الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

باب النجار مخلع

الدكتور النفسانى لما بيتعب.. بيروح لمين؟!

حقق مسلسل «أنا وهى» والذى عُرض مؤخرًا من بطولة الفنان أحمد حاتم والفنانة هنا الزاهد والفنان أشرف عبد الباقى نجاحًا كبيرًا، وبعيدًا عن قصة الحب التى شهدتها أحداث العمل، إلا أن المسلسل تطرق إلى قضية مهمة وهى المرض النفسى للطبيب النفسى.



«صباح الخير» فتحت النقاش حول مرض الطبيب النفسى وكيفية علاجه مع أساتذة واسشاريى الطب النفسى، حيث يقول د. هاشم بحرى أستاذ الطب النفسى بجامعة الأزهر: دائمًا ننصح الطبيب النفسى بأن يعيش حياته بصورة طبيعية، بمعنى أن يخصص لنفسه وقتًا للقراءة والاطلاع والتجول والتنزه والقيام بالرحلات المختلفة، وغيرها من الأنشطة التى لها قيمة فى حياتنا.

فقديمًا كان الأطباء النفسيون يعيشون لفترات طويلة داخل مستشفيات الصحة النفسية الضخمة مثل الخانكة أو العباسية أو المعمورة، وكان يصل عدد المرضى فيها من ألفين إلى 3 آلاف مريض، وكان يتم تقسيم المرضى فى عنابر ضخمة، تصل سعتها إلى 50 سريرًا فى العنبر الواحد، وكان الأطباء والتمريض يعيشون مع مرضاهم فى عنبر واحد، ولفترات طويلة، فهذه المستشفيات كانت فى أماكن نائية، وبالتالى فإن الأطباء والتمريض والفريق العلاجى كانوا يقيمون فيها ولا يخرجون منها إلا على فترات متباعدة.

وأضاف: من أكثر الطرق التى كانت تساعد الطبيب النفسى فى علاج مرضاه هو التحدث إلى المريض بلغته، لكن بعد فترة لاحظنا أن ذلك يمثل خطورة على الفريق العلاجى حيث إنهم قد يدخلون فى مسار المرضى، وبالتالى قد يؤثر على سلامتهم النفسية، لذلك تم وضع خطة للحد من تلك الخطورة، وهى إرشاد الطبيب النفسى والفريق المعالج إلى العيش فى حياة طبيعية يقومون فيها بالتنزه والذهاب فى رحلات أو قضاء الوقت فى قراءة الكتب، وبعض المدارس الطبية الأخرى تلزم الفريق النفسى المعالج بقراءة القصص ومشاهدة الأفلام ووضع التعليقات عليها بحيث يتأكدون من أنه يعيش حياة طبيعية مثله مثل الآخرين الأسوياء، والتأكد من أنه ليس منغلقًا على نفسه.

وأوضح بحرى، أنه فى الجامعات الدولية يوجد فريق خاص بطلبة الطب بجميع تخصصاته، وهذا الفريق دائم الجاهزية لمتابعة أى طبيب يعانى من التأثر بالمرضى، كما أن هذا الفريق مهمته إرشاد الطبيب لحماية نفسه من التأثر بالمرضى وتقليدهم، ومهمته تعليم الأطباء كيفية حماية النفس من انتقال الأعراض المرضية اليهم أيًا كان نوعها.

وأشار إلى أنه فى حالة انتقال المرض للطبيب النفسى أو شعوره بأية أعراض مرضية نفسية، فهناك طرق متنوعة للعلاج، منها التحدث مع أحد الأصدقاء من أطباء النفس أو الإخصائيين النفسيين، فالزمالة  توجد نوعًا من الأنس والأمان والاحترام لما يعانى منه الطبيب، لأن الطبيب المعالج يعمل فى نفس المهنة، وبالتالى يتم البحث عن طرق للمساعدة وللعلاج سواء كان علاجًا فرديًا «بمعنى علاج الحالة بين الطبيب والمريض فقط» ، أو علاجًا جماعيًا وفيه يتم اجتماع الأطباء الذين يعانون من نفس الأعراض فى مكان واحد، ويبدأون فى طرح مشكلاتهم ويساعدون بعضهم البعض فى إيجاد حلول للمشاكل التى تواجههم من خلال خبراتهم سويًا.

واستكمل أنه أحيانًا يكون هناك خجل أو توتر من بعض الأطباء الذين يعانون من أعراض مرضية فى الحديث عما يواجهونه من مشكلات، وهنا يتم وضع هذه الحالات فى ماراثون مدته 3 أيام على الأقل، يمتنعون فيه عن النوم، حتى يحدث لهم نوع من الإجهاد فيفقدون السيطرة على المقاومة الموجودة بداخلهم ويبدأون فى التحدث عن مشكلاتهم بدون قلق أو خوف أو خجل، وبالتالى يقومون بالتحدث بصورة أسرع لإمكانية مساعدتهم.

