خداع الـ «بيست سيلر»

تقرير كتبته: سمر جمال
انتهت، منذ أيام، فعاليات معرض الكتاب رقم 53 فى نسخة تميزت بالنجاح وبإقبال جماهيرى عريض من فئات عمرية متفاوتة، على الرغم من إقامته أثناء امتحانات الترم الدراسى الأول.
لكن حرص الشباب والطلاب على التواجد كان كبيرًا، ولأن الاختلاف مطلوب بين الثقافات تجد بين الزوار عديدا من الجنسيات، وتواجدا ملحوظا من كل الدول بدور نشر مختلفة منتشرة فى كل صالات المعرض.
وطال التنوع كذلك نوعية الكتب الصادرة من دور النشر، فتجد كل الأنواع لترضى جميع الأذواق، ليحقق هذا العام مكسبا مضافا للثقافة والشارع المصرى.
على هامش الكلام فى الثقافة ودنيا الكتاب يأتى طرح تساؤلات عن ظاهرة «البيست سيلر» أو «قائمة الأكثر مبيعًا»، التى انتشرت السنوات الماضية.

هل «البيست» دليل على الجودة؟! هل يمكن الاعتماد عليها فى تقييم الكاتب وترتيب الأعمال على قوائم الأفضل أدبيًا؟!
بدأت منذ أعوام تخرج قائمة خاصة بكل دار نشر بعد انتهاء معرض الكتاب بالأكثر مبيعًا.
«البيست سيلر» ظاهرة حديثة فى الأدب الحالى، ظهرت الأعوام الأخيرة وأصبح حلم كل كاتب شاب وناشر عمل ما دخول تلك القائمة، وأصبح هاجسا يسيطر على كثيرين خصوصًا الشباب فى عالم الثقافة والنشر.
قوائم الأكثر مبيعًا، حسب اعتقاد دائر هى أفضل دعاية للكتاب ودار النشر، فيما تروج دور النشر للكتاب الأكثر مبيعًا أنه الأفضل بين أقرانه، مما يدفع بمزيد من الدعاية فى مختلف المنافذ بمبيعات أكثر وتداول أكبر.
بالنسبة للكاتب، فإن كونه صاحب الأكثر مبيعًا فإنه يضمن جماهيرية وشعبية، لا يعتقد فيها كثير من الأدباء والروائيين من أجيال سابقة، لذلك كثيرًا ما أثارت كتب كانت الأكثر مبيعًا صخبا فى مناقشات وصلت للتلاسنات فى الأوساط الأدبية.
من وجهة نظر بعضهم فإن معايير «البيست سيلر» تختلف من دار لأخرى ويمكن التلاعب بها لذلك يرى أصحاب هذا الرأى أنه فى جميع الأحوال لا يمكن اعتبارها مقياسًا للجودة.

قياسات مختلفة
اختلاط المعايير بين دور النشر وبين عدد المطبوع فى الكتب واحد من العوامل التى لا تتيح قياسًا حقيقيًا على الكتاب الذى يدخل قائمة البيست سيلر فتجد بعض الطبعات لا تتعدى مائة نسخة حسب الاتفاق بين دار النشر والكتاب على أن تعاد فى طبعة ثانية بعد نفاد الطبعة الأولى.
ودور نشر أخرى تطبع 500 نسخة ما يجعل من أحد الكتب أكثر مبيعًا مع أن عدد المطبوع أقل!
هذا الاختلاف أساء كثيرًا للكتاب الكبار وذوى الكتابات المتميزة من الشباب على الرغم من قاعدتهم الجماهيرية.
وتضع قائمة البيست سيلر كتابا آخرين فى مكانة غير حقيقية بسبب أرقام الطبعات على غلاف الكتب، فيما تلجأ لتلك الحيلة دور نشر صغيرة تسعى للانتشار فى إطار محاولاتها خلق نجومية كتاب بعينه.
نساء البيست سيلر
كان التواجد النسائى هذا العام فى معرض الكتاب لافتا للنظر. تفوقت الكاتبات والروائيات لاحتلال مراكز متقدمة فى قوائم الأكثر مبيعًا فى معظم دور النشر.
لم يكن تفوقا عدديا فقط، إنما ظهر العديد من الكاتبات الشباب بروايات جديدة تنشر لأول مرة وسط إعادة نشر أعمال لكاتبات سبق نشر إنتاجهن بحركة رواج ظاهرة فى المبيعات.
الكثافة فى أعداد الكاتبات كانت غير مسبوقة هذه الدورة من دورات معرض الكتاب.

