الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

ورش الكتابة.. دعم للدراما أم سبوبة؟!

مسلسل ذات
مسلسل ذات

أكثر ما يميز مسلسلات ورش الكتابة، أن أفكارها وطريقة تناولها غير تقليدية، فضلًا عن اهتمامها بالتفاصيل. مع ملاحظة تزايد رقعة انتشارها فى سوق الدراما.



ففى رمضان 2018 بلغ عدد الأعمال الدرامية التى خرجت من ورش الكتابة حوالى 18 عملاً، من بينها مسلسل «طايع»، و«لدينا أقوال أخرى».

 

أما فى موسم 2021، فجاء مسلسل «لعبة نيوتن» على قائمة مسلسلات الورش، بإشراف مها الوزير على الكتابة.كذلك مسلسل «خلى بالك من زيزى» تأليف مريم نعوم مالكة ورشة سرد، التى أتاحت فرصة كتابة سيناريو وحوار المسلسل لبعض شبابها.

 

 
 
مسلسل خلى بالك من زيزى
مسلسل خلى بالك من زيزى

 

ومع اقتراب شهر رمضان الكريم، واستعداد خريطة القنوات والمنصات بعشرات المسلسلات، بات السؤال الأهم هو: كيف ستعالج ورش الكتابة مسألة انحسار رؤيتها وأفكارها واهتماماتها فى بعض القضايا التى لا تهم سوى الشباب باعتبارهم أكثر المتدربين والعاملين داخل حجرات تلك الورش وأروقتها؟ وما مصير كتاب الدراما الأفراد فى سوق الدراما أمام سطوة هذه الورش؟! وغيرها من الأسئلة التى تجيب عنها «صباح الخير» فى هذا التحقيق. ضرورة

تقول الكاتبة مريم نعوم إن فكرة الورش ليست جديدة، فقد عرفنا الكتابة المشتركة منذ أفلام الأبيض والأسود حينما كان الفيلم قصة فلان، وسيناريو فلان، وحوار فلان؛ كل شخص يقوم بدور معين يشكّل فكرة العمل الجماعي، ثم جاءت ورش السيت كوم، وظهرت فكرة وجود شخص يشرف على الكتابة التى يقوم بها البعض. علمًا بأن هذا هو النظام المعمول به فى الخارج، وكانت أول ورش كتابة معروفة هى حلقات «عالم سمسم»، فـ«نحن لم نخترع العجلة» على حد تعبيرها.

مسلسل لعبة نيوتن
مسلسل لعبة نيوتن

 

وهو ما يؤكده الكاتب ممدوح فهمى قائلًا: إن ورش الكتابة جاءت مع الحاجة للدراما الأمريكية الطويلة، حينما كانت فكرة المسلسل توزع على عدد من كُتّاب الدراما المحترفين لصناعة محتوى درامى متكامل. 

ويتفق المؤلف مجدى صابرعلى وجود ما يشبه الورشة قديمًا، مع ملاحظة ما كان يسود ذلك الوقت من روح المحبة والتفاهم بين مجموعة أصحاب يكملون بعضهم ويتفقون على رؤية يسعون لتحقيقها، مثل ثلاثى أضواء المسرح.

أما السيناريست عمرو الدالى فيرى أنه مع الانتشار الحالي للمنصات العالمية نجد مسلسلاتها قد اعتمدت على ورش الكتابة، بقيادة وإشراف بعض كتاب السيناريو المعروفين، مثلما شهدنا بعض دور النشر تتبنى فكرة تنظيم دورات تدريبية لتعليم كتابة السيناريو.

