اتحضـــر للأخضـــر

تحقيق كتبه: رضا رفعت
الاقتصاد المصرى هو أحد أقدم اقتصاديات العالم؛ حيث بدأ بالقطاع الزراعى والتبادل التجارى مع البلدان المجاورة، ومر بمراحل تطور وانحدار؛ لكنه شهد منذ تولى الرئيس عبدالفتاح السيسي طفرة كبيرة وزادت وتيرة الإصلاحات الاقتصادية سعيًا لجذب الاستثمارات الأجنبية وزيادة نمو الناتج المحلى الإجمالى.
ولمواجهة ظاهرة الاحتباس الحرارى التى أثرت على معظم دول العالم، اتخذت الدولة المصرية خطوات جادة نحو ما يسمى بالاقتصاد الأخضر، وهو الاقتصاد الذى يساهم بشكل كبير فى ترشيد الاستهلاك والحفاظ على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة، مع الاستفادة من الطاقة الجديدة والمتجددة، فى شتى مناحى الحياة.
وأصبحت مصر تهتم بالتحول للاقتصاد الأخضر فى خطط التنمية المستدامة؛ حيث تم إطلاق «اتحضر للأخضر» كأول مبادرة بيئية لتبنى أهمية التشجير وإعادة تدوير المخلفات وترشيد استهلاك الغذاء والطاقة، والحد من تلوث الهواء واستخدام البلاستيك، والحفاظ على الكائنات البحرية والمحميات الطبيعية.
وتهدف الدولة خفض التلوث بالجسيمات الصلبة بنسبة 50 % بنهاية عام 2030، وزيادة عدد محطات رصد نوعية الهواء المحيط إلى 102 محطة، ومُستهدف تصبح 120 بأنحاء الجمهورية عام 2030.
الاقتصاد الأخضر يضم 6 قطاعات، منها الطاقة المتجددة (الشمسية والرياح)، والنقل المستدام، والمبانى الخضراء، وإدارة المياه والأراضى والنفايات، ويستخدم فى الصناعات الناشئة، ويعتمد على الطاقة المتجددة، بجانب المساعدة فى توفير الطاقة بالمبانى الخضراء، لتصل إلى أعلى كفاءة.

وقال د. خالد غانم، أستاذ الزراعة العضوية بجامعة الأزهر، إن المقصود من الاقتصاد الأخضر مراعاة البيئة فى الأنشطة والصناعة والنقل والزراعة والطاقة والاقتصاد، وحتى الأنشطة الحياتية اليومية؛ كاستخدام الكهرباء والشواحن والهواتف الموبايل، مشيرًا إلى أن مصر لديها أكثر من 100 مليون طن مخلفات زراعية سنويًا؛ بخلاف العضوية المنزلية ومخلفات الأسواق، ويتولد عنها 90 ألف طن من المخلفات الإلكترونية «23 % من المنزل»، لا بُد من إعادة تدوير هذه المخلفات.
وأضاف أن خطة الدولة خلال العام القادم تشجيع السياحة البيئية وإقامة الفندق البيئى، وتطبيق معايير الاستدامة البيئية على القطاعات الاقتصادية كافة كمُبادرات الـمشروعات الخضراء، وتسريع التوجّه نحو تعميم الزراعة العضوية والصناعات صديقة البيئة.
وأضاف: نفذت الجهات الوطنية بالتعاون مع البنك الدولى مشروع إدارة تلوث الهواء بالقاهرة الكبرى بقيمة 200 مليون دولار، بهدف تقليل انبعاثات الغازات الضارة، بالإضافة إلى منحة إدارة الملوثات العضوية بمبلغ 8.1 مليون دولار.
وأكد أن مصر تمضى قدمًا لتعزيز استراتيجية الاقتصاد الأخضر، والاعتماد على الطاقة النظيفة وفقًا لخطط واضحة ومحددة بما يساعدها لتصبح نموذجًا إقليميًا رائدًا فى هذا المجال، وتحقيق النمو والتنمية المستدامة دون الإخلال بالنظام البيئى وتطوير بنيتها التحتية من خلال عدد كبير من المشروعات فى مجالات الطاقة الجديدة والمتجددة والمدن الخضراء بما يتوافق مع معايير الاستدامة البيئية ويعزز استدامتها، ويقلل انبعاثات الغازات الضارة.

