الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

«حياة كريمة» تواجه «الزواج المبكر» وتسرب التعليم

اهتمام جديد من الدولة بالتصدى لأشكال العنف ضد الأطفال وحملة قومية لمنع التسرب من التعليم
اهتمام جديد من الدولة بالتصدى لأشكال العنف ضد الأطفال وحملة قومية لمنع التسرب من التعليم

دقت إحصائية  لوزارة التربية والتعليم عام 2021، جرس الإنذار بشأن تسرب البنين والبنات من المراحل التعليمية المختلفة؛ حيث بلغت نسبة المتسربين من التعليم 0.87 % منهم 1.10 % إناثًا و0.66 % ذكورًا.



خطورة تسرب الفتيات من التعليم تكمن فى عدة أسباب على رأسها الزواج المبكر الذى تتصدى له الدولة فى ضوء أهداف استراتيجية «بناء الإنسان» المصري، ورؤية مصر 2030، عبر تكاتف كافة الجهات المعنية فى دور تكاملى للوزارات والهيئات الشريكة ومنظمات المجتمع المدني، مرتكزة على تحقيق أهداف الخطة القومية فى إطار استراتيجية استدامة التنمية، التى اختصت «التعليم والصحة» كأولوية، لما يمثلانه من آثار إيجابية وسريعة، لاستيفائهما متطلبات الحياة الأساسية للأطفال والشباب والحفاظ على قوام الأسرة المصرية.

 

ويمثل دور الرائدات الريفيات فى توعية الأسر، دورًا مهمًا عبر تنظيم  الزيارات المنزلية، ورصد البيانات الخاصة باتجاهات وسلوكيات الأسر؛ حيث يتم تسجيلها فى قاعدة بيانات موحدة لمتابعة تغيير المعارف والسلوكيات نحو الوضع المأمول.

ونتيجة لاهتمام الرئيس عبدالفتاح السيسى بملف الطفولة فى مصر، وحرصه على إنفاذ حقوق الطفل فى البقاء والنماء والمشاركة، والتصدى لمحور مهم وهو أشكال العنف ضد الأطفال،  والتى  منها  «الزواج المبكر»، فتمثلت جهود الحكومة فى وزارة التربية والتعليم، والارتقاء بتطوير المنظومة  التعليمية، مع وضع خطة لإدارة واكتشاف وعلاج التعثر فى التعليم، ومنع التسرب منه. وتتبنى مبادرة «حياة كريمة» ضمن أهدافها التوعية بأهمية منع التسرب من خلال إنشاء 14 ألف فصل، ورفع كفاءة 25 % من المدارس المتهالكة، وخفض معدلات كثافة الفصول، ومتابعة تنفيذ المكون الثانى من الاتفاقية المبرمة مع دولة اليابان بعدد 100 مدرسة حكومية بمدارس حياة كريمة، ومتابعة البرامج العلاجية للطلاب ضعاف التحصيل والمتسربين، ورفع الوعى البيئى بالقرى الفقيرة، وإقامة ندوات لتحسين مستوى المعيشة، وتجهيز نوادى علوم مصغرة داخل مدارس القرى، والتشجيع على إنشاء مدارس التعليم المجتمعي، التى تساهم فى إتاحة الفرصة لتعليم الأطفال المتسربين بالتعاون مع الجمعيات الأهلية.

 

زيادة الوعى لدى فئات المجتمع بندوات تثقيفية
زيادة الوعى لدى فئات المجتمع بندوات تثقيفية

 

وربطت وزارة التضامن فى إطار العمل على التوجيهات الرئاسية وتوفير «حياة كريمة» للمواطنين، الدعم النقدى «تكافل وكرامة» بمشروطية الرعاية الصحية للأم والطفل، بالإضافة إلى عدم تزويج للفتيات دون السن القانونية.  أى أنه فى حالة زواج الفتاة قبل عمر 18 عامًا، يتم وقف الدعم النقدى «تكافل وكرامة» لهذه الأسرة، والذى يتطلب توافر 3 شروط لاستمراره.

