الثلاثاء 3 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

احتفالا بيوم ميلادها.. نستعيد ذكرى فيلم عن حياتها

«داليدا» .. عن الحياة التى لم تعد تُحتمل!

تسير «داليدا» برفقة كلبها وحيدة فى الشارع، بعدما قابلت أخاها ومدير أعمالها «أورلاندو» لتقدم له كنزة كانت قد خيطتها بنفسها، وقالت له بعدما أعطته إياها : «أهديك هذه الكنزة لكى تتذكرنى دائمًا».. تعود إلى المنزل، وتخبر مدبرة شئون المنزل بأنها ليست فى حاجة إليها  لأنها ستذهب إلى المسرح لمقابلة رجل، فتخرج مدبرة شئون المنزل، وبعدها ترتدى «داليدا» ملابسها الراقية، تتأمل المنزل لفترة، تدخل إلى غرفة النوم، تدس بضع حبوب فى فمها، ولم تنس أن تكتب قبل أن تموت: «سامحونى.. الحياة لم تعد تُحتمل».



تبدو هذه هى نهاية فيلم «داليدا».. لكن المؤلفة والمخرجة «ليزا أزويلوس» تبدو غير مقتنعة، فتعرض فى لقطة طويلة لـ «داليدا»- بعد وفاتها - وكأنها فى السماء أو الجنة، بوقفتها الشهيرة حيث تمد ذراعيها لأعلى، وفوقها يحتل اسم «داليدا» المضاء بالأنوار مساحة ضخمة، وكأن «داليدا» التى حاربت الكثير فى الحياة قد انتصرت أخيرًا على الحياة بالموت!

فيلم «داليدا» هو فيلم روائى طويل، صُدر فى أوائل عام 2017، وقد أحببنا أن نسترجع تفاصيله لأننا نحب أن نحتفل بذكرى ميلاد «داليدا» فى شهر يناير (17 يناير 1933 – 3 مايو 1987) على طريقتنا الخاصة.

فيلم Dalida مُستوحى من قصة حياة «داليدا»، لعبت دورها عارضة الأزياء الإيطالية «سفيفا ألفيتى»، والتى كانت قريبة الشكل جدًا من «داليدا»، بل إن لها نفس الطول أيضًا !.. وكانت «سفيفا» قد صرحت وقتها عن الفيلم بالقول: «لم أصدق بعد ما يجرى وكأننى فى حلم».. وأضافت «سفيفا ألفيتى» وقتها أن فوزها بالدور يعُد «معجزة»، بعد كل الوعود الكاذبة التى تلقتها من منتجين ومخرجين، حتى أنها كادت تتخلى نهائيًا عن المسرح والسينما وتعود لعروض الأزياء، خاصةً بعدما نافستها على الدور ممثلات فرنسيات وإيطاليات شهيرات مثل الممثلة الفرنسية «نادية فارس» التى كانت أقرب ممثلة للدور.

 

 
 
 

 

وكان قد سبق أن أعلن موقع بلجيكى عن إجراء Casting خاص بفيلم حول حياة «داليدا»، وبعدما وقع الاختيار على «سفيفا»، استغرق التصوير الرئيسى للفيلم حوالى شهرين ونصف الشهر بالفترة بين 8 فبراير 2016 إلى 22 أبريل 2016فى عدة دول: فرنسا، إيطاليا، والمغرب، ليصدر أخيرًا الفيلم فى عام 2017.

بالتأكيد تأثير مصر على حياة «داليدا» طاغ، والفيلم لم يهملها، إلا أن فترة حياة «داليدا» فى مصر – كما صورها الفيلم - مؤلمة، ففى مشاهد متتابعة تتذكر «داليدا» طفولتها فى «شبرا» فى حضور طبيبها النفسى، ونرى سخرية الفتيات الأخريات منها لارتدائها نظارة، وكانت الراهبات تحاول حماية «داليدا» فى المدرسة من الفتيات.. وبعدما تعود «داليدا» الصغيرة إلى البيت،تخبر عائلتها كيف ترى نفسها فتاة قبيحة.. ويزداد الأمر سوءًا حينما يتم القبض على والدها العازف الإيطالى «لوسيان موريس» من المنزل للاشتباه فى تعاونه مع الألمان ضد الاحتلال البريطانى وقت الحرب العالمية.