محطات الطاقة
وأطلقت الحكومة المرحلة الأولى من برنامج الإصلاح الاقتصادى، وكانت إحدى نتائجه الرئيسية ترشيد استهلاك الوقود الأحفورى، وتعزيز كفاءة الطاقة، ما يساعد على تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة (الاحتباس الحرارى)، وحققت طفرة فى مشروعات الطاقة الجديدة والمتجددة بعد إطلاق تعريفة تسعير للطاقة المتجددة، لتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار فى هذا القطاع المهم؛ ونتيجة لذلك أصبحت تضم أكبر محطة للطاقة الشمسية بالعالم فى بنبان بأسوان، تم إنشاؤها من خلال 32 شركة من 12 دولة على مستوى العالم؛ لتوليد 2 جيجا وات من الكهرباء، وخلق فرص عمل لائقة لأبناء أسوان.
وتستضيف مصر أحد أكبر محطات الرياح فى العالم بخليج السويس (جبل الزيت)، بسعة 300 توربين تغطى 100 كيلومتر مربع، وتولد 580 ميجاوات، وتم تصميمها بطريقة صديقة للبيئة تسمح بإغلاقها فى موسم هجرة الطيور.
وبالنظر إلى المشروعات المدرجة فى الخطة الاستثمارية للعام المالى الجارى نجد أن 30 % من المشروعات خضراء، وأعدت الحكومة دليل معايير الاستدامة البيئية الأول عام 2021، بهدف تخضير موازنة الدولة والوصول إلى نسبة 50 % من المشروعات الخضراء خلال ثلاث سنوات.
وأعلنــت مؤخـرا عـن سـعيها إلـى توليـد 20 % مـن الكهربـاء فـى مصـر مـن مـوارد الطاقـة المتجـددة بحلـول عـام 2022، و42 % بحلــول عــام 2035.
ونجحت مصر فى إصدار أول سندات خضراء على مستوى الشرق الأوسط وأفريقيا بقيمة 750 مليون دولار فى سبتمبر 2020، لمدة خمس سنوات، وهو واحد من 3 إصدارات بالمنطقة؛ وذلك لتعبئة الموارد للمشروعات الخضراء خاصة فى مجال النقل النظيف، لتصبح مصر أول دولة فى المنطقة تطلق السندات الخضراء. ودخول هذا النوع من بدائل الاستثمار نجاح للتنمية الاقتصادية والإصلاح الاقتصادى الذى تنتهجه، وتنويع بدائل الاستثمار المتاحة، لتوفير النقد الأجنبى الذى نستطيع من خلاله السيطرة على سعر الصرف، والقدرة على إكمال مشاريع البنية التحتية وخطط التنمية الدولية.

وتم إطلاق المرحلة الثانية من البرنامج الوطنى للإصلاحات الهيكلية والتى تتضمن مجموعة واسعة من الإصلاحات الجذرية والموجهة بشكل جيد على المستويين الهيكلى والقانونى، بهدف تحقيق نمو متوازن وأخضر وشامل.
وتسعى الحكومة إلى استكشاف طرق بديلة لزيادة حصتها من المياه، سواء من خلال تحلية مياه البحر، وترشيد الاستهلاك من خلال تحديث تكنولوجيا الرى، وتحسين بنيتها التحتية من خلال تجديد الشبكة الوطنية للقنوات المائية بتكلفة 80 مليار جنيه، وتوفير مصادر مياه جديدة مثل إعادة استخدام مياه الصرف الصحى فى الزراعة وتعظيم استخدام المياه الجوفية. وكذلك التركيز على أساليب الإدارة الزراعية المتكاملة، وتعديل التركيب المحصولى لصالح الزراعات الأقل استهلاكًا للمياه. والتحكم فى الصرف الصناعى.
وتم تشكيل لجنة من الوزارات لوضع مجموعة من الحوافز الاقتصادية لتشجيع القطاع الخاص على التحول للاقتصاد الأخضر.