 الأول «التعليم» وهو يلزم حضور الأبناء للدراسة بنسبة 80 %، والثانى زيارة الأم والأطفال للوحدة الصحية مرة كل 3 أشهر.  والثالث عدم تزويج الفتيات مبكرًا، لحماية الفتاة المصرية من التداعيات الصحية والاجتماعية والاقتصادية وعلى أطفالها، مؤكدة على محاسبة المأذون، والأسرة سواء كان الأب أو زوج الفتاة، فى حال اكتشاف الزواج المبكر، وذلك وفقًا للقانون الذى يجرم هذا الزواج، حيث يندرج تحت بند الاتجار بالبشر أو زواج الصفقة

مواجهة التحديات

فى دراسة للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، استهدفت التعرف على مدى انتشار الزواج المبكر فى الفئة العمرية من 10 إلى 17 عامًا، ظهر أن عدد من سبق لهم الزواج يبلغ أكثر من 117 ألفًا بنسبة 0.8 % من جملة السكان فى هذه الفئة العمرية، وبلغت نسبة الأمية بين هذه الفئة إلى 40 %، كما أن نسبة التسرب من التعليم بينهم مرتفعة أيضا حيث تبلغ 36 %.  وأوضحت الدراسة أن أهم الأسباب الرئيسية للتسرب يرجع إلى الزواج المبكر، خاصة بين الفتيات بنسبة 25 %.

تقول الدكتورة بثينة عبدالرؤوف، الخبيرة التربوية، إن هناك الكثير من الأسباب التى تؤدى إلى الزواج المبكر، وفى الماضى كان رأس القائمة انخفاض مستوى معيشة الأسر، وخاصة الريف ومدن الصعيد، وبعض الأماكن فى الحضر.

مشيرة إلى أن أكثر المراحل التى تتوقف الفتيات فيها عن التعليم هى مرحلة ما بعد التعليم الأساسى «الثانوي».

وربطت بثينة بين التسرب من التعليم وزواج القاصرات، مشيرة إلى أن فكرة الزواج فى مرحلتى التعليم الأساسى «الابتدائى والإعدادي»، انخفضت بنسب كبيرة نتيجة لجهود الدولة، فى ملف التسرب من التعليم، وانخفاض نسب التسرب فى تلك المرحلة، وما زالت  هناك تحديات فى كيفية إتمام الفتيات مراحل تعليمهن.

وأشارت عبدالرؤوف، إلى أن اقتران انخفاض المستوى الاجتماعى للأسرة، مع وجود بيئة محيطة غير داعمة للتعليم، يؤدى إلى ارتفاع نسبة التسرب، وخاصة للفتيات اللاتى تخطين 15 عامًا، موضحة أن التسرب من التعليم، لا يؤثر على سير العملية التعليمية فقط أو التحصيل الدراسي؛ ولكن يمتد إلى جوانب التنمية بصفة عامة، والزيادة السكانية، وعلى وعى أجيال المستقبل.

وأكدت على أهمية  الدعم الذى توجهه الدولة للأسر الأكثر احتياجًا، مشيرة إلى أن ارتفاع تكلفة التعليم، إلى جانب الدروس الخصوصية، يعد أحد العوامل التى تضع الأسر فى تفضيل الذكور على الإناث لإتمام مراحل التعليم، باعتبار أنهم سيصبحون أرباب أسر يتحملون المسئولية، ويصبح مصير الفتيات الزواج وخاصة فى المناطق الريفية والمهمشة.

أطفال مصر 

ربط الدكتور عمرو حسن، مقرر المجلس القومى للسكان سابقًا، أستاذ مساعد النساء والتوليد بكلية الطب جامعة القاهرة، بين الاهتمام الرئاسى وإجراءات الدولة غير المسبوقة فيما يتعلق بقضية الزيادة السكانية وانعكاسها على التنمية، وكيف أنها تمثل عبئًا كبيرًا على الاقتصاد، وقال د.عمرو حسن لـ«صباح الخير»،  جهود الدولة بدأت فى تجفيف أحد روافد الزيادة المتسارعة بالحد من العوامل المساعدة، حيث أن التداخل بين ظاهرتى التسرب من التعليم والزواج المبكر للأطفال، وصل إلى أن كلًا منهما بات سببًا ونتيجة للآخر، ويضاف إليهما عمالة الأطفال، وأضاف أن الفتاة أو الشاب اللذين ينقطعان عن التعليم، يتجهان إما للعمل أو الزواج، ويعتبر الحصول على المال فى سن صغيرة يجعل الطفل لا يدرك أهمية التعليم لحصوله على المال بدونه، فيؤدى ذلك إلى هجرة صفوف الدراسة، ثم الزواج المبكر.

