الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
البوليس الإنجليزى .. كسلان!

البوليس الإنجليزى .. كسلان!

يبعث إلى ضحايا الجرائم برسائل إلكترونية على الكومبيوتر أو الموبايل يطلب منهم فيها القيام بعمله: تحرّى الجريمة وتصوير المكان فى فيديو أو على التليفون وإرسال ذلك إلى العنوان الإلكترونى لقسم البوليس!



 

وموجهو الاتهام هم مواطنون إنجليز.. يرون أنه بحجة انتشار فيروس كورونا منذ نحو سنتين، وبدعوى حماية رجال ونساء البوليس من الإصابة بالعدوى خلال الاحتكاك اليومى بالناس، وبدافع احترام قواعد الوقاية من الفيروس، بالتباعد، يتهرب المسئولون عن حماية الأمن ومكافحة الجريمة ومطاردة اللصوص، من القيام بواجبات عملهم، وقد ساعدهم على ذلك ورأوا فيه تغطية قوية لكسلهم، تطور تكنولوجيا الاتصالات وسهولة استخدام الكمبيوتر والإنترنت، ووجدوا برامج إلكترونية خاصة تسهّل لهم العمل بعيدا عن الاتصال المباشر بالناس وملاحقة المجرمين وتحرّى وقائع الجرائم.. 

فبدلا عن أن يقوم رجل البوليس بنفسه بالعمل والتحرّى وسؤال الضحايا ومعاينة أماكن الجرائم، وفحصها، أصبح كل ما يقوم به هو أن يبعث إلى الضحايا برسائل إلكترونية على الكومبيوتر أو التليفون المحمول يطلب منهم فيها القيام بعمله.. وتحرى الجريمة وتصوير المكان فى فيديو أو على التليفون وإرسال ذلك إلى العنوان الإلكترونى لقسم البوليس أو الإدارة المختصة بنوع الجريمة!

وآخر الأخبار تقول أن إدارات كثيرة فى قوات البوليس البريطانية الشهيرة «سكوتلانديارد» تستعين الآن ببرنامج إلكترونى صممته شركة متخصصة فى أمريكا يدعى «أكسون» يستخدم فى التواصل بين أفراد البوليس وضحايا الجرائم.. بدلا من الاتصال الشخصى وجها لوجه. 

ومن خلال هذا البرنامج يبعث البوليس للضحية برسالة بريد إلكترونى أو رسالة نصية على التليفون المحمول ومعها رابط «لينك» يطلب من الضحية الذى تعرض لجريمة من أى نوع، أن يرسل الصور أو الفيديو الذى يحتوى على الأدلة.. ويطلق على هذا البرنامج الآن اسم «المواطن أكسون»!

وقالت الشركة المصنعة للبرنامج إن الخوف من انتشار الإصابة بكورونا هى سبب لجوء قوات البوليس لاستعمال هذا النظام، حتى يقل احتكاك أفراد البوليس بالجمهور. 

 

 

 

 

ويقول «مايك آشبى كلارك» مدير فرع شركة «أكسون» فى بريطانيا، وهو ضابط بوليس إنجليزى سابق، أن تفشى الوباء جعل إدارة البوليس تقلب نظام العمل وتلجأ إلى التكنولوجيا، مضيفا أنه فى السنوات الأخيرة أصبح اللجوء إلى الأساليب التكنولوجية والبرمجيات والإنترنت فى الحصول على الأدلة. جاء ذلك خلال حديثه فى مؤتمر عقد مؤخرا تحت عنوان «عمل البوليس خلال انتشار الوباء».

ومضى يقول: «رجال البوليس يقودون سياراتهم إلى بيوت الضحايا، يدقون الأبواب، ويفحصون المحمول وكاميرات المراقبة الموجودة فى كل مكان، ويجمعون أدلة مصورة، ثم يعودون إلى القسم لفحص كل ذلك.. وهذا يحدث مئات آلاف المرات كل يوم، لا حاجة لهذا الآن.. التكنولوجيا سهلت المهمة، لقد غير كورونا أسلوب تعامل الناس مع الجريمة، فأصبحوا يسجلون بتليفوناتهم المحمولة الوقائع، فيوفرون على أفراد البوليس الوقت ويحمونهم من الإصابة بالعدوى». 