وستقدم حوافز للأفراد للتخلص من المخلفات الكهربائية والإلكترونية من خلال تطبيق إلكترونى «إى تدوير»، وتوفير نقاط لجمع المخلفات، وتعمل على توفير دعم تدريجى للحد من استخدام الأكياس البلاستيكية، وتوفير منتجات صديقة للبيئة.
وتم وضع الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين، لاستكشاف فرص إنتاج واستخدام ونقل الهيدروجين كمصدر للطاقة، وخاصة الهيدروجين الأزرق والأخضر، ووقعت الشركة القابضة لكهرباء مصر اتفاق نوايا ومذكرة تفاهم مع شركة «سيمنس» الألمانية للطاقة لبدء المشاورات والمفاوضات بشأن تنفيذ مشروع توليد طاقة كهربائية متجددة بسعة 100 ميجاوات أو أكثر من الهيدروجين الأخضر.
وسيتم تحديث استراتيجية الطاقة 2035 لتشمل إنتاج واستخدام وتصدير الهيدروجين الأخضر، نظرا لما يحظى به هذا القطاع من اهتمام كبير على المستوى العالمى باعتباره مصدرًا واعدًا للطاقة المتجددة فى المستقبل القريب.
ويتم تنفيذ العديد من المشروعات الضخمة مثل الموانئ الجافة والقطار الكهربائى وتطوير خطوط مترو الأنفاق، المونوريل أو النقل الكهربى والنقل الجماعى.

مشروعات خضراء
وتم إنشاء الخط الثالث لمترو الأنفاق، وتنفيذ مشروع إحلال التاكسى فى القاهرة الكبرى والذى يهدف إلى خفض 264 ألف طن من انبعاث ثانى أكسيد الكربون سنويًا فضلًا عن عائده الاقتصادى والاجتماعى، وتم حظر إنتاج واستيراد الدراجات البخارية ثنائية الأشواط، واستبدالها بموتسيكلات رباعية الأشواط تخفض التلوث الصادرة عنها.
ويتم تطوير منظومة النقل العام فى القاهرة الكبرى والإسكندرية وتحويل الأتوبيسات للعمل بالغاز الطبيعى والطاقة الكهربائية بدلا من السولار؛ حيث تم صرف 6 مليارات جنيه؛ وفرت 60 ألف فرصة عمل على شراء 2000 أتوبيس جديد ورفع كفاءة وتطوير 156 قطار ترام و7 أتوبيسات كهربائية و182 أتوبيس للعمل بالغاز الطبيعى، وتطوير ورفع كفاءة وعمرات جسيمة لعدد 2000 أتوبيس.
وتم إحلال وتخريد 4701 سيارة (4508 ملاكى و193 تاكسى وميكروباص) ضمن المبادرة الرئاسية لإحلال المركبات المتقادمة للعمل بالغاز الطبيعى بدلا من الوقود التقليدى، منذ إطلاقها يناير الماضى وتسليم 4528 سيارة؛ من إبريل حتى نهاية أغسطس الماضى.
وتحملت الخزانة العامة صرف حافز أخضر لتشجيع المواطنين على الاشتراك فى المبادرة بقيمة 92.8 مليون جنيه، الذى يبلغ 10 % من قيمة السيارة الجديدة الملاكى بحد أقصى 22 ألف جنيه، و20 % من ثمن سيارة «التاكسى» الجديدة، بحد أقصى 45 ألف جنيه، و25 % لـ«الميكروباص» بحد أقصى 65 ألف جنيه، إضافة إلى التسهيلات الائتمانية غير المسبوقة بسعر عائد ثابت للبنك 3 % طوال فترة التقسيط.
وهناك 31 ألف طلب لتخريد السيارات على الموقع الإلكترونى للمبادرة حتى منتصف أغسطس الماضى، والمستهدف إحلال 250 ألف سيارة خلال 3 سنوات، وسيتم بدء المرحلة الأولى للمشروع بإجمالى 70 ألف سيارة مستهدفة فى السنة الأولى بقيمة 2 مليار جنيه، وزيادة المستهدف إلى 90 ألف سيارة فى السنة الثانية والثالثة تماشيًا مع جهود التحول إلى الاقتصاد الأخضر، والاعتماد بشكل أكبر على الطاقة النظيفة، وتوطين صناعة السيارات والصناعات المغذية لها فى مصر، ورفع الأعباء عن المواطنين بمساعدتهم على اقتناء سيارات متطورة وموفرة اقتصاديًا بحوافز وتسهيلات ائتمانية.
