الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
سيادة القانون لا الفتاوى

سيادة القانون لا الفتاوى

لم أكن يومًا من أنصار القرارات الفوقية المتعلقة بتغيير العوامل المجتمعية. وحين تغيرت قناعاتى نسبيًا بسبب ما يجرى فى المجتمع المصرى من تمكين لقيم الرجعية وتسكين لقواعد العشوائية على مدار ما يزيد على أربعة عقود، تارة باسم الدين وأخرى بحجج الفقر والجهل، رأيت أن تتواكب القرارات الفوقية بالتغيير مع العمل الأهلى لتطهير الثقافة وتنقيح الأفكار. ولأن قيم الرجعية وقواعد الشعبية آخذة فى التوغل فى المجتمع مرتدية بدلة المحافظة التنكرية، فقد بت على قناعة بأنه لم يعد أمامنا سوى اللجوء للقرارات الفوقية.



فحين يصدر قرار مثلًا بمنع الفوضى المرورية فى الشارع، وتجريم تسرب الأطفال من المدارس والزج بهم فى سوق العمل العشوائى، وعقاب المتحرش بالأنثى ولو بالنظر، وتوقيع المخالفة الفورية على غير الملتزمين بإجراءات مواجهة الوباء مثل ارتداء الكمامات والحصول على التطعيمات دون ضرب الشهادات، ومنع التدخين فى الأماكن العامة، وتوقيع عقوبات صارمة على طالبى الرشاوى حتى لو كانت متناهية الصغر، وغيرها من القرارات التى تصاحبها قوانين ويواكبها تدريب مكثف حقيقى لمنفذى هذه القوانين، فإن الأوضاع المعيشية والمجتمعية والنفسية والعصبية ستتغير فى مصر حتمًا. 

ما جرى فى مصر على مدار عقود طويلة لم يقف عند حدود التجريف الثقافى، لكنه امتد إلى نشر معتنق العشوائية والفوضى العارمة. ووصل الخبث والشر بمن سمحوا بذلك الحد الذى جعلهم يمررون حججًا هرائية وأعاذير هزلية لحالة الفوضى والعشوائية باعتبارها ناجمة عن الفقر والغلب والبؤس حينًا، أو لأن الشعب متدين بالفطرة ما يشفع له أى جرم يرتكبه حيناً، أو لأنه ليس فى الإمكان أفضل مما وصل إليه الحال.

لكن تحسين الحال بات ضرورة حتمية إن نحن أردنا أن ننجو بأنفسنا، وأن نواكب ثورة البنية التحتية غير المسبوقة التى نعيشها. تطبيق القوانين بصرامة وشدة بل وقسوة هو الحل الأمثل. الحضارة ليست تاريخًا مشرفًا من البناء والإنجاز. الحضارة حاضر أيضًا. وحاضرنا فى مأزق. والمأزق لا يمكن تبريره بـ«معلش أصله فقير»، فالفقر لا يعفى من الالتزام بالقانون والخضوع للعقوبة فى حال خرقه. الدول التى تنفذ القوانين تدرب وتوعى وتنفذ وتلغى خانة «كانى ومالى»، كما أنها لا تستبدل منظومة القوانين بمنظومة إفتاءات.

لماذا؟ لأنها دول مدنية تعتنق سيادة القانون.