وأعلن بوليس«سكوتلاند يارد» أنه يستعمل برنامج «المواطن أكسون» هذا الآن، وبتكلفة تصل إلى 847 ألف جنيه إسترلينى فى السنتين المقبلتين، وأن ذلك يوفر ما يعادل 27 ألف يوم من أيام عمل أفراد البوليس فى السنة. 

وأضاف أن ما كان يتم تحريه بالاتصال المباشر بين رجال البوليس والجمهور فى ثلاث ساعات، يتم إنجازه باستخدام البرنامج الإلكترونى الجديد، فى دقائق معدودة.

هكذا دافعت الشركة المنتجة لهذه التكنولوجيا عن برنامجها، وهكذا دافع «سكوتلانديارد» عنه، لكن ماذا يقول الضحايا؟

أعلنت مجموعات تشكلت خصيصا للتعبير عن رأى وموقف ضحايا الجرائم من هذا النظام، أنها تعترض على استعماله، وحذرت جمعيات خيرية معنية برعاية كبار السن، من أن مثل هذا البرنامج لا يلغى ضرورة تواجد رجال ونساء البوليس فى الشارع وزيارة البيوت وأماكن وقوع الجرائم وفحصها مباشرة على أرض الواقع.. وزيارة من يبلغون عن الجرائم فقد يكونون فى حاجة إلى المساعدة، أو اللقاء الشخصى وجها لوجه، خاصة وأنهم ليسوا مدربين على استعمال هذه التكنولوجيا ولا يعرفون التعامل مع الكومبيوتر وليس لديهم كومبيوتر أصلا.. هناك أناس مسنون وآخرون عجزة أو مرضى. 

واحدة من أبرز الشخصيات العامة المعنية برعاية كبار السن، هى الإعلامية التليفزيونية السابقة الشهيرة «استر رينزن» التى أسست جمعية « الخط الفضى» الخيرية تقول: للأسف، فإن كبار السن يعتبرون من المستضعفين تجاه الجريمة، ويعتمدون على البوليس، فهذا البرنامج التكنولوجى سوف يزيد من عزلتهم ويسبب لهم المعاناة، لأنهم لا يستعملون هذه التكنولوجيا وليسوا على الإنترنت ولا يستعملون الكومبيوتر.. والهاتف الذكى و«الآيباد»..نسبة عالية جدا من كبار السن الذين التقيهم، ليس لديهم كمبيوتر، وبالتالى لا يعرفون كيف ينقلون الصور والأدلة عليه.. هناك شىء مهم جدا فى زيارة البوليس لهم لأنك تستطيع أن تجمع منهم معلومات وأدلة أكثر، وهم يمكنهم الحصول من البوليس على نصائح مفيدة لحماية أنفسهم وممتلكاتهم.

فهل نتجاهل هؤلاء، وهم أغلبية الآن فى هذا البلد؟.. وتضيف موجهة الحديث للبوليس: وأيضا وجودكم فى الشارع مهم وضرورى،لأنه يمنحهم الإحساس بالأمان ويطمئنهم ويزيد من ثقتهم فى ما حولهم.

ويقول «جيفرى ديماركو» من «جمعية مساعدة ضحايا الجرائم»: المشكلة لا تتعلق فقط بكبار السن، فهناك كثيرون ممن هم أصغر سنا، ليس لديهم كمبيوتر أو غيره، ولا يعرفون التعامل مع هذه التكنولوجيا، كما أن التواصل الشخصى للبوليس مع الناس وجها لوجه أمر ضرورى بالنسبة لكثيرين من ضحايا الجرائم، لأنه يمنحهم الشعور بالأمان ولأنهم يحتاجون للمساعدة والنصح والطمأنة بعدما سببه وقوع الجريمة لهم من المعاناة والخوف، وتزعزع الثقة. هؤلاء الضحايا يجب ألا يتركوا أويتم تجاهلهم، ويجب على البوليس أن يطمئنهم ويتأكد من أنهم يلقون الاهتمام المباشر وجها لوجه الذى يحتاجون إليه ويستحقونه.