إبداع نزيه حاصد للجوائز

هناك علاقة وطيدة بين الموسيقى والرياضيات، فنجد العالم الرياضى والموسيقى فيثاغورث يعرف الموسيقى بأنها عدد ونغم، أما تعريف الرياضيات بالبنى المجرد باستخدام المنطق والبراهين الرياضية، ونجد أن هذه العلاقة تتأصل لدى بعض دارسى كليات الهندسة بمنطقهم الرياضى ودراسة البنى المجردة موسيقياً ورياضياً، فنجد على سبيل المثال المهندس أبوبكر خيرت بخبرته الهندسية قام بإنشاء مباني أكاديمية الفنون، ولدرايته الموسيقية كان أول عميد للكونسيرفتوار. 

وفى هذا الإطار أجد مؤخراً مؤلفاً موسيقياً مصرياً ذاع صيته فى الأوساط الموسيقية المحلية والعالمية بما قدمه من إبداعات متميزة، والحقيقة أنه أبهر العالم حين قدم موسيقى الموكب الأسطورى المهيب لنقل المومياوات، حيث برع هشام نزيه فى الموسيقى المرافقة حين وظف أنشودة فرعونية فى قالب موسيقى أوركسترالى يشعرك بالعظمة والفخامة، وعبرت عن الموكب الملكى بألحان بوليفونية تآزرت فيها الهارمونية والكنترابنطية بوعى وفهم وإدراك لمؤلف يمتلك أدواته الموسيقية. ورغم أنه هاوٍ لم يدرس فى أحد المعاهد الموسيقية المتخصصة، إلا أنه استطاع أن يحرك مشاعر الهواة والمتخصصين على حدِ سواء بقدراته الإبداعية المتفردة. هشام نزيه الدارس للعلوم الرياضية بكلية الهندسة جامعة القاهرة قسم طاقة وآلات كهربائية، كانت موهبته الموسيقية تمتلك طاقة ضخمة تتماهى مع قسم الطاقة الذى درس به سنواته الجامعية، لكن طاقته الموسيقية كانت أكبر وأعظم فصنعت حراكاً حسياً ووجدانياً لجموع الشعب المصرى، بل للعديد من متابعى هذا الحدث الأسطورى حول العالم، مما لفت الانتباه له ولموهبته والتى لم تقتصر بالطبع على هذا الحدث، فهو مؤلف موسيقى أبدع فى مجال موسيقى الفيلم علامات مثل الفيل الأزرق بحداثته الموسيقية وألوانه الصوتية المفعمة بالتجديد. ولم تقتصر براعته هنا وإنما منذ بزغت موهبته وأفرزت لآلئ موسيقية درامية لأكثر من أربعين عملاً سينمائياً وتليفزيونياً بدأها بفيلم هيستريا عام 98، بينما الانطلاقة الحقيقية مع الجمهور من خلال فيلم السلم والثعبان عام 2001، وغيرها من الأفلام الناجحة مثل الكنز، سهر الليالى، إبراهيم الأبيض، ومن المسلسلات أفراح القبة، السبع وصايا.

كما نال جوائز عديدة عن معظم موسيقاه توجت بجائزة فاتن حمامة للتميز من مهرجان القاهرة السينمائى عام 2018، أيضاً حصل فيلم تراب الماس على جائزة مهرجان جمعية الفيلم عام 2019 التى شرفت بعضويتها كموسيقية، وكذا تم تكريمه من مهرجان الموسيقى العربية فى دورته الأخيرة 2021. ومؤخراً استحق بجدارة جائزة الناقد الموسيقى جونثان بروكستون من المملكة المتحدة عن موسيقى حفل المومياوات ووصف العمل بأنه هائل وملىء بالموضوعات والدراما بجانب القوة والفخامة الأوركسترالية وأن الموسيقى مذهلة وتخطف العقل.

حقيقة تتسم موسيقاه بالخروج عن المألوف، وهو ما يتعلق بشكل مباشر بالإبداع الحقيقى، حيث رسم لنفسه خطاً خارج السياق التقليدى، وعلم نفسه الموسيقى وكانت روافده المستقاة محطمة للأفكار الكلاسيكية وعابرة لأطروحات جديدة تعمل على هدم النمطية والتعامل مع المستحدثات فيما يعرف فلسفياً ونقدياً بفنون ما بعد الحداثة. ولأهمية مؤلفاته فقد وجه زميل لى مشرف رسالة دكتوراه دارسته للبحث فى أعماله لإيمانه بما يستحدثه ولاقى الموضوع قبولاً كبيراً وكانت المناقشات غاية فى الثراء، فدائماً ما يأتى التغيير من غير النمطيين والمقولبين داخل إطار محكم البناء، فالدراسة مهمة بالطبع، ولكن حينما تتغلب الموهبة وتتوغل محطمة أغلال الأطر التقليدية للمعرفة نبقى أمام حقيقة تجعلنا عاجزين عن التصنيف. ويبقى الواقع أننا أمام فنان له فلسفة وفكر مغاير يجذب المتابعين ويشرفنا بنيل الجوائز فى الداخل والخارج، هشام نزيه جوائزك تسعدنا كموسيقيين استمر فى مسيرتك الناجحة ومزيد من الحصاد.