الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الإله «يناير» الغاضب المنسى

يناير.. من كتاب ساعات دوق بيري الغنية
يناير.. من كتاب ساعات دوق بيري الغنية

يناير هو أول شهور السنة وأبردها فى معظم نصف الكرة الشمالى، وهو الشهر الثانى من فصل الشتاء، والأكثر دفئًا فى معظم نصف الكرة الجنوبى.



وهو الشهر الأول من التقويم الجورجى الذى دخل صر اعًا مع عدد من التقويمات التاريخية حتى سيطر وتغلب وجلس على عرش تسمية شهور السنة.

 

منذ 750 عامًا قبل ميلاد المسيح، تعامل الرومان مع علم التاريخ باعتمادهم على التقويم القمرى، الذى يتضمن 10 شهور فقط، وكانت فترة الشتاء غير تابعة للتقويم، السنة وقتها كانت 304 أيام طبقًا للحسابات القمرية، لذلك لم تظهر أشهر يناير وفبراير فى الإصدارات السابقة من التقويم الرومانى القديم لأنه كان يقسم السنة إلى 10 أشهر لتظل 61 يومًا فى الشتاء مفقودة!

ظلت أشهر الشتا ء مفقودة إلى عهد رومولوس خليفة الملك نوما بومبيليوس الذى حكم روما عام 715 قبل الميلاد، حيث أضاف الرومان وقتها شهرى يناير وفبراير ليصبح التقويم مساويًا للسنة القمرية «364 يومًا».

طبقا للمعتقدات الرومانية التى كانت لا تفضل الأرقام الزوجية، فقد أضاف الرومان يوما للعام لتصبح السنة 365 يومًا.

فى التقويم القديم، حيث كانت شهور الشتاء مفقودة، كان مارس هو أول العام، وبعد إضافة شهرى يناير وفبراير، حل مارس فى المركز الثالث لشهور السنة.

كان ذلك الوضع هو السارى حتى استدعى الإمبراطور يوليوس قيصر، الفلكى المصرى المنجم سوريجين من الإسكندرية، طالبًا منه أن يضع تاريخًا حسابيًا يمكنه الاعتماد عليه والأخذ به.

 

 

 

 

ونفذ الفلكى طلب قيصر وقام بوضع تاريخ يستند إلى السنة الشمسية عام 46 قبل الميلاد.

نسب ذلك إلى الإمبراطور يوليوس قيصر، وتم تسميته باليوليانى، حيث تحول من التاريخ القمرى إلى الشمسى، وتم اعتماده فى أوروبا وباقى الإمبراطورية الرومانية حتى القرن السادس الميلادى حين تم اعتماد التقويم الميلادى على ميلاد المسيح هو الرسمى.

مرت تسمية شهور السنة قديمًا بمرحلتين أساسيتين، الأولى حينما كانت تعرف الشهور بالأرقام فكانوا يقولون الشهر الأول والثانى والثالث، كما الحال فى الأشهر الرومانية القديمة، وعلى هذا النحو جرى اليهود قبل الميلاد، فكانت شهورهم تعرف بالأول والثانى كما فى أسفار التوراة خصوصًا أسفار موسى الخمسة، فيما كانت السنوات لديهم تعرف أو تنسب لحكم معين، أو حادثة معينة، فكانوا يقولون السنة الخامسة لحكم بلتشصر، أو السنة الثالثة للقحط.

فى المرحلة الثانية، بدأ الرومان يسمون الأشهر بأسماء أشخاص أو حكام أو قادة، تخليدًا لهم وتعظيمًا كما هو الحال فى أغسطس ويوليوس، أو نسبة الشهر إلى إله كما هو الحال فى «تموز».

وفى التاريخ الشمسى لشهور السنة مجّد الرومان آلهة الرومان الأسطورية، إضافة إلى إطلاق اسم يوليوس قيصر وأغسطس قيصر على شهرين من 12 شهرا.

يرجع اسم «يناير» إلى جانوس إله الشمس لدى الرومان، ذي الوجهين، ينظر بأحدهما إلى الماضى، ويتطلع بالآخر نحو المستقبل.