لماذا يمتلك البعض أو يدير ورشة؟

يرى بعض الكتّاب والمؤلفين الذين يمتلكون هذه الورش أو يقومون بالتدريب فيها، أنها تتيح الفرص لاكتشاف الشباب الموهوبين، وإكسابهم خبرة فنية عملية فى مدة قصيرة، مثل الكاتب والسيناريست د. مدحت العدل الذى يقوم بعقد هذه الورش منذ سنوات، معتبرًا أن كثرة عدد المسلسلات الرمضانية هو الذى فرض وجود هذه الورش، فأضافت بُعدًا لصناعة الدراما بالخبرات التى تثريها، كما تؤدى لتصفية كُتاب السيناريو الموهوبين من المدعين.

وتعتبر ورشة سرد أول تجربة ناجحة كشركة كتابة بعد تجربة الكاتب محمد أمين راضي. وحول أسباب تأسيسها، تقول السيناريست مريم نعوم إنها قامت بتكوين ورشة سرد بعدما طلب منها المنتج جمال العدل كتابة مسلسل «ذات»، فأخبرته أنها لا تستطيع كتابة 30 حلقة بمفردها فى وقت قصير، ولا تمتلك القدرة ولا التجربة لكتابتها؛ لكن بسبب خوفها من فقدان ثقة «العدل» بها، وإحساسًا منها بالمسئولية، لجأت للعمل الجماعى مع صديقتيها نجلاء الحدينى ونادين شمس -رحمها الله- وصديقها محمد فريد.

 

مسلسل ذات
مسلسل ذات

 

ثم جاء مسلسل «موجة حارة»، وعانت نفس مشكلة ضيق الوقت، والتعاقد المتأخر معها، فاعتذرت للمخرج محمد ياسين بأنها لن تستطيع الانتهاء من المسلسل فى الوقت المحدد بمفردها، ولجأت لمجموعة كتّاب كانت تترأسهم وتوزع عليهم مهام العمل، فتكونت نواة سرد، وهدفها الأكبر -كما تقول مريم- هو أن تسهم فى تعليم الآخرين تعليمًا صحيحًا مما تعلمته هى على يدى الدكتور يحيى عزمي.

كما تهدف إلى تعويض أزمة نقص كتّاب السيناريو التى يعانى منها مجال دراسة السينما، بسبب غياب فكرة مساعد كاتب السيناريو، بالإضافة لتعليم المتدربين بالممارسة فى علاقة تبادلية؛ باعتبار سرد مكان للعمل والتعليم الذى يستمر لمدة لا تقل عن 3-4 سنوات. 

كيف يراها هؤلاء؟!

رغم استعانة السيناريست تامر حبيب بكل من إنجى القاسم وسما أحمد لكتابة مسلسل «جراند أوتيل» عام 2016، لتفوقهما فى إحدى ورش الكتابة التى كان يدرب فيها، لكنه أشار لتخوفه من عدم التزام تلك الورش بالضوابط الفنية فى حال انتشارها، وأن تتحول لسبوبة مكسب مادى دون اكتشاف وتدريب الموهوبين، بل وكل الخوف أن تساهم فى إفراز الموهومين بأنهم كتاب سيناريو حقيقيون، على حد تعبيره.

أما الناقد الفنى طارق مرسي، فرغم رؤيته أن رمضان 2021 تميز ببعض المسلسلات التى خرجت من رحم ورش الكتابة، مثل مسلسل «لعبة نيوتن»، الذى قال إنه جاء للدفاع عن فكرة ورش السيناريو وتجميل وجهها، لكنه يرى أن الورش أصبحت موضة، ويعتبرها سلاحًا «ذو حدين»، إما تؤدى لاكتشاف مواهب جديدة تكمل المسيرة، أو تكون مجرد مسألة وقت وتنتهى كأمر ميئوس منه.

فى أحد لقاءاتها المصورة، ذكرت الدكتورة عزة هيكل أستاذ الأدب المقارن وعميد كلية اللغة والإعلام، أن الأعمال الدرامية التى اعتمدت على الورش منذ يناير 2011، أخرجت لنا جيلًا من الكتاب الشبان الذين اهتموا بنقل الواقع العنيف بألفاظه وواقعه من العشوائيات والجرائم، مع المبالغة فى التصوير السلبى للمرأة وتحديدها فى بعض الأدوار مثل الثرية المفترية، أو الفقيرة متدنية الخلق. كما رأينا فى مسلسل «سجن النسا» و«السبع وصايا».. وغيرهما.