وأضاف.. بعد الزواج يبدأ إنجاب الأطفال فى سن مبكرة، ومن ثم زيادة معدلات الإنجاب حيث ارتفاع فرص الخصوبة، ولذلك فإن الزواج المبكر من الظواهر التى تعيق التنمية، حيث يزيد من أعباء الفقر، والضغوط المجتمعية، ويصعب الاستقرار الأسرى، وتظهر مشكلات أخرى مثل زيادة معدلات الطلاق، وأطفال الشوارع، وتصبح سلسلة متشابكة تجهض قوة الدولة الاقتصادية، و تلتهم ثمار التنمية. وأضاف «حسن»، ما زالت هناك قطاعات من الشعب المصري، تحمل من الموروث الثقافى الخاطئ، ما يجعلها ترى عدم الجدوى من التعليم وخاصة للفتيات، وأشار إلى أن نسبة الإناث المتزوجات فى العمر من 15 إلى 19 عاما بلغت 14.4 %، وتزداد أعدادهن فى المناطق الريفية، وهن من بين ذوات المستوى التعليمى والاقتصادى المنخفض.

 ولمواجهة تلك التحديات، قال مقرر المجلس القومى للسكان سابقا، إن الدولة تعمل على تغيير البيئة الثقافية، وزيادة الوعى لدى بعض الفئات فى المجتمع، والتى تتعامل مع هذه المشكلات باعتبارها جزءًا من عاداتهم وتقاليدهم،  توعية الأسر بضرورة تعليم الأبناء ومنع تسربهم من التعليم لغرض الزواج المبكر أساسى  مع تفعيل العقوبات التى أقرها البرلمان المصرى فى هذا الشأن فى خطوة شديدة الإيجابية وخاصة عقوبة تأخير تسجيل الأطفال الذى ييسر متابعة   المتسربين، وبالتالى تجفيف أحد أهم روافد الزيادة السكانية.

 

مشهد من مسرحية توعوية فى القرى
مشهد من مسرحية توعوية فى القرى

 

حكومة وبرلمان

وسبق وأكد  الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم، والتعليم الفني، أن التوجيهات الرئاسية مستمرة لترشيد الدعم الحكومى ليذهب لمستحقيه، ومنع ظواهر سلبية داخل المجتمع مثل زواج الأطفال، والتسرب من التعليم، مشيرًا إلى مناقشة التعديلات التشريعية للقضاء على هاتين الظاهرتين، وأكد على إلزامية التعليم الأساسى لتخريج جيل أفضل للمستقبل، ولذلك ما زال هناك نقاش بين وزارة التربية والتعليم، ولجنة التعليم بالبرلمان، للتنسيق ودراسة كافة مشكلات العملية التعليمية،   تضافر الجهود المختلفة لتذليل التحديات بشكل جذري. 

 من جانبه، أوضح أحمد مهنى، عضو لجنة القوى العاملة بمجلس النواب، أن الاهتمام بحقوق الطفل يأتى على رأس أولويات أجندة القيادة السياسية،  التى تقدم كافة سبل الدعم للطفل، مشيرًا إلى أنه لا بُد من التفريق بين ظاهرتى التسرب والغياب من المدارس، عند تطبيق قوانين عقوبات الانقطاع عن المدرسة، مؤكدا على أن ذلك يساعد فى القضاء على ظاهرة تؤثر بالسلب على مستوى ثقافة الطفل، 

ونص قانون التعليم الخاضع لمناقشات التعديل بالبرلمان على  زيادة غرامة ولى أمر الطفل من 10 إلى 500 جنيه كحد أدنى، و1000 جنيه كحد أقصى، إذا انقطع الطفل دون عذر مقبول عن الحضور إلى المدرسة، كما أن المخالفة تتكرر وتتعدد العقوبة باستمرار تخلف الطفل عن الحضور، بعد إنذار ولى أمره، ويجوز تعليق استفادة المحكوم عليه من الخدمات، أو الاستفادة من الخدمات الحكومية، والهيئات العامة، ووحدات قطاع الأعمال العام، وخدمات المرافق العامة، كلها أو بعضها، بناء على دراسة الحالة حتى عودة الطفل إلى المدرسة.