 

 

 

إجراءات وقائية

من جانبه قال د. وليد هندى استشارى الصحة النفسية: إنه لا يوجد إنسان بمنأى عن الإصابة بأى مرض نفسى، فالأمراض النفسية هى أكثر الأمراض شيوعًا وانتشارًا بين الأفراد، فهى تصيب جميع المهن والفئات والأعمار السنية.

وأوضح أن هناك من يعتقد بأن الطبيب النفسى بما يملكه من مهارات وإجراءات وقائية ونظرة طبية فاحصة بطبيعة المرض، يكون قادرًا على تلاشى أى مرض نفسى يصيبه هو أو أحد أفراد أسرته، وهذا ليس صحيحًا، فالمرض النفسى وارد عند كل الأفراد، بل على رأسهم الطبيب النفسى.

وتابع: إن الطبيب النفسى أكثر احتمالية وعرضة للإصابة بالمرض النفسى بسبب أن هناك ما يسمى بأمراض المهنة، فكل مهنة تصيب أفرادها بمرض معين، والسؤال الأول لأى طبيب نفسى للحالة التى يعالجها يكون عن المهنة، ليبدأ بعد ذلك ترتيب رحلة العلاج للمريض، فطبيعة العمل أو المهنة تساعد كثيرًا فى تحديد نوع المرض، فمثلاً إذا كان المريض ممن يعملون بالقانون فإنه قد يعانى من الشك أو الوسواس، ومن يعمل بالتدريس قد يكون لديه حس عالٍ ولديه أمراض مزمنة مثل السكر والضغط، وهكذا فكل مهنة لها أمراض معينة خاصة بها، والطبيب النفسى يعد من أكثر المهن التى قد يصاب أصحابها بأمراض نفسية أبرزها عدوى المشاعر واضطراب المزاج الحاد.

وأوضح هندى: فالمرض النفسى معدٍ بطبيعته، وذلك نتيجة تأثر الطبيب النفسى بالمريض وبسبب كثرة المشكلات التى يسمعها الطبيب النفسى من مرضاه لفترات طويلة، وهذا قد يجعل الطبيب يصاب بالاكتئاب الحاد، بسبب ضغط العمل الذى يستمر لساعات متواصلة وطويلة، بجانب عدم ثبات مواعيد العمل، فكل ذلك يجعل الطبيب النفسى عرضة للتوتر والعصبية، كما أنه قد يصاب بالأمراض النفسية الاجتماعية العضوية السيكوسوماتية مثل الصلع أو الحكة الجلدية أو الإجهاد العام أو تساقط الشعر أو ألم فى الظهر، وكلها  أعراض مرضية ظاهرية جسمانية، لكن أساسها نفسية، وقد يصاب الطبيب النفسى بهذه الأمراض بسبب غياب التنفيس عنه.

وأشار هندى إلى أن أرقام معدلات الانتحار بين الأطباء، أكدت أن الأطباء النفسيين هم أكثر فئة عرضة للانتحار، إذ يوجد من 56 إلى 85 حالة انتحار طبيب نفسى لكل مائة الف طبيب، كما أن الطبيب النفسى قد يصاب بأمراض نفسية أخرى مثل الشعور بالعجز النفسى، ووخذ «تأنيب» الضمير والشعور بالذنب، والعزوف عن الطعام، واضطرابات نوم، نتيجة عمله، وتظهر تلك الأعراض عند تدهور الحالة المرضية للمريض النفسى دون أن يكون للطبيب أى ذنب فيها.

خبرات قليلة

أكثر فئة من الأطباء النفسيين معرضين للمرض النفسى هم حديثو التخرج، لأنهم لم يشكلوا بعد وليس لديهم الخبرات الكافية، أو بسبب أن حياتهم تكون غير متوازنة أو غير مستقرة لعدم  زواجهم أو تكوينهم أسرة وغيرها من الأسباب.

 وأكد هندى أنه يجب على الطبيب النفسى عندما يجد بداية لأعراض مرض نفسى لديه أن يلجأ إلى المساعدة الطبية دون تردد أو خجل، وأوضح أن هناك أطباء نفسيين يرون أنهم يملكون الحنكة والمهارة الكافية، وبالتالى يبدأون فى علاج أنفسهم بأنفسهم، عندما يدركون أنهم يمرون بأزمة نفسية ويشعرون بالرفض لفكرة الذهاب لطبيب آخر ويبدأون فى علاج أنفسهم بناء على خبراتهم بالأدوية والعقاقير المناسبة، وهذا خطأ، فلا يمكن لمريض أن يعالج نفسه  بنفسه، وهذه قاعدة عامة.

وتابع هندى، لكن على الصعيد الآخر، هناك أطباء فور أن يشعروا بأى أعراض نفسية مرضية يلجأون إلى زملائهم فى مجال الطب النفسى  دون أن يفصحوا عن شخصيتهم، ويفضلون فى هذه الحالة الأطباء الغرباء عنهم، وذلك للحفاظ على خصوصيتهم وللحفاظ على صورتهم أمام الآخرين.