وبوضوح، أكدت هيكل، أن تلك الورش غيرت خريطة الدراما، وأفقدت العمل الدرامى قيمة الترابط ورسم الشخصيات المتكاملة، قائلة: «زمان كنت أشاهد طريقة بناء الشخصية فى عمل درامي، وأسمع بعض جمل الحوار فيه.. فأعرف من هو الكاتب. وهو ما لا تتيحه الورش لنا اليوم».

ورغم اشتراك الفنانين فى الأعمال التى خرجت من ورش الكتابة، يذكر المؤلف مجدى صابر الذى كتب حوالى 30 مسلسلًا، أنه حينما كان الكاتب نجمًا مثل أسامة أنورعكاشة، وصفاء عامر، ويسرى الجندي، ومحفوظ عبد الرحمن وغيرهم، كانت قضايا المسلسلات حقيقية، بعيدًا عن الخرافة والفساد والقضايا، بما تحمله من ثراء فاحش وبهرجة وآراء غريبة. ولكن حاليًا أصبح النصْ أضعف عنصر بالأعمال الدرامية، لأن أغلب النصوص تكتب فى ورش سيناريو تتكون من 5- 6 شخصيات  كل منهم باختلاف بيئته وثقافته، على حد قوله. مضيفًا: «لا أعتقد أنهم يثرون العمل، بقدر ما يعتبر اللجوء إليهم هو نوع من الضحك على الجمهور، وضياع لفكرة نجومية الكاتب، بينما الكتابة هى مشروع الكاتب الشخصى ولا شراكة فى الفن.. وإنما كل المجد يذهب لصاحب الورشة».

ويرى الكاتب ممدوح فهمي، أنه من الأفضل للكاتب الجيد أن يقدم نفسه من خلال عمل خاص به أولًا، لأنه حينما يعمل ضمن مجموعة بورشة فهو مرغم على إرضاء صاحب الورشة، وبالتالى يفقد روح المنافسة والإجادة. 

أما الكاتب عاطف بشاي فيرى أن ورش الكتابة «نظام غير سليم»، يسعى لتدمير فن كتابة السيناريو وتحويله لصناعة يقوم بها «أسطى» يقود مجموعة من الصبيان غير الأكاديميين، وغير الموهوبين، ومتنافرى الاتجاهات، يعملون لدى منتجين لا يعنيهم المستوى الفكرى والفنى لهؤلاء الأشخاص، موضحًا أن الكاتب الراحل وحيد حامد شبههم بجلباب المجذوب ذى الرقع المتنافرة شكلًا ولونًا.

نجومية أم استنزاف؟!

السؤال الآن: هل العيب فى ورش الكتابة أم فى ثقافتنا؟ التى لا تحترم العمل الجماعى ولا تعرف الاستفادة من تنوع الفريق؟

يقول الممثل والكاتب إيهاب بيبو: خضتُ تجربة الكتابة بأكثر من ورشة، وحصدتُ من الخبرة ما أفادنى فى الكتابة والتمثيل، كفرص الاحتكاك بمؤلفين كبار ومتميزين، بالإضافة للعائد المادى نتيجة تراكم العمل من ورشة لأخرى.

ولكنى كنت أتمنى ككاتب أن يتعرف الجمهور على بصمتى فى الورشة التى أشارك بها، رغم إدراكي لصعوبة هذا، بل يُعتَبر حدوثه إهمالًا من مسئول الورشة لو شعر الجمهور بتغيير الكاتب، لأن نجاح العمل يعتمد على وحدة الأصوات المختلفة بالفريق، وكأن قلمًا واحدًا يكتبه كله.