وجانوس وفقًا للمعتقدات الرومانية القديمة يحرس أبواب السماء، لذلك كانوا يمثلونه بصورة رجل مكتمل البنيان، يحمل بيده اليمنى صولجانا وباليسرى مفتاحًا، وكان أيضًا حارسًا لشروق الشمس وغروبها، فهو ينظر بوجه لشروقها ويتابع بالآخر غروبها، وكان لهذا الإله مقام رفيع، لأن الرومان اعتقدوا أنه شفيع كل نهاية، ومبارك كل بداية.

وفى المعتقد الرومانى القديم، كان جانوس أو «يانوس» يجلس عند مدخل السنة فيتطلع إليه العباد ليمن عليهم بالخير والحظ، وكانت أبواب معبده فى روما تظل مفتوحة أثناء الحرب ولا تقفل إلا وقت السلم.

وفى الرومانية القديمة «يناير» كان يسمى أىضا «منسوس ينايرس» وتعنى بالعربية «يناير»، وقد اشتقوا تسميته من اسم الإله «ينايريوس» إله الآلهة الرومانية ويعنى رب الأرباب ومن معانى اسمه الباب أو الدخول ويقصد باب العام الجديد.

الإله ذو الرأسين كان المتحكم فى الدورة الزراعية خلال العام فى خصوبة الأراضى، وكانوا يحتفلون ويذبحون الأضاحى ويقدمون الأكل  ويمتنعون عن الزراعة وحرب الأرض طيلة 12 يوما الأولى من شهر «يناير» تضرعا له، ثم يعودون لعملهم فى اليوم الثالث عشر من الشهر.

أما فى الشام والعراق فقد سمى «يناير» «كانون الثانى» من التسمية السريانية «كانون أحراى» ويبدأ يناير فى «علم التنجيم السريانى القديم» عندما تكون الشمس فى برج الجدى وينتهى فى برج الدلو وفلكيًا عندما تبدأ الشمس فى برج القوس وتنتهى فى برج الجدى.

 

يناير.. بريشة لياندرو باسانو
يناير.. بريشة لياندرو باسانو

 

وأطلق الأنجلو سكسونيون على «يناير» «شهر الذئاب» والأنجلو ساكسون قبائل غزت بريطانيا خلال القرنين الخامس والسادس وسبب تسمية يناير بشهر الذئاب أن الذئاب اعتادت على الخروج خلاله للعثور على الطعام فى مساكن البشر.

وفى التقويم اليابانى يسمى موتسوكى، ويعرف اليوم الثانى من الشهر بالهاتسوميومى، واليوم السابع باسم ناناكوسا، وفى اللغة الفنلندية يسمى الشهر تاميكو والذى يعنى شهر البلوط، ويعرف الاثنين الأول من يناير بيوم الهدايا فى أسكتلندا وشمال إنجلترا، حيث تبدأ سنة الزراعة بشراب الأحد يوم عيد الغطاس.

وفى الثقافة الأمازيغية يسمونه بناير أو جانفى أو ناير بحسب اختلاف اللهجات فى شمال أفريقيا.

وهو الشهر الأول من السنة الأمازيغية، ويتزامن حلوله مع اليوم الثانى عشر من بداية السنة الميلادية.

ويبدأ التقويم الأمازيغى من تسعمائة وخمسين قبل الميلاد، وبالتالى فإن التقويم الأمازيغى يزيد تسعمائة وخمسين سنة عن التاريخ الميلادى، وعلى سبيل المثال توازى السنة الأمازيغية 2955 السنة 2005 الميلادية.

واعتقد الأمازيغ أن الاحتفال بشهر يناير الباب لسنة سعيدة، واختلفت احتفالاتهم بالشهر من قبيلة لأخرى، وفى التاريخ ابتكر الأمازيغ «الكسكسى» أكلة مفضلة ذلك الشهر إرضاء له.

وفى أسطورة قديمة قيل إن عجوزا أمازيغية استهانت بقدرة شهر يناير وكرمه وأرجعت صمودها ضد برد الشتا ء القارس إلى قوتها ولم تشكر السماء، فغضب إله شهر يناير فطلب من الخالق أن يقرضه يومًا حتى يعاقب العجوز على جحودها.

وإلى يومنا هذا يستحضر بعض الأمازيغ «يوم العجوز» ويعتبرونه يوم الحيطة والحذر فيمتنعون فيه عن الخروج للرعى مخافة عاصفة شديدة، كالتى صبها يناير على العجوز فى الأسطورة.