واستكمل: كما أن بعض الأطباء يتخذون من المؤتمرات والاجتماعات والمنتديات والمشاركات العلمية بين الأطباء النفسيين فرصة لعلاج حالاتهم، وذلك فى إطار من الدردشة والفكاهة والمقابلة الخاضعة للمصادفة، أو أنهم قد يلجأون إلى الاختبارات النفسية المعدة مسبقًا بأساليب علمية، وبعد ظهور نتيجة حالتهم يحددون العقاقير والعلاج المناسب حسب نوع ودرجة المرض ونوع وحدة وزمن الإصابة به، وفى جميع الأحوال أؤكد على ضرورة احتياج الدكتور النفسى لنوع من التنفيس الانفعالى والمواءمة والتعامل كأنه إنسان عادى، والذهاب إلى طبيب آخر والخضوع  للعلاج السلوكى والمعرفى والإدراكى، دون خجل، حال شعوره بأى أمراض أو أعراض نفسية، ففى النهاية الطبيب النفسى هو إنسان، وأينما وُجد الإنسان وُجد المرض النفسى.

الإستعانة بصديق

قالت د.هبة عيسوى أستاذ الطب النفسى: إن الطبيب النفسى قد يعانى من أعراض نفسية بسيطة بسبب ضغوط عمله، أبرزها التوتر والاكتئاب، وأغلب الأطباء يقومون بتشخيص حالاتهم ويحددون العلاج المناسب حسب الحالة، وذلك بناء على خبراتهم، وهنا نتحدث إذا كان المرض نفسيًا وليس عقليًا.

وتابعت عيسوى: لكن أحيانًا تزداد الحالة المرضية سوءًا، وهنا يستلزم على الطبيب النفسى الذهاب إلى زميل له لعلاج الحالة، ومن خلال عملى أؤكد أننى يحضر لدىّ الكثير من الأطباء النفسيين، ونبدأ رحلة العلاج بكل سهولة وأمان، وهذا هو التصرف السليم ولا يوجد به أى خطأ على الإطلاق، فالطبيب النفسى يدرك أن المرض النفسى مثله مثل باقى الأمراض كمرض الكبد أو الكلى أو القلب أو الأسنان وخلافه، فالمخ عضو فى جسم الإنسان يجب علاجه وقت اللزوم.

وأشارت إلى أن المزعج فى علاج بعض الأطباء النفسيين هو كثرة الاستفسار والمجادلة، فالطبيب يكون مزعجًا فى رحلة العلاج مقارنة بالمريض العادى، حيث إنه يجادل ويسأل طوال الوقت، لكننى أقدر ضغوطه وأتحملها لأقصى درجة، وأحاول كسب ثقته، لأن الثقة هى أساس العلاج، فالطبيب النفسى من الصعب أن يكشف مرضه أمام الآخرين إلا إذا شعر بالثقة.

وفى ذات السياق قال د. جمال فرويز، استشارى الطب النفسى، أن الطبيب النفسى يعانى من الضغوط الكثيرة التى تصل لحد الانفجار بسبب عمله،  فهو طوال الوقت يستمع إلى الآخرين  ومشكلاتهم ويساعدهم فى الخروج منها وحلها، ومن أصعب الحالات بالنسبة للطبيب النفسى هم مرضى الاكتئاب، فتلك الحالات تفرض على الطبيب النفسى الإنصات والتعايش مع الحالة حتى يستطيع علاجها، فالطبيب النفسى يعيش ضغوط الآخرين بجانب الضغوط الخاصة به وبحياته الشخصية، ولذلك لضمان السلامة النفسية للطبيب النفسى يجب مراعاة المواظبة على جلسات التفريغ المستمرة للطبيب مع من يثق فيهم، من أجل مزيد من الراحة له، بجانب الاهتمام بتحليل شخصيته بناءً على أسس علمية صحيحة، لمعرفة نقاط الضعف بالنسبة له عند التعامل مع المرضى، وبالتالى تقل درجة الإصابة لديه، وتزداد فاعلية علاجه للمريض دون إحداث إسقاط عليه.

وتابع فرويز أن هناك بعض الأطباء النفسيين الذين يعانون من الضغوط النفسية، ويُخضعون أنفسهم لجلسات علاج وتفريغ مع مرضاهم، ولكن يفعلون ذلك دون أن تظهر أنها جلسات تفريغ نفسى وتسمى بالجلسات النفسية العكسية، وفيها يختار الطبيب النفسى، المرضى الذى يثق فى طريقة تفكيرهم ويريد أن يتحدث معهم بطريقة عكسية، وبعد تلك الجلسات يصبح الطبيب النفسى بحالة جيدة، وفى النهاية أقول لكل طبيب نفسى: افصل نفسك عن المريض، وانسَ جميع موضوعات العمل بعد انتهاء مواعيده الرسمية، واتبع طريقة التفريغ وتحليل الشخصية.