الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
طبيب إنسان اسمه بول فارمر

طبيب إنسان اسمه بول فارمر

يوم رحيله حرصت صحيفة «بوسطن جلوب» الأمريكية على الاحتفاء بحياته وعطائه وعلى أن تخصص الجزء الأكبر من الصفحة الأولى للصحيفة الصادرة صباح اليوم التالى (22 فبراير 2022) لبول فارمر الطبيب الرمز والقدوة وابن بوسطن المدينة الشهيرة بجامعاتها ومراكزها العلمية والطبية.



لم تكن «بوسطن جلوب» العريقة (150 عامًا) وحدها فى هذا الاحتفاء، فكبريات الصحف وشبكات التليفزيون والمواقع الإلكترونية الأمريكية والعالمية، ودعت هذا الطبيب الإنسان وكان لا يزال فى الـ62 من عمره.. وأشادت بعطائه الإنسانى العابر للحدود وحكت حواديته الموحية فى الوقوف مع المريض المحتاج أينما كان.

المحطة الأولى فى رحلة عطائه كانت فى هاييتى إحدى أكثر الدول فقرًا فى العالم فى بداية الثمانينيات، ومنها أخذ مسار حياته أو بوصلة اهتمامه تتجه إلى حيث المريض المحتاج.. أما المحطة الأخيرة لحظة وفاته كانت فى رواندا.. حيث ساهم بجانب مشروعات صحية اجتماعية فى إنشاء جامعة للمساواة الصحية هكذا اسمها.. يعمل خريجوها أصحاب البالطو الأبيض فى توفير العلاج للمرضى الغلابة..

 

 

 

كان فارمر يرى أن الحاجة إلى العلاج ذاتها صارت وباءً عالميًا يعانى منه الفقراء فى العالم.. وكان يسعى أن يزيد من عدد المهمومين مثله، لذلك شارك فى عام 1987 فى تأسيس منظمة صحية عالمية تسمى «شركاء فى الصحة».. ومن خلالها تمكن فارمر من توظيف أموال وجهود أفراد ومجموعات طبية واجتماعية وفى توسيع دائرة المستفيدين من خدمات ونشاطات المنظمة.. والتى ساهمت فى مشروعات صحية فى أكثر من 12 دولة منها رواندا وبيرو وليبيريا وهاييتى وسيراليون.. كان أحيانًا يوصف بأنه ألبرت شفايتزر العصر الحديث.. شفايتزر ذاك الطبيب الألمانى الفيلسوف وصاحب المهام الإنسانية فى أفريقيا والذى فاز بجائزة نوبل للسلام عام 1952.     

وصفه الكاتب تريسى كيدر بأنه كان يريد أن يعالج كل مرضى العالم على اعتبار أن هؤلاء خاصة المحتاج منهم مريضه الخاص..وهو الطبيب القائم برعايته وعلى توفير سبل راحته وصحته.. كيدر كتب كتابًا عن رحلة حياة الطبيب الأمريكى ورؤيته وحلمه من أجل توفير سبل العلاج والصحة. الكتاب صدر عام 2003 وجذب اهتمام كل من يهدف للصحة العامة فى العالم خاصة الأجيال الجديدة من الأطباء والعاملين فى مجال الصحة العامة. الكتاب عنوانه: «جبال وراء جبال»..  والعنوان مأخوذ من حكمة لدى أهل هاييتى مفادها:  وأنت تجد حلًا لمشكلة واحدة.. مشكلة أخرى ستظهر وتقدم نفسها لك.   

والكاتب الأمريكى فى احتفائه بحياة فارمر مؤخرًا لم ينس أن يذكر الجانب الإنسانى فى كل تعاملاته مع المرضى..  تواصله مع المريض والاطمئنان عليه والإمساك بيده ومخاطبة قلبه.. وإضفاء البهجة فى نفسه (ليه لأ)..  وكيف أن الطبيب فارنر مثلًا وهو فى رحلات سفره كان يقف بمحلات المطارات من أجل شراء الكثير من الهدايا والألعاب للأطفال ليعطيها لهؤلاء الذين سيقوم بزيارتهم فى المحطة القادمة من جولاته العلاجية.

بول فارمر نفسه كان له 12 كتابًا تتحدث عن تحديات الصحة العامة فى العالم وعن ضرورة توفير سبل العلاج والدواء لكل مريض فى العالم ومسئولية القادرين فيه على تحقيق هذا الهدف.. ويحاضر فى أكثر من جامعة..  منها كلية الطب بجامعة هارفارد العريقة والتى حصل على درجة الدكتوراه بها. كان من مواليد 26 أكتوبر 1959..  بمدينة نورث أدامز بولاية ماساتشوستس الأمريكية. كان متزوجًا من ديدى برتراند فارمر عالمة الأنثروبولوجيا من هاييتى ولهما ثلاثة أولاد.

.. لا شك  أننا فى أمسّ الحاجة إلى حكاية مثل هذه الحكاية من أجل التأكيد على أن فى إمكاننا أن نخفف من آلام العالم حولنا..  وأبرزها الفقر والجوع والمرض.. ورغم أن هذه القضايا الحيوية معروفة للجميع إلا أن الكبار فى المنظومة الدولية ما زالوا يخططون لحروب جديدة قديمة بتفسيرات وتبريرات متعددة تاريخية كانت أم أيديولوجية.

وعندما تأتى فى بالنا العبارة الشهيرة اياها: تعيش وتفتكر.. علينا أن نتذكر ونقوم بتذكير الآخرين أن أفرادًا مثل بول فارمر وهم ملح الأرض وخميرة الإنسانية ـ  يظهرون فى حياتنا من حين لحين..  يظهرون بالطبع إذا التفتنا إليهم..  لننتبه بأن فى إمكان المرء أن يوسع من دائرة اهتماماته وهمومه..  وأن يخرج من قوقعة ذاته أو دائرة أنانيته ليساهم بشكل أو آخر فى تخفيف آلام أو مصاعب الآخرين.