الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
هاملت بين شكسبير ومهران

إستراحة مشاهد

هاملت بين شكسبير ومهران

إذا كتبت فى خانة البحث بموقع جوجل تسأل عن أشهر مسرحية فى التاريخ، ستذهب معظم الإجابات إلى «هاملت.. أمير الدانمرك» للشاعر الإنجليزى الأشهر وليام شكسبير، حتى قبل جوجل اعتبر نقاد كُثر المسرحية تستحق هذه المكانة، بالتالى عندما يعود اسم هاملت من جديد إلى خشبة المسرح المصرى فإن الاهتمام المبكر بالعرض أمر لا يحتاج إلى تفسير.



الأسئلة التى سبقت عرض «هاملت بالمقلوب» كانت متوقعة، هل تقدم فرقة المسرح الحديث هاملت برؤية معاصرة، هل سيكون العرض بالعامية؟ وما هو «المقلوب» الذى أضافه سامح مهران لنص شكسبير العالمى الذى قدم فى كل مكان وبكل اللغات وعبر كل الأجيال؟

الإجابة على كل ما سبق باختصار، أننا أمام عرضين لا علاقة لهما ببعضهما البعض، نعم ستدخل إلى مسرح السلام وتشاهد عودة هاملت للحياة مرة أخرى كما كتبها سامح مهران، ستراه يحاول الانتقام من جديد، ويضم محبوبته أوفيليا إلى قائمة الأعداء، سيلاعبك المؤلف ويجعلك لا تعرف فى أى زمن تدور الحكاية، فالملابس والديكورات كما هى فى نص شكسبير، لكن المراسلين والشاشات ومنصات التواصل الاجتماعى موجودة أيضا، الفصحى هى الأساس لكن العامية تتدخل فى الوقت المناسب، فعن أى هاملت إذا كتب مهران؟ 

 

 

 

هاملت 2022 يجمعه مع هاملت القرن السادس عشر الاسم والمعاناة مع المجتمع الذى يعيش فيه، لكن القضايا تختلف، إنها رسالة من صناع العرض بضرورة التوقف عن العيش فى الماضى ومواجهة الحاضر بكل عيوبه من أجل العبور للمستقبل، فى العرض انتقاد واضح لأمراض إنسانية مزمنة واستفحلت بكل أسف تحت تأثير التكنولوجيا الحديثة.

فى هاملت بالمقلوب، التى لا تحتاج من متفرجها أن يكون قد شاهد هاملت الأصلى، نلمس كيف يمكن للحقيقة أن تروى بعدة صور، بل كيف يمكن للكذبة أن تصنع بحرفية لتصبح مسلمات غير قابلة للنقاش، المثلية والحركات النسوية وأكاذيب مواقع التواصل حاضرة بقوة بين ثنايا النص، لكن حتى لو كان المتفرج لا يفضل القضايا الكبرى فإنه فى الوقت نفسه أمام عمل مسرحى محكم الصنع يمكن الاستمتاع خلاله بكل عناصر العرض المسرحى وهى فى أفضل صورها وهو مجهود يحسب بالطبع للمخرج مازن الغرباوى الذى تصدى بشجاعة لنص بهذه الصعوبة وأعتبره حقق تطورا مميزا فى هذه التجربة.

نجاح المخرج المعتمد على نص قائم بالأساس على الفكر الذى يهتم مهران بتقديمه فى عروضه المسرحية، اعتمد على فريق عمل فهم المطلوب من هاملت بالمقلوب وحول هذا الفهم إلى سينوغرافيا مشبعة بالعلامات على خشبة المسرح، بداية من ديكور وإضاءة صبحى السيد، وموسيقى طارق مهران، وصولا إلى أزياء مروة عودة وفيديو مابينج رضا صلاح، ومكياج لمياء محمود وكوافير محمد شاكر. 

كل ما سبق حمل مهمة توصيله للجمهور الممثلون، وبشكل خاص لفتنى الأداء المميز للممثلتين سمر جابر ونهاد سعيد، أراهما لأول مرة تتمتعان برسوخ وثقة على خشبة المسرح، فيما تأكدت أن الدراما التقليدية لم تستفد من كل مواهب خالد محمود الذى برع فى دور القس المتحالف مع الملك القاتل، وقدمه أيمن الشيوى ببراعة تعكس إمكاناته كممثل «تقيل» حصره مخرجو الشاشات فى شخصية «الخواجة»، وبأداء جيد للغاية ظهر الممثلان اللذان قدما شخصيتى الطبيب وهوراشيو، فيما ربح مهران والغرباوى رهان منح بطولة عمل بهذه الصعوبة للفنان عمرو القاضى الذى أمتلك الأدوات التى تؤهله لتقديم شخصية بهذا التعقيد مستفيدا من مرونة جسدية يتمتع بها وأداء صوتى مميز ومتمكن من اللغة العربية الفصحى.

بقى الإشارة إلى أن كل ما سبق كان من الممكن أن يصبح أفضل لو أنه تم الانتباه مبكرا إلى أن مسرح السلام العريق تنقصه العديد من الإمكانات سواء على مستوى خشبة المسرح أو تقنيات الصوت والإضاءة بجانب الدعاية بكل الأحوال التى يتحمل معظم تفاصيلها فريق العمل نفسه.