الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الهروب من «تلقيح الكلام»!

سنة جديدة فى القرن الواحد والعشرين، ولا يزال بعضهم ينظر للتى لم يسبق لها  الزواج أو الخلفة «عقبال عوضك»، وكأن عوضها منحصر فقط في «الرجل والعيال».



ليس هذا فقط؛ بل يعتقدون أن حياتها متوقفة عليهم، لأنهم من مؤيدى جملة «الست ملهاش غير بيتها وجوزها»، وأن قطار «العدل» سيفوتها كلما تقدمت فى العمر.. مشفقين على حالها ولأنها تأخرت فى الزواج والإنجاب.

هذه دعوة لتغيير وجهة نظر .. ليست فقط عند واقعة إنما هى أيضا «قديمة قوى».

أتذكر عندما هاتفتنى صديقتى منهارة فى البكاء، لدرجة لم أستوعب كلامها، إلا بعد أن هدأت.. لتخبرنى بغضب عارم، أنها فى فرح صديقتها، وهناك قابلت سيلًا من الكلام انهال عليها لعدم زواجها: «عقبالك، شدى حيلك بقي، ربنا يعوضك خير» وغيرها من جمل الطبطبة عليها وكأنهم يواسونها على حالها الموقوف من وجهة نظرهم.

لم تستوعب صديقتى ما يدور حولها من إيماءات بالكثير من  الشفقة على  تأخر عوضها.. تركتها تكمل حديثها، بينما شردت بذهنى بعيدًا، ربما لأننى لم أتخيل أن المرأة مهما  كانت متحققة وناجحة ومتقدمة فى حياتها، لا يزال  يُنظر لها على أن «عوضها الحقيقي» فى البيت والأسرة فقط، وكأن من فعلت هذا، نالت أعظم انتصارات الحياة !!

فربما كان لهذه الجملة تأثير عظيم فى أزمنة سابقة، لكنها الآن لا معنى لها فى ظل تحققات المرأة فى الكثير من المجالات وتقلُّدها أعلى المناصب سواء متزوجة أم لا.

تحقق المرأة هو العوض الحقيقى بالنسبة لها، أما الباقى فما هو إلا قسمة  ونصيب.. لذلك أكدت الكثير من السيدات فى وقتنا الحالى بأن «العوض مش خلفة والعدل مش راجل»..

كلام فاشل..

هذا ما أكدته «رنا فؤاد» التى مرت بتجربة سيئة بسبب هذه الطريقة فى التفكير، قائلة: «كنت متسرعة فى خطوة الزواج بسبب كلمة عقبالك التى كانت دائمًا تقال لى منذ الصغر فى أى مناسبة كنت أخضرها مع عائلتي»، تضيف: «وجدت نفسى فى إحدى المرات أرد نيابة عن أمي» إن شاء الله ياطنط لما أخلص جامعة».. وكأن مكتوب علينا منذ الصغر، أن عوضنا فقط فى الراجل.. وبالفعل هذا ما حدث ارتبطت بعد التخرج.. كنت أتباهى بارتباطى أمام أقاربى وأصحابي، حتى لا أشعر بأنهم أفضل منى فى شيء.. وأيضًا خوفى من الكلام الذى كنت أسمعه دائمًا عندى فى العائلة، أن فرص الزواج تقل كلما كبرت الفتاة فى العمر.. لذلك أصبح همى الشاغل بعد التخرج هو الارتباط.

ووافقت على أول شخص تقدم لى عن طريق أقاربي.. وخلال سنة تم زواجي.. ومثلما يقال «اتخدت من الدار للنار».. كانت الحياة بالنسبة لى البيت فقط والمهام المنزلية والزوجية.. كنت وقتها متخيلة بأن الحياة ستكون أهدى.. لكننى سرعان ما وجدت «تنبيط بالكلام» على تأخر الخلفة، وفى كل مناسبة تتردد كلمة «عقبال عوضك».

متابعة: تفاقمت المشاكل وحدث طلاق بعدها بثلاث سنوات.. كانت الحياة وقتها بالنسبة لى قد انتهت.. لأن هذا ما تربينا عليه «أن البنت ملهاش غير بيتها وجوزها».. لكننى اكتشفت أن هناك حياة أخرى، حرمت نفسى منها بسبب المشى وراء الكلام الفاشل.

قررت أن أشتغل وأنخرط فى المجتمع وأحقق ذاتى، وبعد تدرجى الوظيفى فى البنوك ها أنا الآن مديرة فرع أحد البنوك الخاصة.. وقتها عرفت أن العوض فى الحياة مش راجل وخلفة.. العوض قد يكون فى أشياء أخرى أرقى.

تفكير رجعى

أما «دعاء عيسى» فتؤكد أنه كده كده الناس فى كل الأحوال ستتكلم.. سواء البنت كبيرة أو صغيرة سواء متزوجة، أو مطلقة، أو عازبة أو حتى أرملة. تقول: «بمنتهى البساطة مجتمع لا يحترم خصوصيات الست ولا حياتها الشخصية.. وبالتالى يحكم عليها من المظهر.. بل ويتحكم فى حياتها دون وجه حق.. فإذا كان مقياسهم للست وجودها فى البيت فقط، لأنهم معتقدون بأن هذا هو عوضها الوحيد.. فهنيئًا لهم هذا التفكير الرجعي.

تكمل: «اللى مقتنع بالكلام ده النهاردة يقولون هذا، هم قلة قليلة فى المجتمع.. فقد أصبحت الفتيات أكثر وعيًا وفهمًا عن زى  قبل.. لا يتسرعن فى الزواج، فمنهن من تطلب فترة طويلة للتعارف قبل الارتباط فى حالة لم يسبق لها الزواج.. وإذا كانت متزوجة فالكثيرات منهن يرفضن الخلفة فى أول أو ثانى سنة.. لذلك فقد أصبح الأمر الآن  بالنسبة لنا  اختياريًا وليس إجباريًا مثلما كان يحدث فى الماضي».

أضافت دعاء: أن الزواج بالنسبة لنا الآن لا يشغل أولى المراتب فى حياتنا.. بل فى المرتبة الثانية وأحيانًا الثالثة.. لأن سلاح البنت الآن هو شغلها واعتمادها على نفسها وليس الجواز والخلفة.. وهذه النسخة الجديدة التى تربينا عليها فى بيت أهالينا.

موضحة، لا أعنى بقولى هذا إننى ضد الزواج أو الخلفة.. لكنه فى الآخر نصيب وليس عوضا.. لأن العوض يأتى فقط من عند الله.. فهو وحده الذى يعوضنا عن كل ما هو جميل سواء بعد الصبر الطويل أو الحزن أو حتى فى الفرح.. وبالتالى من الصعب أن أربط العوض بالجواز والخلفة.. لأن هناك زيجات نقمة تجلب الهم والحزن والمرض لصاحبتها.. والعوض عمرة ما كان به شيء وحش.