وحول أهم المشاكل التى عاناها بيبو وتسببت فى قطع علاقته بالورش، يقول: كنت أشعر بالإحباط بسبب ذكر اسم صاحب الورشة فقط فى بداية تترات المسلسل، بينما تُذكر أسماؤنا كمؤلفين مشاركين فى العمل بمنتصف التتر أو آخره، فلا يرانا أحد تقريبًا، ونظل نعتمد فى تقييمنا على رأى صاحب الورشة، الذى قد يتحول لتاجر فجأة.

أما تجربة فيبى أنور مع ورش كتابة السيناريو فمختلفة تمامًا، حيث تقول: «أنا من الناس اللى حظهم سيئ جدًا مع الورش لدرجة أنى كرهتها.. أول ورشة اشتغلت بها كانت مع مؤلف ومخرج معروف، لكنه نصب عليّ. وللأسف، لم أكن الوحيدة التى خدعها، فهذا ما يحدث مع الكثيرين. وبرغم تقديرى لفكرة الورش، لكنها تحولت لصداع فى رأس الدراما المصرية لأنها تعانى من مشاكل الشللية، والوساطة وتلميع المعارف رغم ضعف مواهب معظمهم.

ولا تدار بطريقة علمية، خاصة إذا كان صاحب الورشة لا يستطيع إدارة مواهب أعضاء الورشة.. ولا يستفيد من تنوع قدراتهم، مما يبدد جهدنا، ويحبط التزامنا. ويصيب الورش بالهلهلة». 

ما مستقبل الورش فى صناعة الدراما؟

يعتقد الناقد طارق مرسى أن استمرار الورش مضمون إذا أعادت لنا الدور التنويرى والتربوى للفن كرسالة للمجتمع، بعيدًا عن التركيزعلى المادة، مضيفًا: «وإن كانت الأعمال الجماعية فى مسألة الكتابة عمرها قصير؛ فسرعان ما يتمرد الكتاب المتميزون لحساب أنفسهم، ويتركون تلك الورش».

من جانبه، ذكر السيناريست عمرو الدالى أن ورش الكتابة فكرة ناجحة مع وجود مسئول صاحب أفكار جديدة، وقادر على توزيع الأدوار بطريقة جيدة، للحد من التنافس الضار بين أفراد الورشة.

 

 

 

بينما يرى الكاتب ممدوح فهمى أن الورش ستتقدم لو اقتنع الإنتاج بالمحتوى، فالمسألة ليست أرباحًا يمكن أن تجنى عن أى طريق آخر، ولكنها بناء عقول أجيال ستواجه المستقبل.

أما الممثل إيهاب بيبو فأكد أن المستقبل للورش، لأنها تحمل الفائدة لجميع الأطراف، وخاصة صاحب الورشة الذى يتمتع بتجديد أفكاره من خلال تعامله مع الشباب.

وترى فيبى أنور أن استمرار فكرة الورش يعتمد على كيفية إدارتها، وخلق منهجية وآلية وقواعد وتشريع يحافظ على فكرة وجودها، ويحمى حقوق العاملين بها.

أما مريم نعوم، فلا ترى عيوبًا لورش الكتابة، بالعكس، تقول إنها ستزدهر وسيتضاعف عددها، وسيتم الاعتراف بالعاملين فيها بصورة أكبر، وسيكونون نقابيين وينضمون لجمعية مؤلفى الدراما بسرعة، وبشكل مقنن. وكل هذا مكسب لصناعة الدراما، فى ظل ازدهار عالم المنصات التى ستزيد إقبال الناس على التدريب واكتساب الخبرات التى تتيحها الورش، خاصة إذا اختارت الجهات القائمة على الإنتاج أعمالًا جيدة. فصناعة الدراما تعتمد على ارتقاء كل العوامل المتعلقة بالدراما، وليس الورشة ولا الكاتب ولا النص فقط!.