غير حقيقية
يرى الناقد شعبان يوسف ظاهرة البيست سيلر خادعة لأن السؤال الأصلى هو: من يقيم البيست سيلر؟
يقول: دور النشر تحب تصعيد بعض الكتب، فتعلن انتهاء الطبعة الأولى لبعض المطبوع الذى قد لا يتعدى الثلاثين نسخة، لنفاجأ أنه يصل إلى العديد من الطبعات دون أن يصل عدد المطبوع فى كثير من الأحيان لخمسمائة نسخة!
يضيف يوسف: كان الجود ريدر يستخدم من أرقام الطبعات أحيانًا لقياس الرأى، فأصبح يتم عمل حسابات وهمية لتزيد من تقييم بعض الكتب، مما أدى إلى وصول الكتاب الردىء لأربع نجوم وهو ما لا يعبر عن الحقيقة ولا الواقع..
لذلك يؤكد شعبان يوسف: أعتبر أن البيست سيلر ظاهرة تجارية، تحفيزا للشراء.
فى رأى يوسف أنه: «حتى لو وجدت ظاهرة البيست سيلر بشكل حقيقى، فإنه من المؤكد أنه ليست كل الكتب بها جيدة بالتأكيد».
يضيف: بعض الفاعليات الثقافية تكون كاشفة مثلما حدث فى ندوة قمنا بها فى المقهى الثقافى للشاعر الشاب زاب ثروت له متابعون بالملايين، على السوشيال ميديا، بينما لم يزد عدد حضور الندوة على 3 آلاف، وهو ليس بالشاعر الجيد من الناحية الفنية.
عن تقدم الروائيات لاحتلال مواقع زائدة على قوائم البيست سيلر قال: وأنا من المنحازين للكاتبات، لكن أعتقد أن تحليل ظاهرة سيطرتهن على الأكثر مبيعا تحتاج لمحلل فى علم الاجتماع الأدبى.
يضيف: كل ما نستطيع قوله إنه كان هناك ضغط على الكاتبات منذ عقود بعيدة، وقعت فيه المبدعة المرأة تحت ضغط وحالة إزاحة تاريخية باحتكار ذكورى تاريخى.
وأعتقد أنه بسبب كثرة الضغط أصبحت لدى النساء مثابرة وعزيمة فى عصرنا الحالى الداعم لأن تقتحم عالم الأدب خاصة الروايات.
أضاف يوسف: «مؤخرا وجدت نفسى أناقش ثمانين فى المائة من الأعمال لسيدات، ومعظمهن شابات فى العشرينيات، وأرى أن اقتحام المرأة لحقل الكتابة هو مطمئن لمستقبل الكتابة فى مصر».
الكاتبة نهى عودة واحدة من الكاتبات الأكثر مبيعا السنوات الأخيرة، حقق عملها عن «العشق والسفر» رواجا كبيرا وتقول هى عنه: «يصنف كعمل تاريخى، مع أسلوب سلس لجذب فئة جديدة من القراء، وتداخله فى أدب الرسائل والهندسة المعمارية والرومانسية، فى خليط فريد».
ترى نهى ظاهرة البيست سيلر حقيقية وترى أيضا أنه يجب أن تكون هدفا لكل كاتب وأنها تسعى للتواجد الدائم فى تلك القائمة، لأنها كما قالت ترى أن الكاتب الذى يعيش بالأسلوب القديم خلف مكتبه ولا يحتك بالقراء لن يجد مكانا فى زمن السوشيال ميديا.
تضيف نهى أنها قد تشترى كتابا فقط لأنه فى الأكثر مبيعا، أو بسبب تعليقات القراء عن الكتاب فى «الجود ريد» ولكنها لا تنساق خلف التعليقات المكررة على السوشيال ميديا.
أما الكاتبة شيرين سامى، فقالت إنها لا تهتم بقائمة البيست سيلر لأنها تختلف من مكان لآخر، من دار النشر أو فى المكتبات العامة أو على صفحات السوشيال ميديا، أما عن تواجد أكثر فترى السبب أنهن أصبح لديهن فرصة أكبر للتعبير عن أنفسهن وتحقيق أحلامهن، والكتابة حلم وهدف بحد ذاته خاصة للكاتبات لأول مرة.
تضيف أن المحتوى الذى تقدمه المرأة فى الأدب لم يختلف، لكن الوعى أصبح أكبر.
لكن تعود شيرين وتقول إن التقدم للمسابقات الفنية أصبح كثيرا أو المنافسة تصبح أشد، وعدم الفوز لا يعنى سوء العمل، بعض الأعمال تنجح بالدعاية والمتابعين على مواقع التواصل فقط، وأن الفضول فى الاطلاع على قائمة البيست سيلر قد يدفع بعضهم للشراء وقد تخذلهم تلك الكتب.

تقول شيرين إنها تشترى فى الغالب بعد فكرة مسبقة عن الكاتب وترشيحات من أصدقاء مؤكدة أن التطور المستمر فى الكتابة يتيح الانتشار وخلق قاعدة جماهيرية.
لكن الجمهور ذكى يما يكفى يفهم أى تلاعب من دور النشر.
لا شك أن السوشيال ميديا ساهمت فى خلق ظاهرة البيست سيلر وأصبحت المتحكمة فيها فأصبح الشراء والمجاملات بالدعم أكثر من الحقيقة، وكذلك فإن شراء تقييمات وهمية على موقع الجود ريدر، كلها عوامل تحفز القارئ على الشراء، ومع الإقبال على الشراء لا بد أن ترتفع المبيعات.. بصرف النظر عن إحباط ما بعد القراءة فى كثير من الأحيان!