تأثير وتتابعات هذه الوقائع تبدو مستمرة على «داليدا» حتى بعدما كبرت، ففى تتابعات أخرى تتذكر «داليدا» والدها «لوسيان»، والذى خرج من السجن مثلما دخله دون سبب!.. تتذكر كيف تحول وأصبح غريب الأطوار.. كيف كان يضربها هى ووالدتها.. ويبدو أن هذه الفترة الشائكة فى السرد لم ترضِ عائلة «داليدا»، ففى تصريح لوكالة «فرانس برس» وقتها انتقدت «كاثرين موريس» - ابنة «لوسيان موريس» وشقيقة «داليدا» - أن الفيلم كان فيه تصوير غير دقيق لوالدها، مضيفة أنه لم يتم استَشارتها أثناء إنتاج الفيلم عن تلك الفترة.

فى الوقت نفسه يتعمق الفيلم أكثر فى نفسية «داليدا»، ونفهم تأثير ما سبق وسبب شراهة «داليدا» فى الوقت نفسه، بل رغبتها الدائمة فى البحث عن الحب، فتقول لإحدى عشاقها وهو المغنى الإيطالى «لويجى تنكو» عن طريق الحب، وبعد فترة ينتحر العشيق، ليصبح الموت بدلًا من الحب هو الذى يحيطها من كل جانب، فلا تستطيع سوى أن تستسلم له بدليل محاولتها الانتحار الأولى فى الفندق، وهو ذات الفندق الذى انتحر فيه حبيبها «لويجى».

سلسلة الانتحارات لعُشاق «داليدا» يشير لها الفيلم بأن الحب الذى تبحث عنه «داليدا» هو ذاته لعنتها، بل إنه هو ذاته الطريق للموت، والذى يحاول كما ترى «داليدا» أن يسحبها من الحياة التى تجاهد لتنتصر فيها، بعد بداية طريقها فى الفن والصعوبات التى تلقتها وحتى شهرتها بعد ذلك.

الفيلم يغفل فى الوقت نفسه بعض الفترات المجهولة من حياة «داليدا» مثل تلك الفترة التى ارتبطت فيها «داليدا» بشاب جامعى، وحملت منه، لكنها تجهض الطفل فجأة وتقطع علاقتها بالشاب، رغم أنها كانت تحب الأطفال جدًا، بل إن أحد أسباب عودة «داليدا» للحياة الطبيعية بعد فترة من العلاج النفسى يوعزها الفيلم بسبب الطفل الذى دخلت به عائلة «داليدا» عليها، وهو ما أسعدها كثيرًا، بل إنها أخذت فى مداعبة الطفل لفترة، بل أطلقت عليه اسم «لويجى»، وهو ذاته اسم حبيبها المطرب الإيطالى الذى انتحر!.

أيضًا أغفل الفيلم تمامًا الجانب السياسى من حياة «داليدا»، مثل أن «داليدا» كانت على علاقة قوية وقريبة جدًا من الرئيس الفرنسى الأسبق «فرانسوا ميتران»، حيث دعمت «داليدا» حملته الانتخابية عام 1981، حتى تكهن الكثيرون فى ذلك الحين بوجود قصة حب تجمعهما، كما ربطتها صداقة قوية بـ «جاك شيراك»، حيث كانت «داليدا» تهتم بالشق السياسى وبناء علاقات مع كبار رجال السياسة بفرنسا.

