الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
ثواب مقاتلى «غزوة المعلمة»

ثواب مقاتلى «غزوة المعلمة»

متى أصبح الغش عرفًا مقبولًا وتصرفًا محمودًا فى ثقافتنا المدرسية والتعليمية؟ يصعب تحديد تاريخ بعينه للغش، كما يستحيل وضع اليد على أول الغشاشين أو بالأحرى أول من حوَّل الغش من خانة العيب وانعدام الأخلاق إلى مكانة «ساعد زملاءك واكسب فيهم ثواب». لكن يمكن التكهن بالحقبة الزمنية لو  استدعينا التطورات الاجتماعية والثقافية التى مرت بها مصر. 



مصر التى كانت دولة وشعبًا وفكرًا مدنيًا مع تمسك بالدين تمسكًا جوهريًا لا مظهريًا حتى منتصف سبعينيات القرن الماضى كانت تعتبر الغش ممنوعًا. وقلما كان هناك معلم يبيح الغش، فالمعلم كان تربويًا قبل أن يكون أكاديميًا. وهو نفسه نشأ وترعرع فى بيت ربما لا يفقه أهله القراءة والكتابة، لكن كانوا يفقهون الصح من الخطأ والممنوع من المسموح. والأرجح أنه تربى فى مجتمع لم يكن قد توسعت مترادفاته بعد لتصل إلى قدرة فائقة فى تسمية النفاق ذكاءً اجتماعيًا والرشوة «النبى قبل الهدية» والنصب والاحتيال شطارة وسمسرة والبلطجة وقلة الأدب ذكورة وجدعنة والغش فى الامتحان محاصصة معرفية وشفافية معلوماتية ومساعدة للزملاء تستحق الأجر والثواب. 

ثواب كبير «عمله فينا» جموع الأهالى ومعهم بناتهم الفاضلات الجواهر المكنونات حين حاصرن معلمة الدقهلية التى منعت فلذات الأكباد من الغش وضربنها حتى لم تتمكن المعلمة قاسية القلب من الخروج من المدرسة إلا فى حماية الشرطة. آه والله. ثواب كبير لهؤلاء الأهل الذين أحضروا كشافًا ضوؤه باهر وسلطوه على عورات نعيش فى كنفها دون أن ندرى – وربما ندرى لكن ندعى عدم الدراية- مدى فداحتها وحجم قبحها. 

وهل هناك أقبح من أب أو أم مسئوليته الكبرى تربية الصغار على الفضيلة وتنشئتهم على الأخلاق وزرع ما يصح وما لا يصح فيهم، ثم يتضح إن تربيتهم والعدم سواء، بل ربما العدم كان أفضل؛ إذ إن فطرة الإنسان تميل إلى الحق والخير. واقعة معلمة الدقهلية التى رفضت الغش وتعرضت للتهديد بالقتل بالغة الأهمية. فهى تدفعنا دفعًا للخروج من غيبوبتنا الأخلاقية التى يمعن تدين السبعينيات المظهرى منزوع الجوهر فى إبقائنا فيها نائمين مغيبين خانعين راضين عن أنفسنا أو بالأحرى صورتنا الملتزمة جدًا بغض النظر عن محتواها. 

محتوانا فيه الكثير من الصفات الجيدة والحميدة، لكن ملامحها مطموسة تحت طبقات عدة من الرواسب الثقافية المستوردة والتعاليم التى ادعى مروجوها إنها الدين والدين منها بريء. ولو قُدِّر لباحثين أن يحللوا مضمون المخزون الثقافى الذى تم بثه عبر مكبرات صوت بيوت الله على مدار 50 عامًا لوجدوا أن أغلب التركيز كان على ماذا نرتدى وكيف ننكح وماذا نقول فى الحمام وهل الكلب حرام وحكم من قال لجاره غير المسلم «صباح الخير». قرار إلغاء العيب وتعميم الحرام بديلًا لم يجعل من الغش فى الامتحان أو النصب على العميل أو التحرش بامرأة لا تلتزم بمقاييس أيزو ملابس السبعينيات ممنوعات. هناك من تغاضى عنها تمامًا، بل هناك من قال وجاهر بأن «النظر إلى من لا ترتدى الحجاب لا غبار عليه». 

ثواب الأهل الذين انتفضوا وقاموا بغزوة ضرب المعلمة ومحاصرتها كبير. ورب غزوة خير من ألف دعوة للإفاقة.