حالة اكتئاب كادت تقضى عليه، وما كان له أن يخرج منها لولا مؤازرة الأصدقاء.
ولما سألوه بعد فترة عن رغبته فى الزواج للمرة الثالثة، فكان الرد جاهزا «مستحيل أعملها تانی».
رغبة الأسرة
يبقى الشعور بمرور سنوات العمر، والرغبة فى تكوين أسرة، والأمنيات فى طفل يمنح «الأبوة» حلما ودافعا لكل أربعينى للبحث عن زوجة.
هو رسميا مطلق، لكنه بحكم العرف الدارج «عازب»، والشعور بمرور الوقت غالبا ما يكون لديه أسرع نسبيا من أقرانه، الذين يزيدون من شعوره هذا بجملة «إلحق اتجوز وهاتلك حتة عيل.. العمر بيجرى».
هذه الكلمات تمثل طعنات متتالية فى أحيان كثيرة لذلك يهرب من سماعها الكثيرون.
ورغم أن الأربعينى العازب قد يكون محسودًا من أقرانه على حياة بلا مسئوليات، لكنه يبقى فى الوقت نفسه أكثرهم تقديرا للحياة الأسرية والاستقرار، لكن تظل على لسان بعضهم: «ما حدش بيهرب من قدره»!
يتحايل بعض المقربين من «المطلق الأربعينى بحيل مختلفة لإقناعه بالزواج مرة أخرى، أشهرها عزومات الأفراح والخطوبة.
وللعلم فمثلها تستمع الفتيات فى هذه المناسبات لعبارات من نوعية «عقبال ما نفرح بيكى».. يستمع الأربعينى أيضا إلى عبارات «ما تشد حيلك بقى»، هو ما فيش حد عاجبك»، البنات كتير أهيه قدامك.. بس أنت أنوى»، مش أنت عندك شقتك.. خلاص سهلة.. مش فاضل غير العروسة».
كلها عبارات ضاغطة يتهرب من سماعها بينما ينجح بعضهم فى مواجهة هذا السيل الشديد بجملة: «أنا جاهز.. بس فين العروسة»!
تقديس العزوبية
تظل لتجربة الطلاق بعد زواج أول بعض الميزات.. فرغم معاناة كثير من المطلقين، فإن آخرين يكونون أكثر تحديدا عما يريدون فى زوجة المستقبل، وأكثر قدرة على التعبير عن مشاعرهم، وربما أكثر فهمًا لما يعجب المرأة أو لا يعجبها.
الرجل من هؤلاء لن يتردد فى التعبير عن مشاعره بسهولة إذا أحس أنه وجد الفتاة المناسبة، خصوصًا فى ظل ملاحظة نجاح عدد كبير من الزيجات التى تمت بين رجل أربعينى وفتاة تصغره بفارق يتراوح بين 5 و15 عامًا، وأهم سبب هو قدرته على احتوائها وأنه أكثر فهمًا واستيعابًا لتمردها أحيانًا.
وفى حالة غياب ضغوط الأهل على «الأربعينى المطلق» للإسراع بالزواج للمرة الثانية، فإنه يعيش العزوبية بنوع من التقديس، يركز فى عمله همه الأول، ويرى فى العازب الذى لم يسبق له الزواج فاقدًا للكثير من المهارات لإدارة الحياة بشكل ناجح.
الأربعينى السنجل تصبح لديه القدرة على إدارة حياته بشكل منظم فتجبره الدنيا على إدارة جميع التفاصيل والمسئوليات المنزلية، وكلها أمور ليست مستغربة، حيث يصبح الأربعينى أقل اعتمادية.
لأسباب كثيرة فإن كثيرا من الأربعينين السناجل لا يتنازلون عن عزوبيتهم، أغلبهم يعتبرها مكتسبًا لا تفريط فيه، ويستأنف «حياة العزوبية» التى لم يكن يدرك قيمتها قبل الزواج، وإذا قدر له الزواج مرة ثانية، فإنه يفضل أن تكون زيجته الأخيرة.
لكن من يضمن؟! لا أحد، فالزواج نصيب، لكن الطلاق قرار له أسبابه!