الفيلم أيضًا شطب مثلًا الكثير من تفاصيل فى علاقة «داليدا» بالمخرج العالمى الراحل «يوسف شاهين» فى فيلم «اليوم السادس»، وهو يعتبر ثالث أفلام «داليدا» وأولى بطولاتها، واكتفى فقط بمشهد بسيط بين «داليدا» وطفل يتحدثان فى الفيلم، فيسأل الطفل ببراءة عن قصص حبها ومحاولات موتها، وهو المشهد الذى له دلالاته فى سياق الدفع بلحظة النهاية وانتحار «داليدا».

أيضًا الفيلم لم يذكر دافع «يوسف شاهين» لاختياره «داليدا»، فـ «شاهين» لا يعمل إلا بدافع من ذاته، فمثلًا استعانته بـ «داليدا» كان سببها الحقيقى كى يضمن بوجودها توزيعًا عالميًا للفيلم، يعوضه بعضًا من تكلفته الإنتاجية، خاصة أن «داليدا» لم يكُن لها علاقة قوية بالسينما عكس عالم الغناء.. وقد علق «شاهين» وقتها على الصورة الباهتة، الجافة، التى ظهرت بها «داليدا» بالفيلم قائلًا: «قمت بإرسال هذا الدور للكثيرات من الممثلات المصريات، لكنهن جميعًا رفضن الدور، لأنهن هاويات ولسن محترفات فن كداليدا، لكن المشكلة الكبرى التى وقعت بها هى الاحتفاظ بلكنة داليدا الخواجاية فى النسخة العربية للفيلم، والتى لا تتفق ولا تتطابق مع شخصية السيدة الريفية بالأصل والتى تعيش فى حى قاهرى شعبى بالفيلم، وكنت قد اتفقت مع السيدة فاطمة عمارة على الأداء الصوتى لداليدا، لكنى خفت فى اللحظات الأخيرة من غضب الجماهير التى ستفاجأ بعدم وجود صوت داليدا ذاته بالفيلم».

فى النهاية يبدو أن المؤلفة والمخرجة «ليزا أزويلوس» تعمدت إغفال ما سبق أو عدم تبرير بعض تصرفات «داليدا»، والتركيز على فيلم يهتم بـ «دراما الشخصية» أكثر، وبالتالى الحبكة فى الفيلم ليست تقليدية، فالفيلم لا يسير بالمرور الزمنى الطبيعى لسرد الأحداث، بل ينتقل من زمنٍ لآخر، بالتالى الفيلم أقرب إلى الغوص فى دراما شخصية «داليدا»، ورغم أن هذه النوعية من الأفلام تعتبر صعبة التلقى حتى بالنسبة للجمهور العادى، إلا أن الفيلم يخرج من هذه الأزمة تمامًا، فالفيلم ممتع وغنى بالعنصر البصرى «التصوير»، والذى ساهم فى إبراز حالة «داليدا» فى مراحلها المختلفة، بل هناك اهتمام بالتشكيل اللونى إلى حدٍ كبير فى عنصر الصورة وعدم إغفاله أبدًا، مع المزج بين أغانى «داليدا» والتى لا تمثل هنا فواصل أكثر ما تدفع الدراما أكثر للأمام.. فمثلًا حينما أصرت «داليدا» على غناء أغنية Je Suis Malade رغم معارضة أخيها ومدير أعمالها «أورلاندو»، نرى «داليدا» على المسرح، تبكى أمام الجمهور وهى تغنى بكلماتٍ رقيقة عن روحها المعذبة والحب، نتابع فى نفس الوقت انتحار أحد عُشاقها.. انهيار «داليدا» بعدما علمت.. وكأن الأغنية تتضافر مع دراما العمل لدفعه للأمام للوصول بلحظة انتحار «داليدا» فى النهاية.

فى مشهدٍ دال تتحدث فيه «داليدا» مع طبيبها النفسى عن رغبتها بالموت، فيخبرها الطبيب بأنها تمثل حلمًا للكثيرين وأملًا، فتسأله «داليدا»: «وماذا عنى أنا ؟».. وكأن الصراع بين «داليدا» و«داليدا» لم ينتهِ– كما ذكرنا - سوى بالموت.