إدارة متكاملة
تتبنى الحكومة نمط المدن الخضراء على عدة محاور؛ منها مواجهة نوبات تلوث الهواء الحاد (السحابة السوداء)؛ وتشمل منظومة جمع وتدوير قش الأرز، والحد من عوادم المركبات، والتحكم فى انبعاثات المنشآت الصناعية، والسيطرة على الحرق المكشوف للمخلفات البلدية، وتم توفيق أوضاع 3 آلاف مكمر فحم. لتتوافق مع الاشتراطات البيئية.
وقانون تنظيم إدارة المخلفات يدعم منظومة الاقتصاد الأخضر وإعادة التدوير، وإنشاء وتنفيذ منظومة تعمل بشكل جدى لإلغاء كل المقالب العشوائية والرفع السريع للمخلفات البلدية وفرزها، وتأسيس إدارة متكاملة لمنظومة المخلفات بكل محافظة.
وتعمل وزارة التنمية المحلية على رفع كفاءة عمليات جمع ونقل ومعالجة وتدوير المخلفات الصلبة وضمان الدفن الصحى الآمن لها من خلال الاستثمار فى البنية التحتية لقطاع النظافة بالمحافظات وإنشاء مصانع لتدوير المخلفات، ومدافن صحية آمنة، وطرق مبتكرة لتحويل المخلفات إلى طاقة، ودمج القطاع غير الرسمى بالمنظومة وتشجيع الاستثمارات والابتكارات بما يضمن استدامة المنظومة.
وأطلقت الوزارة مبادرات شبابية، منها «هنجملها» و«معًا لنرتقى» للتوعية بحماية البيئة والنظافة وتغيير ثقافة وسلوك المواطنين وتدريبهم على زراعة الأسطح لتحقيق تكافل اجتماعى ذاتى مصدره قيمة بيع المخلفات.
وتنفذ وزارة البيئة 120 مشروعًا للحد من التلوث الصناعى، وتشجيع الإنتاج الصناعى الأنظف، والتحول نحو الصناعات رشيدة الاستهلاك للمواد الطبيعية والطاقة والمياه. وإعادة توزيع الخريطة الصناعية لمصر، وتوطين الصناعات بالمدن الجديدة، والتوسع فى دعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة فى مجال البيئة.
وفى إطار فكرة الاقتصاد الدوار أو الاقتصاد الأخضر؛ تم التعاقد مع عدد من الشركات وبدء تحويل المخلفات لطاقة وتشجيع الشركات الوطنية للدخول فى هذا المجال، بإجمالى استثمارات 340 إلى400 مليون دولار خاصة بالمرحلة الأولى، وكذلك الاستثمار فى المحميات الطبيعية وإعادة التدوير وحملات التوعية بالحفاظ على البيئة البحرية وغيرها والحد من استخدام أكياس البلاستيك، وترشيد استهلاك الموارد الطبيعية.
والمنظومة الجديدة لإدارة المخلفات الصلبة تستهدف إنشاء 80 مدفنًا صحيًا و60 مصنعًا لتدوير المخلفات و120 محطة وسيطة. وتم تقنين أوضاع 8 مصانع لتدوير المخلفات الإلكترونية، وجارٍ تقنين أوضاع 6 أخرى، وكذلك التعاون مع 8 شركات للعمل مع القطاع غير الرسمى فى تدوير المخلفات البلاستيكية.
كما يتم التوسع فى مشروعات البيوجاز؛ للاستفادة من روث الحيوانات والمخلفات الزراعية لإنتاج سماد عضوى وغاز حيوى للاستخدام المنزلى، بما يمثل نموذجًا للاقتصاد الدوار، وأصبحت هناك 26 شركة ناشئة و1800 وحدة بيوجاز فى 12 محافظة كنماذج تجريبية.