الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
ذنب لا يغتفر.. الثأر على الطريقة الأمريكية

إستراحة مشاهد

ذنب لا يغتفر.. الثأر على الطريقة الأمريكية

انطلاقًا من كون منصات البث التدفقى – نتفلكس مثالاً- قد أتاحت ما يمكن تسميته بالمشاهدة التزامنية، وليس المتتالية عكس السينما، أى أن عددًا كبيرًا من الناس يمكن أن يشاهدوا الفيلم الجديد فى الوقت نفسه، لا عبر أيام متتالية يحتاجون فيها للذهاب إلى السينما والبحث عن مقعد فى حال الإقبال على الشريط حديث الصدور، فإن هذا المقال سيحمل حرقًا لأحداث فيلم The Unforgivable كون منصات التواصل الاجتماعى ازدحمت بالفعل بتفاصيل الفيلم وأى فيلم آخر يحظى بهذه المشاهدة التزامنية.



الكل أشاد بأداء ساندرا بولوك فى فيلم «ذنب لا يغتفر»، بل منحوها جائزة الأوسكار مقدما، هؤلاء أيضًا أشادوا بالمعنى الذى يحمله الفيلم، كيف أن المجتمع لا يغفر لمن يرتكب جريمة حتى بعدما قضى العقوبة، ولا يبدأ التسامح معه إلا بعد معرفة الحقيقة، أى أن الفيلم ينتقد مجتمعًا لا يتسامح مع قاتلة هى وحدها التى تعرف حقيقة براءتها، ومطلوب من المشاهد أن يتعاطف معها دون أن يعرف أنها ليست القاتلة الحقيقية، بل إنها تستمر فى إخفاء السر حتى بعد مرور 20 عامًا على الواقعة، ورغم أن السر نفسه يمنعها من الاطمئنان على شقيقتها التى تركتها طفلة فى الخامسة لترعاها أسرة أخرى، وحسب القانون لا يحق للقاتلة – حتى لو كانت الأخت الكبرى والوحيدة- أن ترى شقيقتها بعد أن قضت عقوبة السجن.

كان الأحرى بالفيلم هنا أن يناقش القانون نفسه، وكيف يجب أن يتغير حسب ظروف كل قضية، لكن ما حدث كان نوعًا من التلاعب الدرامى بالمشاهدين، فكرة أن البطلة وحدها هى التى تعرف الحقيقة، وأن الكل يتعامل معها على أساس الواقع الموثق، ومطلوب من المتفرج أن يتعاطف أولاً، ثم يندهش فى نهاية الفيلم لأن البطلة حملت كل هذا العبء لعشرين سنة، ترك المنبهرون تلك الثغرة الدرامية، تركوا مثلاً أنه عندما هددها ابن القتيل بقتل أختها بدلاً منها، لم تفكر فى الاعتراف بأن الطفلة هى القاتلة الحقيقية، هل خافت من أن يقتل الأخت؟ لماذا لم تغامر بذلك بدلاً من أن تغامر بمحاولة إقناعه بأنه لن يستفيد شيئًا من التحول إلى قاتل؟ كل هذه التساؤلات تركها المنبهرون وركزوا على أن ساندرا بولوك مثلت الدور كله بدون ماكياج، وكأن ذلك أمرًا يحتاج إلى نقاش وكأنهم يتكلمون عن ممثلة عربية لن يغادر الماكياج وجهها حتى وهى نائمة طالما أنها تمثل.

 

ساندرا بولوك فى فيلم «ذنب لا يغتفر»
ساندرا بولوك فى فيلم «ذنب لا يغتفر»

 

الفيلم يبدأ بالإفراج عن البطلة السجينة بعد 20 عامًا بسبب حسن السير والسلوك، لكن باشتراطات أهمها ألا تقترب من أختها التى تركتها طفلة بعدما قتلت – البطلة كما نظن فى البداية- ضابط شرطة يحاول إخلاء منزلهما بالقوة. لا نفهم كثيرًا عن سبب هذا الإخلاء بالمناسبة، ثم نرى نجلى القتيل يحاولان الأخذ بالثأر، الأكبر يقنع الأصغر الذى كان يريد استكمال حياته بدون مشكلات، لكنه يقرر الانتقام بعدما يكتشف أن شقيقه يخونه مع زوجته (!) ولو أن خط زوجة المنتقم بالكامل حُذف من الفيلم وعرفنا فقط أن للقتيل أبناء يبحثون عن الثأر ما تأثر السرد ولا شعر المتفرج بثمة حلقة مفقودة، ناهيك عن غرابة فكرة الأخذ بالثأر بعد مرور عشرين عامًا فى بلد كأمريكا، وغرابة أن يكون ساكن المنزل محل الجريمة بالصدفة محاميا ويقرر مساعدة البطلة رغم زيارتها المثيرة للتساؤلات لمنزلها القديم، ثم يختفى دون مبرر درامى واضح لتقوم الزوجة المعارضة للمساعدة بدوره لاحقًا عندما تعرف الحقيقة، وسط سلسلة من الأحداث غير المنطقية فى قصة يقال إنها مستندة لواقعة حدثت بالفعل.

باختصار، فى هذا الفيلم «ذنب لا يغتفر» فازت فقط ساندرا بولوك كممثلة، فازت بمفردها لأن باقى الممثلين ومنهم مخضرمون مثل فيولا ديفيس وجون برينثال لم يمنحهما الفيلم مساحة كافية للظهور، وهو ذنب آخر لا يغتفر لمخرجته الألمانية نورا فانيشدت.